تناغم المسلم مع الكون
كن كريمًا بانسجامك مع الكون من حولك في طاعة الله؛ لتكون في سعادة وحب مع نفسك ومع الكون من حولك، ومع الله فائزًا فوزًا عظيمًا في الفردوس الأعلى من الجنة، ولا تكن مهينًا وضيعًا بنشوزك، عاصيًا لله معلنًا حربك على من أكرمك بإيجادك من عدم..
قال الله تعالى في سورة [النساء:103]: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، تأملت في معنى: {كتابًا موقوتًا}، فقلت في نفسي: على أي ميقات نؤقت صلواتنا؟ فوجدت أننا نؤقت لصلواتنا حسب أطوار الشمس من خلال اليوم.
وقال تعالى في سورة [البقرة:183]: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فتأملت من أين لنا معرفة ميقات شهر رمضان الذي نصومه, فوجدت الإجابة في أننا نستعين بالقمر وأطواره لمعرفة الشهور عامة ورمضان خاصة.
ثم وجدت قوله تعالى في سورة [البقرة:203]: {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}، فوجدت أننا نعلم ميقات الحج إلى بيت الله العتيق من القمر كما قال تعالى في سورة [يونس:5]: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
وأيضًا وجدت نفس المبدأ منطبقًا على الزكاة, هذه العبادة الهامة التي نخرج أموالنا فيها تزكية لأنفسنا بعد مرور عام قمري كامل على نصاب أموالنا، وها هنا تظهر حركة القمر في فلكه من جديد في تناغم مع عبادة الزكاة، ثم تأملت في الشمس والقمر والنجوم والمجرات والكون بأسره من أكبر مجرة لأصغر جسيم أولي فوجدته يسبح طائعًا لله باتباع قوانينه ساجدًا له معترفًا بفضله..
قال تعالى في سورة [الحج:18]: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}، ففكرت مليًا في علاقة الإنسان بالكون من حوله وعلاقتهما معًا بالله عز وجل فوجدت الإنسان نوعين..
1- نوع طائع لربه متبع لأمره فهو في تناغم مع الكون من حوله، يحمد الله على تسخير الكون له يفرح بالكون كما يفرح الكون به! نعم فالكون منسجم معه يراه جزءًا منه صديقًا له لأنهما يعبدان الله معاً وحتى في نفس الأوقات! فالمسلم يعبد الله مع عبادة الشمس له -الصلاة- ويعبد ربه مع عبادة القمر لله –الصيام، والحج، والزكاة- وبهذا يكون المسلم معززًا مكرمًا في كون الله الذي سخره لأجله، يحس بأنه في قصره الرحب الجميل.
2- نوع غير طائع لله أراد بحريته التي منحها الله له أن يعصي ربه فكان بهذه المعصية نشازًا في الكون، يعاف الكون من حوله ولا يتأمل فيه ولا يتفكر في حسنه وحسن خلقته، كما يعافه الكون من حوله فيود لو أن له الحول والقوة لطرد هذا الناشز عن نغم عبادته الجميل خارجه ليقول له: "لا مكان لك بيننا فنحن جميعًا نعبد الله الفرد الصمد"، وبهذا يحس الغير مسلم بالضعة والهوان ويحس أنه نقطة مهينة في وسط كون فسيح لا يلتفت إليه ولا يهتم به، في وسط كون لم يُخلق لأجل الحياة -من وجهة نظر الكافر- بل خُلق معاديًا للحياة غير مهيئ لها.
الاستنتاج:
كن كريمًا بانسجامك مع الكون من حولك في طاعة الله؛ لتكون في سعادة وحب مع نفسك ومع الكون من حولك، ومع الله فائزًا فوزًا عظيمًا في الفردوس الأعلى من الجنة، ولا تكن مهينًا وضيعًا بنشوزك، عاصيًا لله معلنًا حربك على من أكرمك بإيجادك من عدم، خاسرًا خسرانًا مبينًا في دار القرار.
والله أعلم.
- التصنيف: