أشواكها تدمينا وعبيرها ينسينا

منذ 2014-04-15

ولو أنا نظرنا حولنا لوجدنا من الأمثلة ما لا يعد ولا يحصى من التجارب الإنسانية الأليمة والمتفاوتة في الكم والكيف والمدى الزمني وتلك مجرد لمحة خاطفة عن قصص ومواقف حقيقية من واقع الحياة.

فعلا إنها الوردة؛ فما إن تمتد اليد لتمسك بها حتى يفاجأ المرء بوخزة مؤلمة تدمي يده لبعض الوقت، وعندما يبدأ عبيرها الهادئ الرائع في التسلل إلى الأنف، فينسى الألم ولا يبقى إلا الرائحة الزكية التي تبهج النفس وتشرح الصدر.

وأي فرق بين التجربة الإنسانية والوردة؟ فالأمر يبدأ بالألم وينتهي بالمتعة والفائدة، والألم يمر ويتلاشى، ويظل الإنسان عمره كله يحصد ثمار التجربة – اللهم إلا إن كان إنسانا متشائما بطبعه – فما ترى التجارب الإنسانية مهما بلغت قسوتها؛ إلا أن ثمارها في نمو مستمر.

ومهما رأى الإنسان من محن إلا أنها من الممكن أن تحمل في طياتها الخير الكثير كما ورد في قوله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}   [سورة البقرة من الآية :216].

ولو أنا نظرنا حولنا لوجدنا من الأمثلة ما لا يعد ولا يحصى من التجارب الإنسانية الأليمة والمتفاوتة في الكم والكيف والمدى الزمني التي تؤكد دائما أن وعد الله حق. إذ قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [ سورة الشرح آية:5، 6] وتلك مجرد لمحة خاطفة عن قصص ومواقف حقيقية من واقع الحياة تشهد على ذلك.

فهذه المرأة كانت تجربتها مع المرض الذي أقعدها في الفراش لفترة من الوقت، وهي التي كانت تتمتع بكامل حيويتها ونشاطها وقدرتها على خدمة جميع أفراد الأسرة على أكمل وجه، فكان لرقادها في الفراش وقعا مؤلمًا أيما إيلام.

وعموما فإن تجربة المرض معروفة لدى الجميع، ومعروف مدى قسوتها وخاصة على الأشخاص ذوى الطبيعة المعطاءة. واجتازت التجربة بحمد الله، ولم يبق منها سوى احساسها بأن الدنيا مازالت وستظل دائما بخير مادامت كل هذه القلوب الكبيرة، والأيادي الممتدة بالعون – موجودة، كما كشفت لهاعن مزيد من الصفات الرائعة في شخصية زوجها بصفة عامة، وما يحمله لها من مشاعر الود والمحب بصفة خاصة.

وهذان الأبوان الصالحان اللذان تقطر قلبهما دما حزنا على فقد الابن الحبيب وبشكل مفاجئ وبكياه بدموع الحسرة والألم؛ وبعد مرور فترة وجيزة على موته اكتشفا أن الفقيد كان قد بلغ درجة من الانحراف؛ لو أطال في عمره لم يكن ليقضي هذا العمر بينهما، بل وراء قضبان السجن بعد أن يجلب لهما  وللعائلة كلها الخزي والعار.

وهذه الفتاة التي فقدت والديها معًا، وكانت تعيش في ظلهما حياة مترفة مدللة، ولصغر سنها لم تتزوج بالرغم من فرص الزواج التي أتيحت أمامها، فتركاها في الدنيا لتلاقي سوء المعاملة من زوجات إخوتها.

فقبلت بالزواج من رجل لم يكن لوالديها ليوافقا أبدًا على ارتباطها به لأنه ظاهريا أنه ليس كفؤًا لها.

فإذا بالأيام تكشف لها عن رجل يعرف جيدا معنى الرجولة ومعنى مكارم الأخلاق، ولو أن الله مد في عمر والديها لحرماها من هذا الفضل، بل ربما اختارا لها دون أن يقصدا من يتسبب في موتها حسرة على حياتها معه والعياذ بالله.

وهذه المرأة عاشت سنوات طويلة مع زوج أناني تحملت أنانيته وتسلطه بكل صبر ورضا، فحسبما فهمت أن للزوج كل الحقوق، وعلى الزوجة كل الواجبات.

وبالرغم من كونها متعلمة فلا تدري عن الحياة الكثيرإلا أنه قدم لها زوجها خدمة عمرها، عندما غدر بها وطلقها.

وبالرغم من شدة الصدمة ومرارة التجربة إلا أنها حولتها الى امرأة أخرى واعية قوية ناضجة، استطاعت أن تشق طريقها في الحياة معتمدة على نفسها.

فاعتدل ميزان حياتها الزوجية بعد أن عاد اليها زوجها مقرًا بذنبه يرجوا الصفح والغفران.

وهذه الطالبة كانت بالسنة الدراسية الأخيرة، وكانت تحلم بيوم التخرج، واستلام الوظيفة واذا بالنتيجة تظهر معلنة رسوبها في أبغض مادة الى قلبها، فوقع الخبر عليها كالصاعقة.

وضاع حلمها أن تتسلم وظيفتها مثل زميلاتها الناجحات مع بداية العام الدراسي الجديد.

ثم ما لبثت أن استسلمت للأمر الواقع، وبدأت في المذاكرة من جديد، ومن عجائب المقادير أن زميلاتها اللاتي استلمن وظائفهن مع بداية العام الدراسي تم تعيينهن في مناطق نائية أما خريجات الدور الثاني مثيلاتها تم تعيينهن في نفس البلد التي تقيم بها.

وهذه الفتاة نشأت في بيئة متواضعة جدا من حيث المستوى الاجتماعي والأدبي والمادي والى جانب أنها كانت محرومة من الجمال، حرمت بذلك من حنان وعطف الأهل الذين أفقدهم الجهل القدرة على التعامل مع أبنائهم بأسلوب تربوي صحيح.

ولكن القدر لم يحرمها أهم مقومات الانسان السوي، فكانت ذات خلق كريم وعقل راجح، فسلكت طريق العلم حتى تخرجت وعملت بالتدريس، فكانت نعم المربية والمعلمة، ولم تنتظر طويلًا حتى تقدم لها أحد الزملاء للزواج منها، وكان من أسرة متوسطة وكان يتمتع بحسن الخلق والخلقة وعوضها الله بعشرته الطيبة عما لاقت بين أهلها، وأنجبت من الأبناء ما تقر به الأعين.

وهكذا نرى أنه ليس من الحكمة اطلاقا النظر الى التجارب المؤلمة على أنها لحظات شقاء من أجل أن نشقى بها فحسب، بل على العكس فقد تكون ابتلاء من الله.

أو قد تكون المحنة هي وسيلة لتطهيرالانسان من ذنوبه وآثامه، فكما ورد في الحديث الشريف «ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ» (صحيح البخاري؛ رقم: [5641]).

كما أن المحنة يمكن أن تكون بمثابة ناقوس انذار لعبد نقي الجوهر غرر به الشيطان لفترة ما، وأراد الله له الهدى ليفيق ويستغفر ربه قبل فوات الوقت ويعود لطريق الرشاد.

فالمؤمن الحق هو الذي يعي أن الإبتلاء دليل محبة من الله وليس دليل غضب، وتقول الآية الكريمة { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [سورة آل عمران من الآية 139].

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 0
  • 0
  • 2,014

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً