وصايا ذهبية لحجاج بيت الله الحرام

منذ 2007-11-27

إخوة الإسلام: كونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» [رواه البخاري].


الحمد لله تعالى المنفرد بصفات الكمال والصلاة والسلام على محمد صاحب الأفضال وصحبه والآل، أخي الحاج: هذه وصايا أحببت اهدائها لك سائلاً الله التوفيق لي ولك.


الإخلاص.. الإخلاص.. إحذر الرياء

أخي الحاج: إنك مقدم على عمل جليل وشعيرة مباركة إن وفقك الله على أدائها فأنت على خير عظيم.

ولكن أخي: هل استحضرت نيتك وأنت تقصد هذا البيت المبارك؟

فإن استحضار النية أمر لابد منه، ويُعطى العبد من الأجر بقدر نيته ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» [رواه البخاري].

فاحرص أخي الحاج على صدق النية، فإنك لطالما تكبّدت التعب والصعاب، فلا يذهبنّ تعبك باطلاً، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة:5]، {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:2]، قال ابن العربي: "هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل.. ".

أخي الحاج: مجاهدة النفس على الإخلاص ورفض الرياء أمر شديد ولكنه يسير على من يسّره الله عليه، ومن قهرها تلذذ بالطاعات ووجد بركة العبادات.

سئل سهل بن عبدالله: أي شيء أشد على النفس؟ قال: "الإخلاص لأنه ليس لها فيها نصيب". وقال سفيان الثوري: "ما عالجت شيئاًً أشد عليّ من نيتي إنها تتقلب عليّ".

أخي الحاج: إنك تقدم إلى أطهر بيت في الأرض في خير البقاع، ضيفاً على ملك الملوك جبار السماوات والأرض سبحانه وعز وجل فلا تحدثن أخي قلبك بغيره فاخلص التوجه له سبحانه وتعالى. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» [رواه مسلم].

أخي المسلم: لا تكن من أولئك الذين خرجوا إلى الحج رياء وسمعة، حتى يقال لأحدهم: إنه حجّ بيت الله وحتى يلقبه الناس بـ (الحاج) ومثل هذا ليس له من حجه إلا التعب والنصب قال صلى الله عليه وسلم: «من سمّع سمّع الله به ومن يرائي يرائي الله به» [رواه البخاري ومسلم].

فاحذر أخي الرياء فهو الشرك الذي لطالما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء» [رواه أحمد]. فالإخلاص.. الإخلاص أخي الحاج فالرياء محبط للعمل.

أخي المسلم: هل لك في علاج لصغير الشرك وكبيره؟ فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء إذا قلناه أذهب الله عنا صغار الشرك وكباره. قال صلى الله عليه وسلم: «الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، واستغفرك لما لا أعلم» [صحيح الجامع الصغير].

وإليك أخي هذه الوصية الثمينة من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس فيه شانه الله".

إنها أيام الدعاء فاغتنمها

أخي الحاج:

أما يسرّك: أن تقضى حاجاتك؟!

أما يسرّك: أن تُشْفى أو يُشْفى مريضك؟!

أما يسرّك: أن يثبتك الله تعالى على دينه الحق؟!

أما يسرّك: أن يهديك لما اختُلفَ فيه؟!

أما يسرّك: أن يغفر الله ذنبك ما تقدم منه وما تأخر؟!

أما يسرّك: أن يرزقك الله حسن الختام في الدنيا؟َ

أما يسرّك: أن تلقى الله وهو راض عنك؟!

أما يسرّك: أن يباعد وجهك من النار؟!

أما يسرّك: أن يدخلك الجنة فتنعم فيها مع الأبرار؟!

بلى يسرّك أن يحقق الله تعالى لك تلك الأمنيات وما أجلها من أمنيات.

أخي: وأنت تتقلب بتلك المشاعر الطاهرة فلا تعجزن عن الدعاء فإياك أن تفوت هذه الغنيمة، وإلا فما فائدة حجك إذا لم تلق بقلبك أمام خالقك تعالى في تلك البقاع؟! فما أغلاها من بضاعة، وما أبخس الذين يضيّعونها.

أخي الحاج: قسّم العلماء الدعاء إلى قسمين: دعاء العبادة ودعاء المسألة وانظر معي أخي في كلام العلامة عبدالرحمن السعدي طيب الله ثراه حيث قال: "كل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة دعاء المسألة فقط ولا يظنون دخول جميع العبادت في الدعاء وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شرّ منه فإن الآيات صريحة في شموله لدعاء المسألة ودعاء العبادة".

وهذا هو العلامة القدوة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز قدس الله روحه وشمله بإحسانه وأسكنه بحْبوحة جنانه يقول: "إن نوعي الدعاء متلازمان وذلك أن الله تعالى يُدعى لجلب النفع ودفع الضر دعاء المسألة ويُدعى خوفاً ورجاءً دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة".

أخي الحاج: فاحرص على الدعاء، ولا يغيب عنك أنه عبادة قال : «الدعاء هو العبادة» [رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه، صحيح الجامع الصغير:3407].

أخي المسلم: فلا تكونن من العاجزين في الدعاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام» [رواه ابن حبان، صحيح الجامع الصغير:1044ٍ].

أخي الحاج: إن أعظم ما في تلك الأيام المباركة يوم عرفة، ذلك اليوم الذي ينتظره الصالحون وقد أعدُّوا السؤال واستحضروا الحاجات، فيسألون ربهم تعالى خير الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة» [رواه الترمذي ومالك، صحيح الجامع الصغير].

أخي الحاج: أين موقعك يومها؟ أفي المستغفرين المقبلين على الله بالضراعة والدعاء؟ أم في الغافلين اللاهين بقلوبهم عن عظمة ذلك اليوم؟! قال الإمام النووي في يوم عرفة: "وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات وإنه لمجمع عظيم وموقف جسيم يجتمع فيه خيار عباد الله الصالحين وأوليائه المخلصين والخواص من المقربين وهو أعظم مجامع الدنيا، وقد قيل إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل الموقف".

أخي الحاج: إياك ودعاء الغافلين اللاهين وادع دعاء المخلصين، المخبتين قال صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه» [رواه الترمذي والحاكم والطبراني، صحيح الجامع الصغير:245].

أخي الحاج: وأنت تقف بتلك الربوع الطاهرة لا بد أن أذكرك ببعض آداب الدعاء لعل الله تعالى أن يرحم ضعفك وأنت بين يديه، فعليك أخي الحاج:

أولاً: أن تقبل على الله خاشعاً متضرعاً راغباً راهباً: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].

ثانياً: استقبال القبلة.

ثالثاً: وهو قبل دعائك: تمجيد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله ثم الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو.

رابعاً: الإقرار بالذنب والاعتراف بالخطيئة.

خامساً: الدعاء ثلاثاً.

سادساً: رفع الأيادي وهو دليل المسكنة والتضرع، فعن سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين» [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، صحيح الجامع الصغير:2070].

الإلحاح في الدعاء

أخي الحاج: فارج الله تعالى في ذلك اليوم ولا ترج سواه، وجعلني الله وإياك من الملحوظين بتلك المواطن بالإجابة وبلوغ المنى.

إنه موسم الطاعات

أخي الحاج: هل بحثت في قلبك وأنت تغادر الأوطان وتفارق الإخوان، لم هذا التجشم؟!

لا شك إن كل حاج خرج أو لم يخرج من موطنه إذا فتش في قلبه، أحس بتلك الفرحة والنشوة التي خالطت ضميره وهو ينوي قصد البقاع الطاهرة، {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37].

كم من قلوب ذابت شوقاً للحلول بتلك الربوع الطاهرة.

أخي المسلم: لا شك أنها أيام الطاعات وموسم القربات فالكل يردد شعار التوحيد: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك)). وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عندما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال أنس رضي الله عنه: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بها حتى أصبح ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبّح وكبّر ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما» [رواه البخاري ومسلم والنسائي].

أخي الحاج: هكذا افتتح النبي صلى الله عليه وسلم حجه، بحمد الله وتسبيحه وتكبيره، «ثم لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى بلغ الجمرة» [رواه البخاري من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما].

أخي: هل استشعرت معنى التلبية؟ وهل اعتقدتها وأنت ترددها؟

فأنت في قولك: ((لبيك)) مجيب لنداء ربك إذا أمرك بحج بيته. أي: إجابة بعد إجابة إو إجابة لازمة.

أخي الحاج: وأنت في خير البقاع كيف تذهب عليك هذه الأيام في غير الطاعات ولفضل هذه الأيام وانشغال الخلق فيها بالطاعات يغتاظ إبليس ويصيبه الذل والصغار، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رئى الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما أرى يوم بدر..» [رواه مالك: الموطأ].

أخي الحاج: إنها أيام الغفران فلا تضيعها سدى، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟» [رواه مسلم والنسائي وابن ماجه].

أخي.. الطاعات.. الطاعات.. ولن يُضل الله عبداً التمس مراضيه. وأعانني الله وإياك على التقوى.

تزودوا.. تقوى الله خير الزاد

أخي الحاج: من عادة الناس إذا نووا الخروج إلى الحج تهيأوا لذلك بالنفقة وكل ما يلزمهم، إذ أنهم مقبلون على سفر طويل وهو أمر جميل.

ولكن أخي الحاج: هنالك زاد لابد لك منه، وإن لم تتزود به ذهب حجك باطلاً، أتدري ما هو هذا الزاد؟ إنه: (التقوى). فلا خير في حج يخلطه صاحبه بالمعاصي، فإنها أيام الطاعات وأسواق التقوى، فالذي يعصي الله فيها هو الخاسر عاجلاً وآجلاً. قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197].

أخي الحاج: فلتكن تجارتك الرابحة تقوى الله تعالى حتى ترجع بحج مبرور، فقد نهاك الله في الآية السابقة عن الرفث والفسوق والجدال. و(الرفث): يطلق على الجماع وعلى التعريض به وعلى الفحش في القول. وقال الإمام ابن حجر: "هو أعم من ذلك وهو المراد بقوله في الصيام: «فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث»" و(الفسق) أخي الحاج: أصله الخروج ويطلق على الخارج من الطاعة فعن ابن عباس وابن عمر وعطاء والحسن وجماعة (الفسوق): إتيان معاصي الله عز وجل في حال إحرامه بالحج.
و(الجدال) قال القرطبي: "لا جدال في وقته ولا في موضعه".

أخي الحاج: إحرص أن تكون من أولئك الداخلين في قوله صلى الله عليه وسلم: «من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري ومسلم] أي: بغير ذنب. قال ابن حجر: "وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات".

أخي: وقال صلى الله عليه وسلم: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه مسلم].

قال الحسن البصري: "الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة".
وقال القرطبي: "قال الفقهاء: الحج المبرور هو الذي لم يُعص الله تعالى فيه أثناء أدائه". فلتكن أخي من الفائزين بثمرة حجهم، وما أسعدك يومها.

لا تؤذي أخاك المسلم

أخي الحاج: لا شك أنك أتيت بيت الله الحرام للفوز بالأجر وتحصيل رضى الله تعالى، ولن ترضى إذا قالوا لك: إنك جئت لتؤذي المسلمين إما بقولك وإما بلسانك، وكم من أولئك الذين لا يؤثرون إخوانهم على أنفسهم.

أخي: لقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم الناس مناسك الحج وما ترك صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا وبينه فها هو عندما اندفع الناس من عرفات وقد شنق لنا قته صلى الله عليه وسلم الزمام، حتى لا تسرع ويقول بيده اليمنى: «أيها الناس السكينة السكينة» [رواه مسلم]. وهذا أخي من رحمته بالناس حتى لا يؤذي الضعاف.

أخي الحاج: الكثيرون من الحجاج يزدحمون عند الحجر الأسود والجميع يريد تقبيله ولو آذى أخاه المسلم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه رضي الله عنهم ما يفعلونه عند الحجر الأسود، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعير كلما أتى إلى الركن أشار إليه» [رواه البخاري]، وزاد مسلم: «ويقبل المحجن». قال الإمام ابن حجر: "ويحتمل أن يكون في حال استلامه قريباً حيث أمن ذلك - أي أذى الناس - وأن يكون في حال إشارته بعيداً حيث خاف ذلك - أي أذى الناس".

أخي المسلم: وهذا هو النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أم سلمة رضي الله عنها بالطواف وراء الناس، قالت أم سلمة رضي الله عنها أنها قدمت مريضة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوفي وراء الناس وأنت راكبة» [رواه البخاري ومسلم].

أخي: فلا تؤذي العباد وأنت تصر على تقبيل الحجر الأسود، فإن جمهور العلماء ذكروا: أن من لم يستطع استلام الحجر أشار إليه واكتفى بذلك، وروى الفاكهي عن ابن عباس رضي الله عنهما كراهة المزاحمة، وقال: "لا يؤذي ولا يؤذى" .

أخي الحاج: أمرك نبيك صلى الله عليه وسلم أن لا تتكلف ما لا تطيقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [رواه البخاري ومسلم].

أخي الحاج: وإذا كان يوم رمي الجمار فإن النبي صلى الله عليه وسلم علّم أمته أن يرموا بمثل حصى الخذف لا يزيدوا ولا ينقصوا. وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف.

أخي الحاج: لا تتكلف في ذلك فترمي بأكبر من ذلك فتؤذي إخوانك، ومهما حرصنا على الخير فلن نكون أتقى لله تعالى من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نهانا عن التنطع والغلو في الدين.

إخوة الإسلام: كونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» [رواه البخاري].

فكن أخي ليناً هيناً رفيقاً بإخوانك المسلمين، أما رأيت أن الله تعالى مدح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيهم: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ...} [الفتح:29].

وأخيراً: وفقني الله وإياك للصالحات



دار ابن خزيمة



  • 2
  • 0
  • 27,932

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً