رسالة إلى أهل عرفة ومزدلفة ومنى

منذ 2007-11-27

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلاّ كتب الله بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع له درجة» [صحيح الجامع الصغير:5472].


الحمد لله الذي أعان على العبادة ويسّر، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:

فإنّ نعم الله عز وجل كثيرة لا تعد ولا تحصى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34]، وأعظم النعم وأجلها نعمة الإسلام التي أكرمنا الله بها فله الحمد والشكر على منّه وفضله {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]. فكم على وجه الأرض من كافر حرم نعمة الإسلام؟ وكم من حسيب ووجيه؟ وكم من تاجر ورئيس أغلق دونه الباب؟ فلك الحمد ربنا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

ثم من نعمة الله عليك أيها الحاج أن أظلك برحمته ويسّر لك سبل الحج، فلم يمنعك مرض، أو قلة مال، أو خوف طريق أو غيرها من التأخير عن أداء الركن الخامس من أركان الإسلام الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم من أداه بقوله: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [متفق عليه].

وقال صلى الله عليه وسلم: «والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة» [رواه مسلم]. فالحج ركن من أركان الإسلام، والحج أعظم الأعمال بعد الإيمان والجهاد، وهو من أفضل القربات ويهدم ما قبله.

وأبشر بيوم تقال فيه العثرة، وتغفر فيه الزلة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة» [رواه مسلم].

فهنيئاً لك هذا الخير العظيم، وهذه النفحات الإيمانية التي تغسل أدران المعاصي والذنوب. وأوصيك بتقوى الله والإخلاص في العمل، والبعد عن الرياء والعجب، وعليك بالإنابة والإخبات والذل لربّك عز وجل، واحمده على نعمة أداء هذا الركن العظيم.

وإليك وقفات يسيرة لا تغيب عن بالك:

أولا: تذكر أنّك في أيام عظيمة وهي أيام عشرة ذي الحجة، قال صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» [رواه البخاري].

وسئل ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان أيّهما أفضل؟

فأجاب: " أيّام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة " .

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة: لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره " .

ثانياً: أنت في بلد الله الحرام مكة. وهو بلد تضاعف فيه الحسنات وكذلك السيئات يعظم إثمها، وقد توعّد الله عز وجل من يرد فيه الفساد بعذاب أليم، وقال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].
قال ابن كثير رحمه الله: "أي يهم بأمر فظيع من المعاصي الكبار". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة» وذكر منهم: «ملحد في الحرم» [رواه البخاري].
قال في فتح الباري: "وظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً: "لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين، لأذاقه الله عذاباً أليماً"، هذا فيمن همّ فكيف بمن عمل!

واحرص أيّها المسلم على تعظيم شعائر الله فإنه جل وعلا يقول: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32].

ثالثاً: في هذا الموسم والمكان فرصة للتوبة إلى الله عز وجل، ومحاسبة النفس على تقصيرها، وخطمها بخطام العودة والإكثار من دموع الندم والتوبة، ويكفي ما امتلأت به الصحائف من الذنوب والآثام، ويكفي ما مضى من العمر، وفيه ما فيه من تفريط وغفلة.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}[الحشر:18]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربّكم".

قال مالك بن دينار رحمه الله: "رحم الله عبداً قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله، تعالى فكان لها قائداً".

رابعاً: لقد تركت أهلك وديارك وأموالك وأولادك راغباً فيما عند الله عز وجل، فلا تضيع هذه الأوقات الثمينة، وفرّغ نفسك من لقاء الناس وكثرة الحديث، وتفرغ لأمر آخرتك، واستشعر هول المطلع وعظمة الجبار.

خامساً: لا بد أن يكون الصبر لك شعاراً ودثاراً فتجمّل به واحرص عليه، فأنت في عبادة عظيمة تصاحبها مشقة السفر ووعثائه، وقلة الزاد وضيق المركب، وكثرة الزحام وطول الطريق، فلا تتأفف ولا تتذمر، ولا تدافع من حولك، وعليك بالرفق والسكينة.

عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل فقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة، فإنّ البر ليس بالإيضاع - يعني الإسراع» [متفق عليه]. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «أيّها النّاس السكينة السكينة» [رواه مسلم]. ومن خطبة لعمر بن عبدالعزيز رحمه الله بعرفات أنّه قال: «ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له».

سادساً: تذكر أيّها الأخ المسلم أنّ الله عز وجل حرّم الظلم على نفسه وجعله محرماً، وحرّم إيذاء المؤمنين والمؤمنات فاحذر أن يزل لسانك بكلمة جارحه أو يدك بدفع أحدة الحجاج، أو بالاستعلاء والتكبر عليهم وإدرائهم، وابتعد عن الرفث والفسوق في الحج. قال تعالى:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]، قال ابن سعدي رحمه الله: " الرفث: هو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصاً عند النساء بحضرتهن. والفسوق: وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الإحرام. والجدال: وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة، والمقصود من الحج: الذل والانكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مفارقة السيئات، فإنه بذلك يكون مبروراً، والمبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة، وهذه الأشياء، وإن كانت ممنوعة في كل زمان ومكان، فإنه يغلظ المنع عنها في الحج".

سابعاً: وأنت في هذه الأيام المباركة.. استشعر أن الوقت محدود سريع الانقضاء، فانزع إلى خير الصحب وأفضل المرافقين، وابحث عن أحرصهم على تكبيرة الإحرام وأداء النوافل وقراءة القرآن، واجعله لك معيناً ومساعداً، وليكن هو رفيق الرحلة الذي يعينك ويشد من إزرك على الطاعة والعبادة.

ثامناً: الدعاء.. الدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة» [رواه أبو داود]. فاحرص أخي الكريم على الدعاء وأكثر منه بقلب حاضر ورجاء في الإجابة، فإن الله جواد كريم، وقد اجتمع لك المكان الطاهر والزمان الفاضل وأنت حاج مسافر.. فتحرّ فتح الأبواب وأكثر من الدعاء لخاصة نفسك ولوالديك وذريتك وادع الله عز وجل أن يجعلك من المقبولين، واجعل لأمة محمد نصيباً من الدعاء.. بأن يصلح أحوالهم، وأن يهديهم سواء السبيل.

تاسعاً: في هذا التجمع يكثر اختلاط الرجال بالنساء وعلى كل مسلم ومسلمة أن يحرص على البعد عن المزاحمة مع غضّ البصر. قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30]، وقال تعالى: {وقل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].

قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم لما حُرم عليهم، فلا ينظروا إلاّ إلى ما أباح لهم النظر إليه، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعاً".

والنبي صلى الله عليه وسلم يُذكّر علي ابن أبي طالب وهو من هو في الورع والتقى، فيقول: «يا علي، إنّ لك كنزاً في الجنّة فلا تُتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» [رواه أحمد]، وهذا ابن سيرين رحمه الله يقول: " إنّي أرى المرأة في المنام فأعرف أنّها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها..". فاستحضر يا من أنت في بلد الله الحرام.. عظم الذنب وقرب الرحيل، وتذكر يوماً تتطاير فيه الصحف، وتشيب فيه الولدان.

هذا وقد فتح الله لك أبواباً كثيرة للخير ومنها:

1 - الحرص على أداء الصلاة في وقتها، وعوّد نفسك أن تأتي مع الآذان فأنت في إجازة تامة من أعمال الدنيا، ومتفرّغ للطاعة والعبادة، وأعظمها بعد الشهادتين أداء الصلاة. قال صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدوا إلاّ أن يستهموا عليه لاستهموا عليه» [متفق عليه].

2 - للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلة عظيمة في الإسلام، وعدّه بعض العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدّمه الله عز وجل على الإيمان في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110] وقدّمه الله عز وجل في سورة التوبة على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:71] وفي هذا التقديم بيان لشان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعظم منزلته وخطر تركه. ودرجات تغيير المنكر ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من رأى منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم].

ومجالات الأمر بالمعروف كثيرة في موسم الحج منها: إقامة الصفوف حال الصلاة، وتنبيه الغافل، وتعليم الجاهل، وإبعاد النساء عن الرجال، والأمر بالحجاب والتحذير من السفور. والمسلمة تعلّم النساء كيفية الصلاة الصححية وأحكام الطهارة، وتحذّرهنّ من البدع والشرك، وتأمرهنّ بالحجاب، وغير ذلك.

3 - الدعوة إلى الله عز وجل باب عظيم من أبواب الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً» [رواه مسلم]. ويتم ذلك بتعليم الجاهل، والغافل، وتوزيع الكتب الشرعية والأشرطة الإسلامية، والدلالة على مكان الدروس والمحاضرات وغيرها كثير.

وأهيب بالإخوة الذين لديهم علم شرعي، أو ملكات أدبية المشاركة في أنشطة المخيمات، فكم اهتدى في هذه الرحلة من شخص، كما أن المشاركة تجعل الحجاج أكثر قرباً وترابطاً، وإبعاداً لهم عن القيل والقال.

4 - من أعمال الحج التي كانت معروفة قديماً إطعام الطعام خاصة في أوقات الزحام، وفي الإطعام أجر عظيم. قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8]، وكان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح قال صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة..» [رواه الترمذي].

5 - استثمر الوقت في أنواع العبادة والطاعة، وأيام الحج قلائل فلا تضيّعها في القيل والقال والغمز واللمز ومراقبة الناس، وانتقاد الأكل والشرب والمخيم والمكيفات، بل اسمو بنفسك عن أمور الدنيا.

6 - بادر بإعانة المسنين ومساعدتهم، فإنّ في ذلك إحترام وتوقير لذي الشيبة ومن الرحمة بهم.

7 - توزيع الماء البارد، (السقيا) حيث كثرة الزحام والعطش قال صلى الله عليه وسلم: «.. ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم» [رواه الترمذي بسند جيد].

8 - الصدقة بالمال، فإنّ الإنفاق من أعظم القربات وأجلّ الطاعات، والآيات والأحاديث في فضل الصدقة كثيرة جداً، ومن بين هذا الجمع المبارك الفقير وأصحاب الحاجات، ففي إعطائهم سدّ لجوعتهم وتفريج لكربتهم وإغنائهم عن السؤال، حتى وإن كانت بالقليل من المال، قال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فأقرض الله عز وجل وهو غني عنك ليضاعف لك الأجر والمثوبة {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة:245].
قال ابن القيّم رحمه الله: "فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع البلاء ولو كانت من فاجر، أو ظالم، بل من كافر، فإن الله يدفع بها أنواعاً من البلاء".

9 - إشاعة السلام، في هذا التجمع الكبير وفي وسط الزحام المتتابع والحر الشديد، تكون الابتسامة طريق مودة ورحمة، ورفع للمعاناة وإظهار للترابط والتواد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم].

10 - البشاشة والتبسم، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [رواه مسلم].
وقال عبدالله بن الحارث: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [رواه أحمد]. ولا تكثر الضحك والمزاح فإنها أيام عبادة وجد لا هزل وضحك.

11 - تفريج الكرب، في السفر يحصل بعض المتاعب والمصاعب وفي إعانة المسلمين وتفريج كربهم خير عظيم قال ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها كربة من كرب يوم القيامة» [متفق عليه]. ومن صور تفريج الكرب إرشاد التائهين، وإيصال المنقطعين، وإعانة المحتاجين.

13 - التضحية والإيثار، لقد كان من سمات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم التضحية والإيثار وتقديم إخوانهم المسلمين على أنفسهم في المأكل والمشرب، وتحمل الجهد والعناء عنهم.

13 - حسن الصحبة، للصحبة آداب يحسن بك معرفتها، فأنت في سفر، والسفر يسفر عن أخلاق الرجال. واحذر كثرة السؤال والتدقيق والتحدث في كل شيء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» [رواه الترمذي].

14 - الإستئذان عند الدخول والخروج، عند الرغبة في الذهاب للحرم، أو رمي الجمرات أوغيرها، لا بد من إعلام المسؤول ليعرف وجهة كل فرد حتى يسهل ترتيب العمل، كما وأن ذلك أدعى لعدم التفرق والضياع.

15 - اجعل لك في هذه الأيام المباركة جدولاً لحفظ سور من كتاب الله عز وجل، ولتكن: سورة البقرة، أو سورة الكهف، أو سورة النور مثلاً، واستعن بالله.. وسوف يفتح الله على قلبك.

16 - حافظ قدر المستطاع على نظافة المكان الذي تنزل فيه، والطريق الذي تسير فيه، ومن أوجه الصدقة إزالة الأذى عن الطريق.

17 - من آداب السفر الشرعية اتخاذ أمير في السفر، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم» [رواه أبو داود]. وهذا أدعى للاتفاق والبعد عن كثرة الآراء وتعددها.

أخي الكريم: احذر العُجب والمباهاة بعملك، فإنّ الله عز وجل هو الذي وفقك وأعانك، وهو الذي هداك، فلا تعجب بعملك فإنه قليل في جنب الله عز وجل، بل استشعر عظمة خالقك وسعة مغفرته، وادعه عز وجل أن لا يكلك إلى عملك، ولا إلى نفسك طرفة عين.

احذر الرياء والسمعة عند العودة والتفاخر وإعلام الناس ليعظموك.

تجنّب أن تسوّد عملك الصالح بالمنّ والأذى، ولا تردد أقوال بعض الجهلة (تعبنا)، (الزحام كثير)، (والحر شديد)، (خسرت كذا).. واصبر واحتسب، فالعبادة فيها مشقة وطول طريق واجتماع كبير، تحدث خلاله أمور على غير ما اعتدت عليه في بلدك.

تأمّل غربتك في مكة وهنّ أيام قلائل، ووسائل الاتصال متاحة! فكيف هي حالك في غربة القبر ووحشته؟! واعلم.. أنّك تموت وحدك وتحاسب وحدك وتبعث وحدك، فاستعد لهذا اليوم وما بعده.

أكثر من الدعاء أن يتقبل الله حجك وأن يكتب أجرك وأن يثبتك على دينه حتى تلقاه.

الحال بعد العودة:

ها أنت قد حججت إلى بيت الله الحرام، وأكرمك الله عز وجل بأداء هذه الشعيرة العظيمة، وادعو الله عز وجل أن تكون قد خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، وابشّرك بحديث الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: «ما أهلّ ـ يعني لبّى ـ مهلّ ولا كبّر مكبّر قط إلاّ بشّر بالجنّة» [صحيح الجامع الصغير:5445].

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما ترفع إبل الحاج رجلاً ولا تضع يداً إلاّ كتب الله بها حسنة، أو محا عنه سيئة، أو رفع له درجة» [صحيح الجامع الصغير:5472].

ها قد عادت صحائفك بيضاً، فماذا الحال بعد هذا العفو والعتق؟! وهل تعيد السيرة الأولى من كثرة الذنوب والآثام؟ أم تسارع إلى ملئ الصحف بالطاعات وكثرة العبادة؟!

تقبّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وجعلها صواباً خالصةً لوجهه الكريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



دار القاسم
(موقع كلمات )



المصدر: دار القاسم
  • 2
  • 0
  • 15,281

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً