المقاومة في العراق من يحصد ثمارها؟
منذ 2007-12-01
المقاومة أمر فطري فطر الله عليه الناس من يوم كانوا، وما استكان شعب إلا حين يؤمن بمعتقدات من يهاجمه كما حدث مع الفتوحات الإسلامية. بَيّدَ أنها تُوجه، يَدٌ تزرعها وأخرى تحصدها!
المقاومة أمر فطري فطر الله عليه الناس من يوم كانوا، وما استكان شعب إلا حين يؤمن بمعتقدات من يهاجمه كما حدث مع الفتوحات الإسلامية. بَيّدَ أنها تُوجه، يَدٌ تزرعها وأخرى تحصدها!
وفي مقالي هذا بحول الله وقوته أحاول من خلال تتبع بعض حركات المقاومة في التاريخ وكيف كان مصيرها استخلاصَ بعض الدروس التي ربما يستفيد منها أهل الجهاد في العراق. وأبدأ مستعينا بالله بهذا النموذج:
نهضة محمد علي في مصر:
قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر (1798م ـ 1801م) لم تكن الأمة متخلفة غافلة كما يُدندن بعض أدعياء الثقافة، ولم تكن الأمة فقيرة إلى كل العوامل التي تساعدها على النهوض الذاتي لذا كان لابد من الاتصال بالغير والأخذ عنه كما يدعي جهلة المثقفين. أبدا لم يكن الأمر كذلك؛ فقد كانت هناك العديد من دعوات اليقظة التي كانت في الأمة قبل مجيء الحملات الاستعمارية الأوروبية عليها، منها على سبيل المثال الدعوة السلفية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد بالجزيرة العربية، والجهود التي قام بها عبد القادر عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب في العراق، ومحمد عبد الرزاق الحسيني المشهور بالمرتضى الزبيدي صاحب تاج العروس، وكذا الإمام الشوكاني في اليمن، وحسن إبراهيم الجبرتي (الجبرتي الكبير) في مصر والذي كانت له جهود ومخترعات في مجال الفلك والرياضيات وهو جد الجبرتي صاحب التاريخ (1)؛ وما يعنيني هو أنه كانت هناك بوادر صحوة فكرية تسير في الاتجاه الصحيح قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر، وكذا نمت صحوة في مجال آخر حين قدمت الحملة الفرنسية، إذ أنه بعد أن هَزم الفرنسيون النظام المملوكي الحاكم في مصر، قامت مقاومة شعبية تحت قيادة علماء الدين وفي إطار الجهاد الشرعي ضد العدو الكافر، فقد استطاع الشعب المصري تحت قيادة علماء الدين أن يمارس جهادا مسلحا ناجحا ضد الحملة الفرنسية (1798 ـ 1801 م) وضد حملة فريزر الإنجليزية (1807م).
وفي مجال التصنيع كان ثُوَّار القاهرة في الثورة الثانية على الحملة الفرنسية كانوا قد استطاعوا تصنيع البارود والمدافع (2)؛ فقد كان رفضا للمحتل كما هو الحاصل اليوم في العراق، وكانت صحوة يقودها علماء الدين تنطلق من الأزهر وترفع شعار الجهاد ضد المحتل الكافر.
وماذا حدث لهذه الصحوة وتلك؟
أحاطت بالفرنسيين المشاكل فجعلتهم يرحلون عن مصر، ولكنهم خلَّفوا ورائهم محمد علي باشا، وسواء أكانوا هم الذين جاؤوا به عن طريق التوسط عند الخليفة العثماني كما تحكي بعض المصادر (3) أم أنهم فقط وقفوا بجواره وشجعوه بمدِّهِ بالخبراء (كسُليمان باشا الفرنساوي مثلا) الذين أسسوا له الأسطول وبنوا الجيش من جديد وأنشئوا له القناطر الخيرية لتنظيم الريّ في الدلتا لتكتمل صورة النهضة في عين الفلاحين من أبناء الشعب، فهذا لا يعنيني هنا وإنما فقط يعنيني أن الصحوة التي كانت في الأمة يومها قَطف ثمارها العدو بأيدي أبناء هذه الأمة وانقلب على الشجرة فقطع فروعها وأنهك جذرها فلم يبقى منها إلا قليل توارى في الأرض؛ وأصبحت طاقات الأمة المصرية الناهضة حربا على الخلافة الإسلامية وعلى الدعوة السلفية في الجزيرة العربية، واستخدمت الموارد البشرية والمادية لتحيق حلم يرتبط بشخص محمد علي ويمهد لقدوم العدو مرة ثانية، وحين كاد عمرو أن يشب عن الطوق حين أراد محمد علي أن يتطاول على أسياده الأوربيين ويهاجم إحدى الدول الصليبية "اليونان" تجمع له الأوربيون في معركة "نافرين" وأرجعوه، وفي مرحلة أخرى في عهد الخديوي إسماعيل زجوا بجيش الصحوة في غابات أفريقيا الصومال وأثيوبيا حتى ذهبت قواه وعاد هيكلا لا يقوى إلا على قمع المعترضين من أبناء الشعب (4). إلى هذا الحد انتهت الصحوة المصرية ضد العدو الصليبي الفرنسي يومها.
ولكن ما هو السبب الحقيقي ؟
أجيب إن شاء الله بعد عرض هذا النموذج:
في العقدين الخامس والسادس من القرن الميلادي المنصرم كانت الأمة الإسلامية تعيش حالة من الغليان على الغرب كلِه، وقامت حركات مسلحة تقاتل عن أرضها ودينها وحركات دعوية تريد إعادة الخلافة وتوحيد الكلمة وحركات سياسية مُغرضة ومخلصة تسير في نفس الاتجاه؛ وكانت الصبغة الغالبة هي الصبغة الدينية، والمطالب الأولى هي مطالب شرعية، كان هذا في مصر حركة الإخوان المسلمون وخروج الثورات من الأزهر وفي الجزيرة العربية قامت صحوة ـ إن صح التعبير ـ من أجل لمّ الشمل تحت راية التوحيد، وفي الجزائر الثورة الإسلامية ـ المليون شهيد وفي ليبيا كان عمر المختار ورفاقه يرفعون راية الجهاد، ولم تخلو الشام ولا العراق، والمهم أن الأمة كلها باختلاف شرائحها من عوام ومثقفين كانت ثائرة تريد طرد المحتل وإقامة شرع الله في الجملة.
فماذا حدث؟
العكس تماما.. ما حدث كان على العكس تماما مما كانت تطالب به الأمة.
أُنشِأت الجامعة العربية كبديل للجامعة الإسلامية التي ربما لو تكونت لأعادت الخلافة الإسلامية أو حافظت على هوية الأمة على الأقل، ثم بعد حين أصبحت الجامعة العربية شكلية لم تقدم أي شيء سوى أنها استوعبت حماس الأمة وكانت حلا مرحليا لمطالبة الشعوب بالوحدة، وفي الأخير صارت إلى ما هي عليه اليوم.
انتهى أمر هذه الصحوة بالعلمانية ـ فصل الدين عن الحياة ـ بكلمات أُخر: قَطَفَ ثمار هذه الصحوة العلمانيون، وحدث ما لا يخفى من ابتلاء لقطاع عريض من الصحوة الإسلامية. فثمار هذه الصحوة في العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين وضعت في سلّة العدو بيد أبناء الأمة، فلم تعد الخلافة الإسلامية، ولم تتحرر فلسطين بل لم تحافظ على هويتها الإسلامية، ولم يُطبق شرع الله كما كانت تنادي الصحوة في كثير من البلدان التي قامت فيها. وخرجت الصحوة من المحنة فصائل بطيئة الحركة تتعثر في سيرها.. كلما نهضت من كبوة وقعت مرَّة أخرى، فمن التعصب للجماعات إلى التعصب للأفراد، ولا أريد الاسترسال فقط أريد القول: "إننا بصدد تكرار ما حدث".
وحتى يتضح مرادي أجيب على السؤال الذي طرحته من قبل:
كيف ضاعت الثمار بهذه السهولة؟
أو قل: لماذا اتجه محمد على نحو فرنسا؟ ولماذا أثنى الشيوخ على ديار الكفر أعني رفاعة الطهطاوي ومن معه ومن جاء بعده ممن ينتسبون إلى الإسلام؟ ثم لماذا قبلت الجماهير ولو بعد حين ما طُرح عليها؟ أهي العمالة؟
وإن كانت فهي ـ أي العمالة ـ عَرَض وليست بالمرض؛ ليست هي الداء الحقيقي.
الداء الحقيقي هو الخلل العقدي. نعم، خلل عقدي عند النخبة المثقفة جعلها تنبهر بالغرب تريد محاكاته، وخلل عقدي عند الشعوب جعلها تقبل ما يملي عليها. ولا تهب في الغالب إلا دفاعا عن لقمة عيشها لا دينها.
وهذه معادلة أطرحها ليستبين بها قولي:
قبل قيام الثورة في مصر عام 1952م كان جل الشعب مع التيار الإسلامي (الإخوان يومئذ)، وبعد قيام الثورة كان الشعب كله مع العبد الخاسر الذي ما عبد الناصر "عبد الناصر". ما الذي جعل الجماهير بالأمس هنا واليوم هناك؟
لا شيء سوى الخلل العقدي.
لا شيء سوى جرثومة الإرجاء التي أصابت الدين في القلوب فخلفته شهادة باللسان وصلاة في المساجد وصوم في رمضان وحجا إن قدروا على ذلك.
وهو بأم عينه الخلل العقدي الذي جعلهم يقبلون حكم "الثوار الأحرار" "العرب الأمجاد" وهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله، وهم يعذبون أولياء الله، وهم يسخرون من سنة الحبيب بأبي هو وأمي وأهلي وابني صلى الله عليه وسلم بأوقع الألفاظ حتى قال سفيههم: "لن نعود إلى عهد البغال والحمير".
هو بعينه الخلل العقدي الذي غيّم على العيون فجعلها لا ترى إلا ما يكتب في الهوية من ديانة.
وهو بعينه الخلل العقدي الذي جعل الحكام إن كانوا صادقين في أنهم يريدون الخير لشعوبهم يسيرون وراء الكفر وأهله.
ببساطة: الإرجاء العقدي ضد الشعوب هو السبب في تقبل العلمانية؟
حين عرفوا أن الدين صلاة وصيام وحج ونطق بالشهادة نظروا إلى مطالب الصحوة من إقامة سلطان الله في الأرض على أنه أمر زائد. وأن قضية الصحوة مع العلمانية قضية من يحكم كأفراد؟ وليس قضية إيمان وكفر أكبر أو أصغر.
هذا هو السبب ببساطة.
الحال هو الحال!
المقاومة العراقية تمثل حالة من الرفض لدى الشعوب، وهي قابلة للتكرار إن توجه الأمريكان إلى قطر آخر والله أسأل أن يقصم ظهورهم في العراق ولا يخرجون منها بعافية ولكنها إلى الآن لم تُوجه. ويمكن أن تُسيس أو يغير مصيرها تماما كما حدث مع المصرين بعد رحيل الفرنسيين وكما حدث مع صحوة الأمة قبل حقبة الثورات في القرن الماضي كما قدمت، ونستفيق وقد دخلنا في دوامة تذهب بجهد السابقين ويجلد فيها ظهور الحاضرين. وتكون عبئا على القادمين والعياذ بالله.
أيها السادة!
ما أراه هو أن الزمان قد دار دورة وها نحن نشهد نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى. فَشَلَتْ القومية العربية كطرح فكري وكتطبيق عملي، وملّتها الجماهير، ولا بد من البديل، وقد جاءت الموجة الجديدة من الحروب الصليبية، أو خَفِفْ اللفظ وقل: "موجة جديدة من الحملات الاستعمارية" ولا فرق بينهما عندي لتدشين مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة العملاء. فبالأمس قرضاي واليوم علاوي عميل المخابرات الأمريكية ومحمود عباس الذي رضي عنه كبير المغضوب عليهم شارون وكبير الضالين بوش، وكثير من الباقين لا يحتاجون إلى تغيير. وليس فقط في مجال الحكم بل في المجال الديني وفي مجال التعليم؛ فانظر إلى علماء الدين الرسميين، أتكلم عن الغالبية في الدول الديمقراطية، وانظر إلى القائمين على تطوير التعليم في العالم الإسلامي. أليس الكل يشترك في رفض الإرهاب؟ والرغبة الجادة في تحسين صورة الإسلام عن طريق إعادة قراءته بصيغة يتفهمها أو يقبلها أبناء العم سام ومن وراءهم؟!
فيمكن أن ترحل أمريكا وتخلف وراءها عملاها. وهذا غالب الظن. ستختفي من الصورة وإن بقيت على الأرض ويتولى حلفاءها قتال المجاهدين وهنا ستختلط الرايات ثانية، والعامة تُؤتى من أذنها، وهي العامّة مع من يأتيها برزقها، وأروني يوما صوَّتت فيه الجماهير لصاح الحرب.
والمقصود هو الخوف من أن تنطفئ جذوة الصحوة ويذهب ثمارها بعد الرحيل الصوري للقوات الأمريكية المحتلة (5) وظهور حكومة وطنية خالصة ليس فيها أحد من بني الأصفر. وتصبح المقاومة بين مطرق جيش الحكومة العميل وسندان الشعب، وفي أرضٍ كالعراق ليس فيها جبال مَنِيعة كأفغانستان تصعب عملية المقاومة جدا بل تكاد تكون مستحيلة.
فقبل أن يقطف العدو ثمار المقاومة الإسلامية في العراق بيد إخوانه من بني جلدتنا. علينا أن نتحرك للحيلولة دون ذلك. وهذه بعض المقترحات تحت العناوين التالية:
1ـ البلاء عام:
الحملة الصليبية الجديدة تتميز بأنها متعددة الأهداف.. متشعبة متغلغلة في كل مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية. وفي ظني أن العولمة بأبعادها الثلاث الثقافية الفكرية والعسكرية والاقتصادية هي المسمى الحقيقي للحملة الصليبية الجديدة. فحين يتجرد الكلام من الدبلوماسية، وترفع عن المتكلمين الأقنعة الزائفة تجد العولمة في بعدها الثقافي: دعوة كُفرية (6) تهدف إلى هدم ثوابتنا الإسلامية وإعادة قراءة الشريعة من جديد بلسان المتنورين من أبناء الأمة الإسلامية لصياغة ما أسموه بالإسلام المدني الديمقراطي.
وهي العولمة في بعدها الاقتصادي: هجمة شرسة يريد منها أصحاب رؤوس الأموال أن يأخذوا من فم الطبقة الكادحة في الشرق الأوسط "الدول العربية المسلمة" اللقمة التي يقتاتون بها ويصبح المالُ دُولَة بين الأغنياء منهم.
وهي العولمة في بعدها العسكري قوة واحدة في صورة تحالفات مشبوهة تريد السيطرة على العالم الإسلامي خاصة وغيره عامة.
هذه هي العولمة بدون مواربة ولا دغدغة في الكلام، فكما ترى الجانبُ العسكري فرع منها. وهي تستهدف كل شيء على أرض المسلمين الناس والمال والقيم الدينية والخلقية.. كل شيء.
والعجيب أن الأمة تقف مشدوه كالأبله الأبكم العيي الذي لا يقدر على شيء وكل التصرفات خبط عشواء.. فردية.. خارج السيطرة أو في إطار الحزبية المبتدعة. وكما أن الأمة كلها مستهدفه فلابد أن تكون الأمة منوطة بالمواجهة والتصدي لهذا الغزو كل بما يستطيع. وإنني أرى المسئولية كلها تقع على ولاة الأمر، وأزيد البيان تحت هذا العنوان.
2ـ متى تتحركون؟
لا يجادلني أحدٌ في أن ولاة الأمر الذين عني الله في قوله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]. هم الأمراء والعلماء. وإن دققتَ وجدتَ الأمر كله يرجع للعلماء فهم الذين يبُيَنِّونَ للأمراء، وهم أهل الحلِّ والعقد الذين تنعقد بهم بيعة الأمراء، و من العلماء تُعطى لغيرهم شرعية الخروج عليهم إن هم حادوا.
ومن عقود طويلة وأهل السلطان وأهل القرآن يتصارعان حتى حسم الطغاة في الأزمنة الأخيرة المعركة لصالح سلطان بلا قرآن، ونصبت العلمانية خيامها الثقيلة الغليظة على جُل ربوع المسلمين، تحادّ الدين في بلاده، وتحارب التوحيد في مواطنه، وتنفرد بالقيادة والريادة دون أهل العلم والعدل والعبادة، وأصبحت ديكتاتورية لُكع ابن لُكع، أو ديمقراطية الرويبضات التوافه؛ هي صاحبة الحل والعقد واليد الطولى في التخطيط المتخبط، والتصدي المرتجل المرتجف في مواجهة التحديات.. إننا لو تأملنا عناصر القوة في هذه الأمة؛ لوجدناها كلها تُفَرَّغ من مضمونها بذلك الفراغ القاتل في القيادة العلمية الموحِّدة لكلمتها، والموجِّهة لسياستها، والمنظِّمة لعلاقتها، والدافِعة لقوتها في الدفاع أو الهجوم؛ بحسب الضوابط المستمدة من شريعة الله. إن غياب القيادة القائمة بهذه الشريعة على مستوى الأمة قد أبطل أثر هذه الشريعة في الارتفاع بأمتنا إلى العزة والتمكين، فصارت الشريعة لا تحكم إلا بعض مظاهر الحياة الفردية للناس؛ تماماً كما أرادت العلمانية بزعاماتها المزعومة (7) ولعمر الله لا بد لها ممن يجاهدون بسلاحهم تحت إمرة من يجاهدون بأقلامهم.
واليوم الأمر معكوس قام المسلحون وقعد العلماء الربانيون عن توحيد الكلمة فيما بينهم والقيام بدور القيادة للأمة.. دور الأنبياء. فمتى يتحركون لسقيا هذه الشجرة التي نبتت في العراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين والاعتناء بها حتى يطيب ثمرها وحمايتها كي لا يقطف العدو ثمارها؟ ومَنْ ظن أنه في هذا الزمان يقوم بآداء واجب العلم الذي حمله الله إياه في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران : 187] وهو معافى في نفسه وأهله وماله فلا أظنه قد أصاب {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان : 17].
3ـ لم هي عراقية؟
وأيضا لم هي أفغانية؟ ولم هي فلسطينية؟ ولم هي شيشانية؟ لم لا يقال المقاومة الإسلامية في العراق والمقاومة الإسلامية في فلسطين وهكذا؟؛ وبين الأسلوبين فرق كبير.
وأجد في نفسي حين أرى كثيرا من مشاهير المحللين الإسلاميين في المواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية وفي الصحف والمجلات الإسلامية يتكلمون عن تحرير العراق (الأرض) وتحرير فلسطين (الأرض).. وكأنهم لا يعرفون أن راية الجهاد رفعت أساسا من أجل حفظ الدين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} [البقرة:193] أي "حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له"، فتحرير الأرض يكون من أجل منع فتنة الكفر والشرك عنها حتى لا يعبد فيها غير الله. ولو بقيت الأرض بعد استقلالها وتحريرها واقعة تحت هيمنة الكفر ولو كان محليا وطنيا, لما غير ذلك من أمر وجوب الجهاد شيئا. فالأمر إذا ليس إقامة سلطة محل سلطة وإنما ما هو السلطان الذي ستقيمه هذه السلطة؟ أهو سلطان القرآن أم سلطان الشيطان؟!
وكذا تحرير الشعوب الإسلامية والمقدسات الإسلامية يكون لصد ضرر الكفر والشرك عنها. فغاية الجهاد واحدة في جوهرها: أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين كل الدين لله رب العالمين (8) ولا أستطيع التوضيح أكثر من هذا.
وتغيير الخطاب إلى هذه الصورة يساعد على نضوج ثمرة المقاومة الإسلامية في العراق وغيرها وإبعاد اللصوص المتسلقين عن شجرتها.. لم لا تكون مفاصلة ولو خطابية والقوم اليوم قد أعلنوها مواجهة شاملة ورمونا عن قوس واحدة؟
الهوامش:
(1) وفي كتاب "الطريق إلى ثقافتنا" للعلامة محمود محمد شاكر تفصيلٌ لذلك
(2) محمد مورو ـ المحايد العدد 107
(3) في رسالة علمية (ماجستير) بعنوان "الانحرافات العقدية والعملية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري". تعرض الكاتب فيها لهذه المرحلة الزمنية وأثبت بما لا يدع مجالا للشك أن محمد علي كان عميلا.
(4) المصدر السابق
(5) وهذا الاحتمال ـ وهو الانسحاب الصوري ـ وارد إذا تغيرت الإدارة الأمريكية من جمهورية إلى ديمقراطية أو إذا زاد الضرب على رأس بوش وجنده.
(6) كما يعرفها الدكتور عابد السفياني.. البيان عدد شوال 1422هـ
(7) دكتور عبد العزيز كامل من مقال "تغير الخطط في مواجهة خطط التغيير"
(8) رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ملحق البيان العدد 200
المصدر: طريق الإسلام
- التصنيف:
د محمد جلال
منذأبو مريم
منذصهيب الجواري
منذعراقية غيورة على الاسلام
منذمحمد
منذاماني عادل
منذ