ويمضي نهر الزواج
في اللحظة التي يبدأ كلا الزوجين فيها بحصد ما جناه في هذا المشروع ومقارنته بما يبذله يبدأ الخلاف ويتجلّى الاختلاف بينهما لما ينبغي أن يأخذه كل منهما ويعطيه، وهنا يقع بعض الأزواج في الكثير من الأخطاء في تعاطيهما مع مخرجات هذه المرحلة ممّا يهدّد بتقويض العلاقة وهدم أركانها في مهدها، وتتباين هذه الأخطاء بتباين البيئات القادم منها الزوجين
بسم الله الرحمن الرحيم
ينحدر النهران الصغيران ببطءٍ ويتدفقان برتابة وهما يسيران جنبًا إلى جنب في قناتيهما وتضيق المسافة بينهما شيئًا فشيئًا... حتى يبلغا نقطة الالتقاء فتتناثر أجزاؤهما من أثر الاصطدام وتختلط في عملية امتزاج مدهشة، ثم يعود الهدوء ليخيم من جديد ويبدآن معًا مواصلة الرحلة بعد أن خطا بينهما برزخٌ لا يمنع سيرهما في قناة واحدة تسعهما معًا.
قد يصطدمان بعد ذلك مرارًا بأحجار متساقطة ذات اليمين وذات الشمال، وقد يزدحمان في مضايق عدة إلا أن خبرة الاصطدام الأول قد زادتهما قدرة على تجاوز هذه المحن وامتصاص الصدمات، وهكذا تسير الحياة الزوجية.
فبعد انتهاء ثورة الانجذاب الفطري بين الرجل والمرأة في العلاقة الزوجية يبدأ كلا الطرفين في رسم حدوده الخاصة والتي لا يرغب من شريكه أن ينتهكها بحال.
وهذا في مرحلة من مراحل الزواج الحساسة والدقيقة للغاية والتي تعد المؤسس الحقيقي لمشروع الزواج طويل المدى، إنها مرحلة التأقلم مع الزواج.
إذ يبدو في هذه المرحلة كأنّ كلا الزوجين يضع استراتيجية مشروع عمره، فيعلو صوت الأنا وتبرز المشاحّة على الحقوق في أبشع صورها، شيء ما يغطّي مشاعر الحب والود التي أغدق كلا منهما الكثير منها على شريكه.
لا ينبغي أن ينظر إلى هذا بازدراء وتعجب فمشروع الزواج قائم على أساس نفعي ومصالح متبادلة لذا وضعه الفقهاء بين المعاملات وهو يبدأ بصكوك وشهود وأموال تنقد وشروط تحترم فالمشاحة أمر وارد فيه.
وفي اللحظة التي يبدأ كلا الزوجين فيها بحصد ما جناه في هذا المشروع ومقارنته بما يبذله يبدأ الخلاف ويتجلّى الاختلاف بينهما لما ينبغي أن يأخذه كل منهما ويعطيه، وهنا يقع بعض الأزواج في الكثير من الأخطاء في تعاطيهما مع مخرجات هذه المرحلة ممّا يهدّد بتقويض العلاقة وهدم أركانها في مهدها، وتتباين هذه الأخطاء بتباين البيئات القادم منها الزوجين... فالذي نشأ منهما في بيئة مشتعلة بالخلاف بين أبوين دائمي الشجار والتشاحن والنزاع سيظنّ أنّ هذه سمة غالبة في العلاقات الزوجية ورغم تضرّره وألمه من الجدال، إلاّ أنّه لن يحاول بذل أيّ مجهود لإيجاد حلول لمشاكله وإنهاء معاناته بل سيعمد إلى أسلوب التخدير والتأجيل أو الهروب الدائم، أمّا الذي نشأ في بيئة أكثر هدوءًا واتزانًا بين أبوين يتعايشان بطريقة سلمية إيجابية كانت أم سلبية فسوف يرى في هذه الخلافات نذير شؤم وعلامة فشل في العلاقة وقد يستعجل إنهاءها مبكرًا قبل بذل أيّ محاولة للمعالجة والإصلاح.
يؤكد علماء النفس أنّ الخلافات الزوجية في مرحلة التأقلم مع الزواج لا تعني مطلقًا أنه فاشل بل إن الزيجات التي لا يتشاجر فيها الطرفان زيجات غير طبيعية لأنّ هذا يعني أنّ مرحلة التأقلم والتكيّف بين الطرفين لا تتمّ بطريقة صحيحة، ويؤكدون أن المشكلة ليست في الخلاف بل في طريقة إدارة الخلاف، إنّ ما يؤلم ليس ما يقوله الزوجان لبعضهما بل الكيفية التي يعبّران بها عمّا يريدان إيصاله لبعضهما البعض.
كلما اقتربنا من بعضنا البعض كلما كان من السهل أن يجرح بعضنا بعضًا، والعلاقة الزوجية فيها من العمق والاقتراب والامتزاج والطلب ما يكفي لجعل المجادلات بين الزوجين العنصر الأكثر إيلامًا وتدميرًا، بعض الأزواج يتجادلون طوال الوقت ويموت حبهم ببطء بسبب الجدال السّيء الجارح المؤلم، بينما هناك أزواج يكبتون مشاعرهم الصادقة من أجل تفادي النزاع والجدال المؤلم ونتيجة لكبت مشاعرهم الحقيقية وعدم التعبير عن حاجاتهم الملحة يفقدون القدرة على بذل المشاعر الطيبة لشركائهم في العلاقة الزوجية.
إن الحاجة لترسيم الحدود وشرح الذات وإشباع الحاجات تقتضي وجود خلافات نظرًا لتباين واختلاف حاجات الرجل عن حاجات المرأة في كثير من جزئيات العلاقة، والحل ليس الجدال الدائم المقلق ولا في الكبت والصبر على مضض والصمت المطبق وإنما في إحلال الحوار الراقي محلّ النزاع والجدال وإحلال البوح الصادق والشفافية والانفتاح محلّ الكبت والتصبر غير المجدي ولنتعامل بشيء من التسامح والقبول بالممكن المتيسّر مع السعي للاستزادة بالأسلوب الأكثر إنسانية.
وأخيرًا: أنصح الزوجين بالالتحاق بدورات تعلّم فنون الحوار ومهارات الاتصال واستعمال الأدب والكياسة مع بعضهما طوال الوقت فجراح الزوجية لا تنسى ولا تندمل.
نبيلة الوليدي
- التصنيف:
- المصدر: