أعداء النجاح

منذ 2014-04-14

إن الدعاء بالخير لأي شخص تشعر نحوه بمشاعر الغيرة والحسد علاج فعال يذهب الحسد من قلبك، وقد عمل به كثير من الناس وأعجبتهم نتائجه، لأن الشيطان هو الذي يدفعك للغيرة والحسد، لتفنى حسناتك ويأخذها غيرك، وتهلك مع الهالكين..

هل على الناجحين أن يدفعوا ضريبة نجاحهم؟
وهل النجاح عدو للبعض -وإن كانوا هم أيضاً ناجحون في الحياة-؟
لماذا تخسر أناساً تحبهم عندما تصبح ناجحاً؟
أليس من المتوقع أن يشاركك هؤلاء الفرحة وتقوى العلاقة بينكم أكثر؟

أحياناً يتسبب نجاحك في الحياة بفقدك لأشخاص تحبهم؛ لأن نجاحك يثير غيرتهم وحسدهم، وإذا كان الإنسان يلقى ذلك من مسلمين فما عساه أن يلقى من أعدائه؟!

نعم! كلما ارتفع الإنسان تكاثرت حوله الغيوم والمحن، ولكن ماذا تفعل لهم؟
فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء:54]، ولكنك تتألم لفقدهم وللفراغ الذي تركوه في نفسك، ولأيامك السعيدة معهم، فلا تملك أن ترضيهم إلا بأن تتخلى عن نجاحك وإبداعك، وتذل نفسك لهم! فذلك يرضي غرورهم ويريحهم ويعيد المياه إلى مجاريها.

إن الأعمال الجميلة والمميزة تغيظ البعض!
أفلا نستبشر بأصحابها وبعلاقتنا بهم، ونستفيد منهم، ونشجعهم بدلاً من أن نحسدهم ونخسرهم.
سبحان الله..! ما أعجب الإنسان! الذي قد يخفي عنك بعض الحقائق حتى لا تتفوق عليه بدافع الحسد، فينكر أن ماتفعله جيداً أو أنك أحسنت، بل يبدأ بذمك، والانتقاص من قدرك وما تعمله، حتى يردك عن فعل الأعمال الرائعة التي تزعجه كثيراً، مع أنك تحترمه وتعتقد أنه يعزك.


حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه *** فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها *** حسداً وبغضاً إنه لدميــــم

 

إنك عندما تنجح تتوقع ممن حولك أن يشاركوك لا أن يفارقوك.. 

أن يهنئوك لا أن يهينوك، بالبخل بابتسامة الرضا والحفز.

سبحان الله..! ما أعجب الإنسان! مخلوق صعب لا يعلمه إلا خالقه، وصدق القائل: "عظمة عقلك تخلق لك الحساد"، والحاسد له تصرفات غريبة، فكلما سنحت له الفرصة انتقص من شخصك أوعملك، مسكين لا يدري ماذا يفعل؟! ولو أنه شجع وأثنى لما نقص من قدره شيء، ولارتاح قلبه، وسكنت نفسه من هذه المعاناة البغيضة..
كما أنه لا يحادثك، ولا يرغب في الحوار معك عندما تحاول التودد إليه، فهو يتجاهل وجودك!

وهل وجود الأزهار في الحديقة يؤذي؟ ومن يبغض الزهرة لأن رائحتها زكية؟! إلا إذا كان في أنفه عطب، أو في نفسه خلل يدفعه إلى قطف الأزهار وسحقها بقدميه ليتلذذ وترتاح نفسه! يعيش بيننا أناس يعانون من مشكلات نفسية، لا يشعرون بوجودها وهم بحاجة ماسة للعلاج النفسي، حتى لا يؤذوا أنفسهم ويضروا غيرهم، ويخسروا آخرتهم.. هناك أخطاء تقع في طريقة تفكير بعض الناس تجعلهم يحسدون الآخرين، ومع تعديلها سيتخلصون من الحسد بإذن الله.

وقد ذكر ذلك د. (محمد الصغير) عندما قال: "من الأخطاء في التفكير أن تعتقد أن كل نجاح يحققه من حولي ويستحق الثناء عليه، يعني فشلي في بلوغ هذا النجاح أو مثله، ويعني نقصي في أعين الناس، وهذا من أنماط التفكير الخاطئ عندما تشعر بالنقص والدونية تجاه الأقران والأنداد، فتستسلم للإحباط ويزداد شعورك بالفشل كلما ازداد أقرانك نجاحاً، وربما ترتب على هذا عداوات وبغضاء حتى بين الإخوة، والذي يولد هذا الخلل في التفكير هو المقارنة الخاطئة، التي يمارسها بعض الآباء والأمهات مع أولادهم بين نجاح الآخرين وفشل أولادهم"، ومع زيادة التنافس الاجتماعي يزداد الحسد والله المستعان.

عالج نفسك: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، إن الدعاء بالخير لأي شخص تشعر نحوه بمشاعر الغيرة والحسد علاج فعال يذهب الحسد من قلبك، وقد عمل به كثير من الناس وأعجبتهم نتائجه، لأن الشيطان هو الذي يدفعك للغيرة والحسد، لتفنى حسناتك ويأخذها غيرك، وتهلك مع الهالكين، فإذا رآك بدلاً من أن تقوم بأفعال سيئة نتيجة الغيرة والحسد اللتان أوجدهما في قلبك، تقوم بالاستغفار والدعاء بصدق وإخلاص لمن ثارت في قلبك مشاعر الحسد تجاهه، وتكسب الأجور العظيمة، فسيذهب الشيطان عنك بعيداً لأنك تقوم بما ينافي مقصوده، وبالتالي تزول أو تخف مشاعر الحسد بشكل ملحوظ.

اترك الحسد فبه تمرض جسدك، وتكدر أيامك وتشغل بالك، وتنسى الاهتمام بمصالحك وما ينفعك، وتفقد حسناتك وتضيع عمرك، وتجلب لنفسك القلق والحزن، وتحرم نفسك من التمتع بنعم الله الكثيرة التي عندك لانشغالك بالتفكير بغيرك.. فهل هذه حياة؟

هل الغيرة والحسد شيء مريح وسعيد؟
هل هذه طريقة سليمة نقضي بها أيامنا في الدنيا؟
هل تعترض على القضاء والقدر الذي قدره الله للناس من نعمة ورزق؟
قال الشاعر :
 

يا حاسـداً لي على نعمتي *** أتدري على من أسأت الأدب؟
أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترض لي ما قد وهب
فأخــــــــزاك ربي بأن زادني *** وســـد عليـــك وجوه الطـــلب

 

والاعتراض على أقدار الله مصيبة عظيمة؛ لأنه يخالف الإيمان بالقدر خيره وشره.
وستفقد بذلك محبة الله ومن ثم محبة الناس..، فكل الشرور منبتها من الحسد، فالإنسان إذا حسد ارتكب الكبائر: يسرق، يكذب، يغتاب، يسحر، يظلم، يقتل..

وقد ذكر الغزالي أن: "الأجدر بالحاسدين أن يتضرعوا إلى ربهم يسألوه من فضله، وأن يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حكراً على أحد، والتطلع إلى فضل الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب، وهي العمل الوحيد المشروع عندما يرى فضل الله ينزل بشخص معين، وشتان ما بين الحسد والغبطة، أو بين الطموح والحقد".

لماذا أحسد أخي المسلم؟
هل يستحق ما أحسده عليه كل ذلك الاهتمام مني..؟
هل يستحق أن أخسر احترامي لنفسي وأخسر آخرتي..؟

قال ابن سيرين رحمه الله: "ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا، لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده
وهي حُفيرَة في الجنة؟ وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار..؟".

لننتهي جميعاً عن الحسد ولنحب لأخواننا المسلمين ما نحب لأنفسنا، حتى نذوق حلاوة الإيمان، ونطيع رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي قال لنا: «لا تحاسدوا..» (صحيح مسلم:2564)، لأنه يعلم أن الحسد يتبعه معاصي عظيمة وكثيرة..

لنبدأ الآن بالتوبة والدعاء لأناس آذيناهم كثيراً في حياتنا، لعل الله أن يتجاوز عنّا، ويخلصنا من حقوق العباد ويرحم ضعفنا.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 21
  • 0
  • 2,088

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً