عدم دموية الحروب النبوية
تميَّزت الحروب النبوية بأنها حروب غير دموية، بمعنى أنها لم يكن فيها ما يُعرف الآن بجرائم إبادة الشعوب، حيث نجد فيما يُسمى "بحضارات" العالم الحديثة أن بعض الزعماء أخذوا قرارات نتج عنها إفناءٌ لِكَمٍّ هائلٍ من البشر في مدينة أو دولة أو أحيانًا قارة!
عدم الإفساد في الأرض:
"لم يخرج العرب للسلب والنهب، وإنما خرجوا لنشر دين محمد، ونشر المثل العليا"[1].
"عندما سقطت قرطبة في أيدي نصارى 636هـ، قاموا بحرق مكتبة قرطبة تمامًا وبعد هذا الحدث بعشرين عامًا فقط سقطت بغداد في أيدي التتار فإذا بهم يفعلون بمكتبة بغداد نفس الشيء، حيث قاموا بجمع ملايين الكتب والمجلدات التي تحتوي على علم خمسة قرون كاملة وألقوها في نهر دجلة"[2]!
هذا حالهم ولكن الإسلام شيء آخر!
لم تكن حروب النبي صلى الله عليه وسلم حروب تخريبٍ كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران في كل مكان، ولو كان بلاد أعدائهم؛ فقد جاء في وصيّة الرسول صلى الله عليه وسلم لجيش مؤتة: « »[3].
عدم دموية الحروب النبوية:
"لقد منع محمد العرب من سفك الدماء ووأد البنات"[4].
"في عام 1979م وقع الغزو السوفيتي لأفغانستان، والذي استمر عشر سنوات ترك فيها البلد في حالة من الدمار التام[5]، بعد أن قُتِل من الأفغان ما يربو على مليون قتيل، وشوَّه ضعف هذا العدد، وشرَّد إلى البلاد المجاورة أكثر من ستة ملايين شخص"[6].
هذا حالهم أما الإسلام فهو شيء آخر!
تميَّزت الحروب النبوية بأنها حروب غير دموية، بمعنى أنها لم يكن فيها ما يُعرف الآن بجرائم إبادة الشعوب، حيث نجد فيما يُسمى "بحضارات" العالم الحديثة أن بعض الزعماء أخذوا قرارات نتج عنها إفناءٌ لِكَمٍّ هائلٍ من البشر في مدينة أو دولة أو أحيانًا قارة!
لكن حروب رسول صلى الله عليه وسلم لم تكن على هذه الصورة، ذلك أنه -كما ذكرنا- كان حريصًا على تجنب القتال ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وإذا اضطر إليه حاول أن ينهيه بسرعة، وأثناء القتال نفسه كان يحفظ دماء المدنيين، وكذلك يحفظ دماء المستكرهين على القتال، ثم بعد القتال كان يعفو إذا ملك، ويسامح ويرحم إذا غَلَب.
فجاءت حروبه على مستوى من الرقي لا تعرفه -بل لا تفهم- (الحضارات) الحديثة!
ولغة الأرقام لا تكذب!
لذلك فقد قمت بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل الحروب النبوية، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمت بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدت عجبًا!
لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول صلى الله عليه وسلم ، وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه1022 قتيلًا، وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقل[7]، وذلك لتجميل نتائج الحروب النبوية![8].
وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلًا فقط!
ولكي لا يتعلل أحدٌ بأن أعداد الجيوش آنذاك كانت قليلة ولذلك جاء عدد القتلى على هذا النحو، فإنني قمت بإحصاء عدد الجيوش المشتركة في المعارك، ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالنسبة إلى عدد الجيوش، فوجدت ما أذهلني! إن نسبة الشهداء من المسلمين إلى الجيوش المسلمة تبلغ 1% فقط، بينما تبلغ نسبة القتلى من أعداء المسلمين بالنسبة إلى أعداد جيوشهم 2%!، وبذلك تكون النسبة المتوسطة لقتلى الفريقين هي 1.5% فقط!
إن هذه النسب الضئيلة في معارك كثيرة بلغت 25 أو 27 غزوة[9]، و38 سرية[10]، أي أكثر من 63 معركة، لمن أصدق الأدلة على عدم دموية الحروب في عهده.
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية -كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة- ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة مذهلة! إن نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بلغت 351%!
ومن جديد... إن الأرقام لا تكذب!
لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي، ومع ذلك فعدد القتلى بلغ 54.800.000 قتيل! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا -وبلا استثناء- كانت تقوم بحروب إبادة على المدنيين، وكانت تسقط الآلاف من الأطنان من المتفجرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!
لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس!
وليس خافيًا على أحد أن المشاركين في هذه المجازر كانت الدول التي تعرف آنذاك -والآن- بالدول المتحضرة الراقية! كبريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا واليابان!
أي تحضر هذا؟! وعن أي رقيًّ يتكلمون؟!
ثم أين أولئك الذين يصفون رسولنا صلى الله عليه وسلم بالعنف والإرهاب؟!
قارن هذه النسب المفجعة بما كان على عهد رسول الرحمة.
فذكر هذه الأرقام قد تنير الطريق لمن أراد الهداية!
إن العودة للأرقام سترد كل مُنصفٍ إلى جادَّة الطريق، أما من اختار العمى على الهدى فلا يلومنَّ إلا نفسه!
_______________
[1] هليار بلوك -مستشرق فرنسي- (محمد والقرآن).
[2] د. راغب السرجاني (قصة التتار) ص[159].
[3] البيهقي في سننه الكبرى [17935].
[4] آرلونوف -باحث روسي-: مقال بعنوان: النبي صلى الله عليه وسلم محمد، مجلة الثقافة الروسية، ج [7]، عدد[9].
[5] هيثم هلال (موسوعة الحروب) [476].
[6] د. أحمد كنعان (ذاكرة القرن العشرين) ص[104].
[7] اعتمدت في حصر الأرقام على ما ورد أولاً في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، ثم على روايات كتب السيرة بعد توثيقها، كسيرة ابن هشام، وعيون الأثر، وزاد المعاد، والسيرة النبوية لابن كثير، والطبري، وغيرهم.
[8] كما يذكر بعضهم أن شهداء حادثة بئر معونة هم سبعة وعشرون شهيدًا بينما الصواب سبعون شهيدًا، أو كما يُسقط بعضهم قتلى بني قريظة من الحساب بحجة أنهم لاقوا ما يستحقون نتيجة خيانتهم، بينما الصواب أن نثبتهم لأنها كانت معركة حقيقية بصرف النظر عن أسبابها! وهكذا.
[9] ابن القيم الجوزية (زاد المعاد) [1/ 125]، ابن حزم (جوامع السيرة) [1/ 16].
[10] ابن كثير (السيرة النبوية) [4/ 432].
- التصنيف:
- المصدر: