فوائد المرض

منذ 2014-04-17

إن كثيرًا ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض لجهلهم بفوائد المرض يتسخطون ويشكون ولا يصبرون على ذلك المرض؛ بل إن بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان؛ بلغ بهم اليأس مبلغًا عظيمًا فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يقنطه من روح الله

الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:


إن الله تعالى خلق هذا الإنسان وأوجده في هذه الحياة ليبتليه قال تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [سورة الملك:2]، والابتلاء تارة يكون بالخير وتارة يكون بالشر قال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [سورة الأنبياء:35]. ومن ذلك الابتلاء بالمرض.
إن كثيرًا ممن ابتلاهم الله تعالى بالمرض لجهلهم بفوائد المرض يتسخطون ويشكون ولا يصبرون على ذلك المرض؛ بل إن بعض المرضى الذين ابتلوا بأمراض مستعصية كالسرطان؛ بلغ بهم اليأس مبلغًا عظيمًا فتجد الواحد منهم قد ضعف صبره وكثر جزعه وعظم تسخطه وانفرد به الشيطان يوسوس له ويذكره بالمعاصي الماضية حتى يقنطه من روح الله، مع أن المريض لا خوف عليه مادام موحدًا ومحافظًا على الصلاة، حتى ولو لم يصل إلا لما مرض، فإن من تاب توبة صادقة قبل الغرغرة تاب الله عليه، ولو وقع في كبائر الذنوب، فإنه يرجى لكل من مات من الموحدين ولم يمت على الكفر، ففي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: «من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة»، فقال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق، قال: «وإن زنى وإن سرق» (أخرجه البخاري: [1180]، ومسلم: [94]) ، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» (رواه مسلم: [2877])، ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه عز وجل: «أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا ذكرني» (أخرجه البخاري: [6970]).


فعلى المؤمن أن يصبر على البلاء مهما اشتد فإن مع العسر يسرًا، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يقول أنس: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو رحمة الله يا رسول الله، وأخاف ذنوبي، فقال: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمَّنه مما يخاف» (أخرجه الترمذي: [983]، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: [1612])، فلا يسيء أحدنا العمل ونحن أصحاء بحجة هذا الحديث، فلعل الموت يأتيك بغتة. وعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بقضاء الله، فإن عاش لم يحرم الأجر، وإن مات فإلى رحمة الله إن شاء الله تعالى، فإذا تقرر هذا كله فلنرى ما هي فوائد المرض العظيمة وما يترتب عليه من مصالح ومنافع قلبية وبدنية.


من فوائد المرض ما يأتي:
1- أنه تهذيب للنفس، وتصفية لها من الشر الذي فيها: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]، فإذا أصيب العبد فلا يقل: من أين هذا، ولا من أين أتيت؟ فما أصيب إلا بذنب، وفي هذا تبشير وتحذير إذا علمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا، أخرج البخاري عن أبي هريرة  أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته» (أخرجه مسلم: [2573])، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي: [2399]، وصحح الألباني في الصحيحة: [2280])، فإذا كان للعبد ذنوب ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن أو المرض، وفي هذا بشارة فإن مرارة ساعة وهي الدنيا أفضل من احتمال مرارة الأبد، يقول بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس(1).


2- ومن فوائد المرض: أن ما يعقبه من اللذة والمسرة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر» (أخرجه مسلم: [2956])، وأخرج الترمذي عن جابر مرفوعًا: «يود الناس يوم القيامة أن جلود كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء» (أخرجه الترمذي: [2402]، وصححه الألباني في صحيح الجامع: [5484]).


3- ومن فوائد المرض: قرب الله من المريض، وهذا قرب خاص، يقول الله: «ابن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده» (رواه مسلم: [2569]).


4- ومن فوائد المرض: أنه يعرف به صبر العبد، فكما قيل: لولا الامتحان لما ظهر فضل الصبر، فيمتحن الله صبر العبد وإيمانه به، فإما أن يخرج ذهبًا أو خبثًا، والمقصود: أن حظه من المرض ما يحدث من الخير والشر، فعن أنس مرفوعًا: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»، وفي رواية: «ومن جزع فله الجزع» (رواه الترمذي: [2396]، وصححه الألباني في صحيح الجامع: [2110])، قال الفضيل -رحمه الله-: "فإذا أحب الله عبدًا أكثر غمه، وإذا أبغض عبدًا وسع عليه دنياه"(2). وخصوصًا إذا ضيع دينه، فإذا صبر العبد إيمانًا وثباتًا كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدث له الرضا كتب في ديوان الراضين، وإن أحدث له الحمد والشكر كان جميع ما يقضي الله له من القضاء خيرًا له، أخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضراء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير» (أخرجه مسلم [2999]).


5- ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصًا إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنه لا يوجد له علاج، وكان مريضًا بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف:110].


6- ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعًا: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (رواه البخاري: [5321])، ومفهوم الحديث أن من لم يرد الله به خيرًا لا يصيب منه، حتى يوافي ربه يوم القيامة.


7- ومن فوائد المرض: أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة والتعرف على الله في الرخاء، فإنه يحفظ له عمله الصالح إذا حبسه المرض، وهذا كرم من الله وتفضل، هذا فوق تكفير السيئات، حتى ولو كان مغمًا عليه، أو فاقدًا لعقله، ففي مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه، فقال: اكتبوا لعبدي كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي» (أخرجه أحمد في مسنده: [6482]، وصححه الألباني في صحيح الجامع: [800]).


8- ومن فوائد المرض: أن يعرف العبد مقدار نعمة معافاته وصحته، فإنه إذا تربى في العافية لا يعلم ما يقاسيه المبتلى فلا يعرف مقدار النعمة، فلولا المرض لما عرف قدر الصحة، ولولا الليل لما عرف قدر النهار، ولولا هذه الأضداد لما عرفت كثير من النعم، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة:216].
ومن ذاق ألم الأمراض عرف بعد ذلك قيمة الصحة، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين يا أرحم الراحمين. والحمد لله رب العالمين.


___________________
(1) صفوة الصفوة (4/38).

(2) حلية الأولياء (8/88).

المصدر: موقع إمام المسجد
  • 43
  • 4
  • 206,413

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً