خلف القضبان
ارتسمت أمام عيني صورة أسير يزوره فلذات أكباده، تلك الفتحات المقيتة التي تتسع فقط لأصابعهم الدقيقة تتملس وجه أبيهم، وتداعب دموعه.. يا الله ما أحر قلبه وهم يبكون في نهاية الزيارة المقتضبة..
الملعب الذي انطلق فيه أنس وسط الصغار لأول مرة، فرحًا كما لم أراه قبل، كان محاطًا بسياج حديدي له باب في الزاوية، حفاظًا على الكرة أن تبتعد كثيرًا منغصة على الكبار لذة الاندماج في اللعب..
مددت يدي بالجوال خلال فرجة في ذاك السياج لأوثق تلك اللحظات المرحة لصغيري..
ما أن انتهيت حتى حانت منه التفاتة إلي، أتاني يجري متوقعًا أن أتلقفه في حضني كالعادة، فوجئ بالحديد القاسي يحجز بيني وبينه.. يمد يده يريدني أن أسحبه.. وهيهات، أشير له أن يمشي بموازاتي ناحية الباب، ولا يريد..
في لحظة خانقة، من خلف القضبان المقيتة ينفجر الصغير باكيًا في خوف كما لم أراه من قبل..
أحسست به وكأنه رأى أن قد حجز بيننا تمامًا، عبثا أحاول تهدئته بلا جدوى، أحاول إقناعه بالانتظار حتى أعبر من الناحية الأخرى وآتيه من الباب..
تلك اللحظة التي وضع فيها وجهه على الشبكة الحديدية، ومد يديه الصغيرتين من خلال الفرج بين الفتحات فيها، ونظرة الذعر تملأ عينيه! انفطر قلبي، ارتسمت أمام عيني صورة أسير يزوره فلذات أكباده، تلك الفتحات المقيتة التي تتسع فقط لأصابعهم الدقيقة تتملس وجه أبيهم، وتداعب دموعه.. يا الله ما أحر قلبه وهم يبكون في نهاية الزيارة المقتضبة!
هرولت لولدي كالمجنون، لم أدر: كيف أفتح الباب ويداي ترتعشان؟ حتى فتحه لي أحد الصغار!
أخذته في حضني أهدئ نشيجه، وسط بكائي وبكائه انطلق لساني: (اللهم فك أسر المأسورين، واجمع شمل المحرومين.. وانتقم من الظلمة والطغاة أجمعين".
- التصنيف: