سنبقى عنوانًا للجمال
زوجتي طبيبة.. لم أر أحدًا يبغض الطب وكلمة دكتورة مثلها، تخرجت بتقدير جيد جدًا وقالت: ها أنا قد أديت لأبي حق البر، وأما مكاني فلا أراه إلا في البيت.. لا ينقضي عجبي ممن يربط بين كرامة المرأة وشعورها بذاتها وبين عملها خارج البيت!
وفوجئت لما غبت عن الفيس يومًا بمنشور -كعادة الفيس- قلبه رأسًا على عقب.. لا أحب الردود الشخصية، لكني أرجو فقط أن تكون صفحتي منادية دومًا -وأسأل الله الصدق والقبول والعافية-: احملوا سراج النور في النفق المظلم..
وتحدثًا بنعمة الله أقول:
كان شرطي أول ما وعيت معنى الزواج ألا تكون زوجتي عاملة؛ وذلك لأني ربيت في بيت كانت أمي -بصدق- ملكته، تنتظرني في الشرفة وأنا عائد من المدرسة -فديت بسمتها-، رائحة طعامها تداعبني على السلم قبل أن أنعم بحضن استقبالها، وهذا -وغيره مما أراه مهمًا في البناء النفسي للطفل- ما كان ليتسنى لها لو كانت عاملة..
كم كررت على مسمعي حكاية خطاب القوى العاملة الذي أتاها فترة خطوبتها من أبي، ليقول لها بحسم: "إما أنا أو الوظيفة.."، وكم تضحك وهي تذكر لي غيظ جدي -أبيها- رحمه الله وغضبه من انصياعها لكلامه! ربيت وأنا أرى أبي -المهندس- يعطيها الراتب في يدها أول الشهر، لتعطينا هي المصروف يوميًا، كم كانت تناقشه في زيادة معدل الإنفاق يومًا ما، ليرد بنبرته الحنونة مداعبًا: "ما هي الواحدة أما تتحكم كده".
كم كان يسرني أنه لا ينسى لها وقوفها بجانبه في الأيام الخوالي، وأما أمي فما أنسى منها كثرة ما تردد: "أبوك ده ولا في الدنيا كلها"!
زوجتي طبيبة.. لم أر أحدًا يبغض الطب وكلمة دكتورة مثلها، تخرجت بتقدير جيد جدًا وقالت: "ها أنا قد أديت لأبي -الذي أجبرها على الطب- حق البر، وأما مكاني فلا أراه إلا في البيت.."، تغربنا وتبدلت ظروف تسمح لها ببيئة عمل مناسبة مع راتب يفوق راتبي بثلاثة أضعاف، لكني أريد لأولادي أن يربوا في بيت مستقر كما رُبي أبوهم، وأما زوجتي فلا أقول أكثر من أني أحيا وأموت وأرجو برضاها رضا الله..
لا ينقضي عجبي ممن يربط بين كرامة المرأة وشعورها بذاتها وبين عملها خارج البيت!
ثم نعم! قلت لزوجتي من أول يوم: أن بر أمي صار حتمًا علي وعليها بمنطق الحب، ما دمنا واحدًا، وما أراها إلا حريصة محسنة، مفوضًا حسن جزائها عن كل أمري لله وحده..
لا يظنن كريم أو كريمة أن الأمر لا يعدو حالة شخصية، ثم هو -يعلم الله- ليس فيه شيئًا من (الأفورة)، فهو واقع حييته صبيًا وأحياه زوجًا!
يا أيها الذين آمنوا: لا تهولنكم دنيا عودها غيركم الوبال، كونوا هاتفين دومًا في أذنها: "أن سنبقى عنوانا للجمال!".
- التصنيف: