من وحي النظرة - (03) البراءة

منذ 2014-04-16

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54].

أوضحُ تفسير لهذه الآية عندي، في نظرتي إليك يا ولدي! يا لله ما أضعف قوتك، وأقل حيلتك!

إنك لا تستطيع تناول طعام بين يديك وأنت تتضوَّر جوعًا.. فتبكي! إنك تمد يدك لشمعة جذبك لونها، وما عرفت معنى لهبها.. فتبكي!

إنك يا ولدي! أسهرتَ أعيننا ليلة إلا قليلًا تبكي بكاءَ صَبٍّ أرَّقَتْهُ مرارةُ الفراق، لكن لسانه عاجز عن البيان، فلا هو أراح نفسه ببثٍ همَّه، ولا هو قادر على دفع ما أهمَّه..

أتدري ما الذي فعل بك وبِنَا كل ذلك؟!

إنها نملة ضعيفة تدبُ على جسدك الرقيق يا ولدي! ليس العجب من أين أتتك، بقدر العجب من ضعفك عن ردِّها..!

لكن؛ أتدري يا ولدي! مع كل ضعفك وعجزك عن نفع نفسك.. أنت أفضل مِنَّا، أفضل بكثييييير! أنت تبوء لربك بضعفك، مُفوِّضٌ مستسلِمٌ لأمره، لست من الدنيا وآفاتها في شيء، ولذا تغشاك من الله رحمته، وتُحيطك عنايته..

يا ولدي! إن القطر ينزل بعد رحمة الله لوجودك وأقرانك في دنيانا، لولاكم ما بكت السماء يومًا لقحط الأرض.. أنتم يا ولدي! أصل الحياة، وسِرُّ نقائها..

هل تدري أننا بعقولنا الناضجة التي بين لها ربها الصالح من الفاسد كثيرًا ما نضعف أمام مهلكة تشتهيها نفس أمارة بالسوء.. نتوب ونعزِم على عدم العود، ثم نضعف مرةً أخرى..! كثير مِنَّا يُوقِن بحرمة ما يفعل ورغم ذلك يتبجَّح بأنه ضعيف! لِمَ تضحك يا ولدي! تسخر مِنَّا؟!

ألم أخبرك بأنك أفضل؟!

ضعفك مغلَّفٌ بالبراءة، مغشوٌ بالرحمة والعناية، أما ضعفنا فمُتوارٍ خلف السواعد المفتولة والأجسام الممشوقة!

ضعفنا فيه وقاحة وجرأة ونسيااااان، أو قُل تناسي!

فهذا المدل على الناس بعلمه يتناسى أنه كان يومًا لا يُفرِّق بين الجمرة والتمرة والبُعرة! وهذا المتكبِّر المتعالي، المتجبِّر بسطوته؛ يتناسى أنه كان يفزع من صوت عصفور على الشجرة المجاورة، فلا ينقطع بكاؤه إلا في حضن أُمّه! وهذه المزهوَّة بجمالها، تبغي الفتنة ما امتثلت أمر ربها، تتناسى أنها كانت يومًا تنتظر رحمة الله في قلب أُمّها لتنظفها وترعاها، ولولا ذلك لكانت كتلة من أشياء قبيحة!

يا معشر البشر! ستظل مسحة من ضعف طفولي تلازمكم وإن نسيتم، تسكنكم وإن تنكرتم، تلاحقكم وإن نبتت لكم شوارب أو طالت لكن ذوائب! إن كُنَّا ننسى فأُعِيذُك بالله يا ولدي! أن تنسى أنت يومًا..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد عطية

كاتب مصري

  • 0
  • 0
  • 1,458
المقال السابق
(02) الطفل والشهيد
المقال التالي
(04) زماننا وزمانكم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً