الأسلمة (الحرام) والعلمنة (الحلال)
من حق الجميع أن يحصل الآن على حقه من أجل إثبات كفاءته وخدمة الشعب في جميع المناصب الهامة، ولكن هذا موضوع سينقلنا إلى التوافق الإسلامي والتحالف المنشود والذي لم يصل حتى الآن إلى ما تطمح إليه الأمة ويستغله البعض من أجل دق الأسافين وتعميق الخلافات بين الأطراف الإسلامية المختلفة؛ من أجل إظهارها أمام الناس في صورة مشوهة وإفشال المشروع الإسلامي قبل أن يبدأ فعليا حتى الآن..
الإسلاميون
ظلت الأنظمة العلمانية التي جثمت على قلوب المواطنين في العالم العربي عشرات السنين تضع العلمانيين من اليسار واليمين في مختلف مؤسسات الدولة، وتستبعد الإسلاميين أو من يمت لهم بصلة ولو من بعيد من المناصب الحساسة وسط صمت رهيب من جميع المنظمات الحقوقية (المحلية والعالمية)، ولم ينبت علماني واحد ممن يهاجمون الأسلمة أو الأخونة الآن -كما يقولون- ببنت شفة..
وكانت مواقع مثل الجيش والشرطة والسلك الدبلوماسي محظورة تماما على من يشتبه في تدينه فضلا عن أن يكون منتميا إلي تيار إسلامي، وتم فصل عدد كبير من الموظفين في المناصب الحساسة عندما تم الكشف عن وجود صلات تجمعهم مع بعض أفراد التيار الإسلامي، بل وصل الأمر إلى إقصاء التيار الإسلامي تماما من سلك التدريس، واستبعادهم من العمل في مجال التربية والتعليم وتحويلهم إلى وظائف إدارية مهما كانت كفاءتهم..
ونفس الأمر كان في مجال الإعلام حيث سيطرت اتجاهات بعينها عليه، أغلبها من اليسار الذي لا يناصب التيار الإسلامي فقط العداء الشديد ولكن يناصب عدد من أحكام الشريعة المتفق عليها العداء، مثل الحجاب الذي يراه تطرفا ورجعية..! ولم تجد الأنظمة المستبدة غضاضة في ذلك حيث كان الأمر يصب في مصلحتها في النهاية لخوفها الشديد من شعبية التيار الإسلامي، ووجدت ضالتها في هؤلاء الموتورين لكي يشنوا حربهم ضده وقربت عددا كبيرا منهم ومنحتهم مناصب كبيرة، وأطلق وزير الثقافة في إحدى الدول العربية مقولته الشهيرة: "أنه تمكن من إدخال المثقفين الحظيرة"، ورأينا عددا من المثقفين الذين كانوا يزعمون المعارضة للأنظمة يعملون لحساب هذه الأنظمة المتسلطة ويصمتون عن غيها واضطهادها للإسلاميين..
وعندما جاء الربيع العربي وتمكن الإسلاميون من الوصول للحكم بعد انتخابات نزيهة وبعد معاناة طويلة وعمل دؤوب بدأت الحرب ضدهم بدعوى أنهم يؤسلمون المناصب الهامة، ولم يضعوا في حسابهم السنوات الطويلة السابقة عندما كان يتم استبعادهم منها وكأن هذا هو الطبيعي، وأن العلمانيين هم الأكثر كفاءة دائما وأن الطبيعي أن يستولوا على المناصب المهمة وتجاهل الإسلاميين، وإذا حدث العكس فهي كارثة ماحقة تنذر بتغيير مفاصل الدولة، والسؤال هل مفاصل الدولة كانت سليمة عندما كان العلمانيون يسيطرون عليها؟ وهل كتب على الإسلاميين الإقصاء حتى وهم في السلطة باختيار الشعب؟ الأهم في ذلك أن الإسلاميين من حقهم أن يتولوا المناصب التنفيذية التي ترتبط بهموم الناس حتى يستطيعوا أن ينفذوا برامجهم، خصوصا مع تسلط عدد من أصحاب الوظائف التنفيذية وتعطيلهم لبرامح الإصلاح حفاظا على مصالحهم وكرها لنجاح الإسلاميين، وهو الأمر الذي يحاولون من خلاله القيام بثورة مضادة واستنساخ النظم السابقة التي تم الثورة عليها..
قد ينكر البعض تخصيص تيار إسلامي بعينه لتولي هذه الوظائف، وهو صحيح في مجمله لأن التيار الإسلامي بأكمله كان يعاني من التهميش، ومن حق الجميع أن يحصل الآن على حقه من أجل إثبات كفاءته وخدمة الشعب في جميع المناصب الهامة، ولكن هذا موضوع سينقلنا إلى التوافق الإسلامي والتحالف المنشود والذي لم يصل حتى الآن إلى ما تطمح إليه الأمة ويستغله البعض من أجل دق الأسافين وتعميق الخلافات بين الأطراف الإسلامية المختلفة؛ من أجل إظهارها أمام الناس في صورة مشوهة وإفشال المشروع الإسلامي قبل أن يبدأ فعليا حتى الآن..
وهو أمر تتحمل جميع التيارات الإسلامية مسؤوليته، فتهميش طرف ما ومحاولة أن يتصدر وحده المشهد كممثل وحيد للتيار الإسلامي لن يأتي في مصلحته حتما بقدر ما سيشوهه ويعطي الفرصة للأعداء من أجل التغلب عليه والانفراد به بعيدا عن بقية الركب للقضاء عليه، وهو ما نراه ماثلا أمامنا الآن.
خالد مصطفى
- التصنيف:
- المصدر: