أحوال السلف في الحج
منذ 2007-11-30
الحمد لله الذي شرع لعباده حج بيته العتيق، وهو سبحانه الغني عن العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد قدوة الحجيج وأسوة المعتمرين وعلى آله وصحبه ومن اقتدى بهم وسلك نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فالحج فريضة شرعية ومناسبة عمرية، إذ يجب على المسلم المستطيع في حياته مرة واحدة ينتقل فيه من بلده إلى بلد لا يعرفها وظروف لم يألفها.
ينفق فيه ماله ويترك عياله ويبذل جهده ويتكبد مشاق السفر ومتاعب الحل والترحال والنزول والانتقال في مواقف يزدحم فيها الناس في الزمان والمكان نفسيهما.
وفي ظل انتشار الجهل في صفوف الكثير من المسلمين يتجلى آثار الجهل العقائدي والعلمي والوعي الصحيح في اجتماع الحجيج لأداء مناسكهم فتروعك مظاهر الشرك والبدع والمعاصي والمخالفات في أمور النسك خاصة والعبادات عامة وتحزنك أمارات التخلف بصوره المختلفة ويزداد الحال سوءاً عندما يسعى بعض تجار الدنيا لتحقيق أعلى المكاسب على حساب إخلال الحجيج بنسكهم واستمرار جهلهم بدينهم وتخلفهم فيشعر طالب العلم والدعاة إلى الكتاب والسنة بثقل التبعة وعظيم المسئولية.
وانطلاقاً من رسالة الإسلام الصحيحة الصافية واهتمام الدعاة إلى الله بنشر العلم الشرعي الصحيح ليتأسى المسلم بالسنة ويتجنب البدعة والمنكر.
ولما كان الطريق الوحيد إلى معرفة ذلك هو التعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج وأحواله فيه جعلنا هذا العدد في احوال السلف في الحج. نسأل الله أن يقبل من الجميع عملهم.
الترهيب في ترك الحج:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: إن عبداً صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي محروم» [رواه ابن حبان].
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «تعجلوا في الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له» رواه أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «الحجة المبرور ليس لها جزاء إلا الجنة» [رواه النسائي عن أبي هريرة[.
حال السلف في الحج:
لقد كان للحج تأثير عظيم في تزكية النفوس وإصلاح القلوب، لما فيه من معاني العبودية، ومظاهر الربانية التي تجلت في كل أعماله ومناسكه، فأثمرت في واقع السلف قلوباً تقية، وأفئدة زكية وأبداناً طاهرة نقية، فكانوا مع إحسانهم للعمل يخشون الرد وعدم القبول أما نحن- إلا من رحم الله- فلا إحسان ولا خشية، ومع ذلك ينام أحدنا ملء جفونه وكأنه حاز النعيم وضمن من الجنة فردوسها الأعلى!!
ولئن ورد عن بعض السلف أنه قال: "الركبُ كثير والحج قليل، فما عسانا نحن أن نقول؟ نسأل الله ألا يمقتنا".
فما أحرانا نحن المسلمون أن نعود إلى ما كان عليه السلف الصالح عقيدةً ومنهاجاً، عبادةً وسلوكاً حتى نفوز بما فازوا به من سعادة الدارين، العز في الدنيا والنعيم في الآخرة.
من أخلاق السلف في السفر والحج:
كان السلف- رحمهم الله- يعلمون حق رفيق السفر فيحسنون صحبته ويواسونه بما تيسر لديهم في طعام وشراب وكان كل واحد منهم يريد أن يخدم أخاه ويقوم بأعماله فلا يمنعه من ذلك نسب ولا شرف ولا مكانه عليه.
قال مجاهد: "صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني".
وكان عبد الله بن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام وهو صائم وكان إذا أراد الحج من بلده جمع أصحابه وقال: "من يريد منكم الحج؟" فيأخذ منهم نفقاتهم فيضعها في صندوق ويغلقه ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة ويطعمهم أطيب الطعام ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من هدايا ثم يرجع بهم إلى بلده فإذا وصلوا صنع لهم طعاماً ثم جمعهم عليه ودعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فردَّ إلى كل واحد نفقته!!.
عبادة السلف في الحج:
ذكر الإمام ابن رجب- رحمه الله- أن من أعظم خصال البر في الحج، إقام الصلاة، فمن حج من غير إقام الصلاة- لا سيما إن كان حجه تطوعاً- كان بمنزلة من سعى في ربح درهم، وضيع رأس ماله وهو ألوف كثيرة، وقد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على صلاة النافلة على راحلته في أسفاره كلها ويوتر عليها. فعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي السُّبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت. [متفق عليه]. ( والمقصود بالسبحة النافلة).
حذر السلف من الرياء والمباهاة:
ومما يجب على الحاج اجتنابه، وبه يتم بر حجه ألا يقصد بحجه رياءاً ولا سمعةً ولا مباهاةً ولا فخراً ولا خيلاء، ولا يقصد به إلا وجه الله سبحانه وتعالى ورضوانه، ويتواضع في حجه ويستكين ويخشع لربه. وقد كان السلف- رحمهم الله- شديدي الحذر من أن يدخل في عملهم شيء من الرياء أو حظوظ النفس، لأنهم يعلمون أن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه صواباً على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» [رواه مسلم].
ولذلك لما قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: ما أكثر الحاج! قال: ما أقلهم!
وقال شريح القاضي: "الحاج قليل والركبان كثير، ما أكثر من يعمل الخير، ولكن ما أقل الذين يريدون وجهه".
وليس على كل الوجوه قبول وجوه عليها للقبول علامة.
أسباب توقان النفس إلى مكة:
الأول: من تكون وطنًا له فيخرج عنها فيتوق إلى وطنه.
والثاني: من يذوق في تردده إليها حلاوة ربح الدنيا فذاك يتوق إلى ربحه لا إليها، لكنها لما كانت سببًا تاق إليها.
والثالث: من يكون محصورًا في بلده فيحب النزهة والفرجة ويرى ما يطلبه في طريقها فينسى شدة يلقاها للذة التي يطلبها وتبهرج نفسه عليه أني أحب الحج، وإنما يحب الراحة.
والرابع: من تبطن نفسه الرياء وتخفيه عنه حتى لا يكاد يحس به، وذلك حبها لقول الناس: قد حج فلان، ولتلقبه وتسميه بالحاج، فهو يتوق إلى ذلك، وتبهرج عليه بحب الحج، وهذامن رقائق الغرور فيجب الحذر منه.
والخامس: من يعلم فضل الحج فيتوق إلى ثواب الله- عز وجل- لأن مضاعفة الثواب في تلك الأماكن بزيد على غيرها، وهذا هو المؤمن.
السادس: توقان عام، وسببه دعاء الخليل- عليه السلام- حين قال: {فَاجْعَل أَفئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِم} [إبراهيم:37].
قال ابن عباس- رضي الله عنهما: "تحنُّ إليهم، قال:وأراد حب سكنى مكة، ولو قال: اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لحجّه اليهود والنصارى، ولكنه قال: من الناس".
الشوق إلى الحج و أماكنه:
يحنّ إلى أرض الحجاز فؤادي ويحدو اشتياقي نحو مكة حــادي
ولــي أمـلٌ مـازال يسمو بهمّتـي إلـى البلدة الغـراء خـير بـــلاد
بهـا كعبــة الله التـي طـاف حـولـها عبـادُهــم الله خيــر عبـــــاد
لأقضــيَ فــرض الله فـي حـج بيتـه بأصـدق إيمـان وأطــــيب زاد
أطـوف كمـا طـاف النبيـون حـولـه طـواف قيــادِ لاطـواف عنـــــاد
وأستـلم الركـن اليمـاني تابعـاً لسنّـة مَهْـدِيًّ وطـاعة هــــــادي
وأركـع تلقـاء المقـام مصليـاً صـــلاةً أرجئــــها ليـــوم معـــــــادي
وأسعــى سـبُوعــاً بيــن مــروةً والصفـا أهـلّ ربي تـارة وأنـــادي
وآتي منى أقضي بها التَفَثَ الذي يتم به حجي وهدييَ شادي
فيــاليتنـــــي شـــارفت أجْبُــلَ مكـة فبـتّ بــوادٍ عنــد أكــرم واد
ويــاليتنـي رويـت مـن مــاء زمــزم صــدا خــاله الجـــوانح صادي
من فتاوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء:
فتوى رقم ( 10701 ) زوجة لا تملك نفقات الحج وزوجها ذو غنى ، فهل هو ملزم شرعا بنفقات حجها ؟
لا يلزم الزوج شرعاً بنفقات حجها وإن كان غنياً وإنما ذلك من باب المعروف وهي غير ملزمة بالحج لعجزها عن نفقته.
فتوى رقم ( 5545 ) إذا أراد المسلم إن يقضي فريضة الحج وهو عليه دين فهل إذا استأذن من صاحب أو أصحاب الدين وسمح له بالحج فهل حجه صحيح؟
إذا كان الواقع كما ذكر من سماح الدائن أو الدائنين لك في أداء الحج قبل تسديد ما عليك لهم من الدين فلا حرج عليك في أداء الحج قبل التسديد، ولا تأثير لكونك مدينا لهم على صحة حجك في مثل هذه الحالة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
( فتوى رقم 4909 ) هل يحق للمرأة المسلمة أن تؤدي فريضة الحج مع نسوة ثقات إذا تعذر عليها اصطحاب أحد أفراد عائلتها معها، أو أن والدها متوفي؟ وهل يحق لوالدتها اصطحابها لتأدية الفريضة أو خالتها أوعمتها أو أي شخص تختار ليكون محرما معها في حجها؟
الصحيح أنها لا يجوز لها أن تسافر للحج إلا مع زوجها أو محرم لها من الرجال، فلا يجوز لها أن تسافر مع نسوة ثقات أو رجال ثقات غير محارم، أو مع عمتها أو خالتها أو أمها، بل لابد أن تكون مع زوجها أو محرم لها من الرجال، فإن لم تجد من يصحبها منهما فلا يجب عليها الحج ما دامت كذلك لفقد شرط الاستطاعة الشرعية، وقد قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97].
سلسلة العلامتين
المصدر: سلسلة العلامتين
- التصنيف: