شعيرة الاحتساب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أما بعد :
فهذه نصيحة موجزة أتقدم بها بين يدي إخواني المسلمين وأخواتي المسلمات ممن تحملوا عبء مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى واهتموا بأمر هذا الدين . وكل مسلم ومسلمة مسؤول أمام الله عما يقع في المجتمع من مخالفات شرعية مما يجب الاحتساب عليه .فقد نجد كثيرا من الرجال والنساء يحرصون على الطاعة وتطبيق السنة في كثير وقليل من العمل إلا أن شعيرة الاحتساب يعتريها نقص وتخلف عظيم عما كان عليه سلف الأمة الصالح .
فقد نجد كثيراً من الرجال والنساء يحرصون على الطاعة وتطبيق السنة في كثير وقليل من العمل إلا أن شعيرة الاحتساب يعتريها نقص كبير وتخلف عظيم عما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح .
ولما كان لهذه الأيام المباركة من هذا الشهر العظيم من إقبال على طاعة الله وانخلاع عن معاصيه أحببت أن أستثير واجب هذه الشعيرة العظيمة في النفوس وهي شعيرة الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ أن هذا الأمر هو القطب الأعظم في الدين والذي ابتعث الله لأجله الأنبياء والمرسلين فلو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد قال الله تعالى { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون } وإنما يحصل مثل هذا باندراس هذه الشعيرة واستيلاء المداهنة على القلوب وذهاب الغيرة على دين الله .
ولهذا جعل الله تعالى القيام بأمر الاحتساب عنوان الإيمان ودليل السعادة والفلاح فقال تعالى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }
ولهذا عدّ الله
تعالى قيام جماعة من المسلمين يهتمون بهذه الشعيرة فرضا من فروض الدين
فقال سبحانه { ولتكن منكم أمة
يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم
المفلحون }
وجعل خيرية هذه الأمة ووسطيتها لكونها تقوم بشعيرة الاحتساب فقال
تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس
تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن أهل الكتاب
لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون }
ولهذا وصف الله تعالى حال رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما
مكنهم في الأرض بأنهم أقاموا شعيرة الاحتساب وقرن ذلك بإقامة الصلاة
وإيتاء الزكاة فقال جلت فدرته وعظم سلطانه { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
}
ولقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم سيد المحتسبين في كل باب من أبواب الاحتساب وربى
أصحابه على ذلك ، ومما صح عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه وضع
قاعدة عظيمة في ترسيخ هذه الشعيرة في النفوس بحيث يبذل كل مسلم القدر
الذي يستطيعه في هذا الباب فقال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع
فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) . وفي
رواية : ( وليس وراء ذلك من
الإيمان حبة خردل)
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم : ( مثل المداهن في
حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم في
أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على
الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه
فقالوا مالك . قال : تأذيتم بي ولابد لي من الماء ، فإن أخذوا على
يديه أنجوه ونجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا
أنفسهم ) رواه البخاري
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يغشى أصحابه حتى في أسواقهم فإذا رأى
ما يوجب الاحتساب لم يتأخر طرفة عين . وقد غشيهم ذات مرة وهم في السوق
يتبايعون فوجد صبرة من طعام فأدخل يده فيها فأصابت بللا فوضعه على
الصبرة وقال ما هذا يا صاحب الصبرة ؟ قال : أصابته السماء قال: (
من غشنا فليس منا ) .
واحتسب على صاحب جمل كان يحمله فوق طاقته ولا يقوم بشأنه فأمره أن
يحسن إليه وأن لا يحمله أكثر مما يطيق.
ورأى على صاحبه عمر حلة سيراء قد أهداها إليه النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم مما أفاء الله عليهم به فلم يجامله ولم يداهنه وقال
: ( هذا لباس من لا خلاق له وأمره
بنزعها فنزعها وكساها لأخ له مشرك) .
وقد قص القرآن الكريم عن أنبيائه ورسله الشيء الكثير من أمور
الاحتساب مما كان سببا رئيسا بينهم وبين أممهم.
وقد احتسب أبو بكر الصديق رضي الله عنه فدافع عن رسول الله وذب عنه
وقال لكفار قريش " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله " ويضرب حتى لا يعرف
وجهه من شدة ما لحق به . واحتسب رضي الله عنه يوم الردة وثبت حتى ثاب
إليه الصحابة وشرح الله صدورهم لحرب المرتدين.
وأما عمر رضي الله عنه فقد ضرب في هذا الباب مثلاً عظيما حتى قال عنه
حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله ما أعرف رجلاً لا
تأخذه في الله لوم لائم إلا عمر ".
ومن المحتسبين عمر بن حبيب حيث ذب عن عرض أبى هريرة رضي الله عنه
وصحح حديثه مع ميل الرشيد إلى قول من قال فيما يرون " وثبت على ذلك
حتى قال الرشيد أجبتني يا عمر بن حبيب أجباك الله .
ومن احتساب سلمة بن دينار المعروف بأبي حازم أنه قال لسليمان بن عبد
الملك لما سأله : مالنا نكره الموت ؟ قال لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم
دنياكم فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب .
وإن من أبرز الآثار العاجلة والآجلة لترك
العمل بشعيرة الاحتساب :-
1. حلول اللعن بالمجتمعات التي تترك هذا الشعيرة قال الله تعالى : {
لعن الذين كفروا على لسان داود وعيسى بن
مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس
ما كانوا يفعلون }
2. حلول الهلاك بكثرة الخبث وإنما يكثر بإهمال شعيرة الاحتساب .وقد
سألت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(
نعم. إذا كثر الخبث ) . متفق
عليه
3. عموم العذاب للعامة إذا عمل المنكر جهارا فلا يخص أحدا بل يستحقون
العقوبة كلهم وإنما تكون النجاة لمن ينهى عن السوء { وإذا قالت أمة منهم لمَ تعظون قوماً الله
مهلكهم أو معذبهم عذابا شديداً قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون .
فلما نسو ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا
بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا
قردة خاسئين } ولهذا قال الله تعالى { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها
مصلحون }.
4. ظهور الاختلاف والعناصر والتشاحن والتصنيف فتكون الأمة فرقاً
وشيعاً كل حزب بما لديهم فرحون، قال تعالى { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من
فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس
بعض } .
وأي مجتمع يقع فيه الاختلاف والتناحر فإنه يكون عرضة للانهيار
والانهزام لعدم وجود الترابط والتوافق بين أفراده، وهذا ظاهر في كل
مجتمع إسلامي أهمل شعيرة الاحتساب أو تهاون فيها .
5. تسلط أعداء الله، بجميع أصنافهم على بلاد المسلمين وخيراتهم والطمع
فيهم كما هو مشاهد الآن .
6. عدم إجابة الدعاء أو تأخره، قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن
المنكر أو ليبعثن الله عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب
لكم) وهذه من أعظم الرزايا .
7. تسلط الفقر على الأمة التي تهمل شعيرة الاحتساب ومن أعظم ما يجب
الاحتساب فيه ما حل بالأمة من التعامل بالربا الصريح وحمايته والتفنين
له فإذا كان أكله والمجاهرة بذلك يؤذن بحرب من الله ورسوله - ومن
يقدر على حرب الله ورسوله ؟!!- فكيف بمن يجعل التعامل بالربا ضرورة
عصرية اقتصادية وقد قصر في هذا الباب الكثير ممن يستطيع أن يقوم بواجب
الاحتساب على مستوى الأفراد والدول والجماعات فمحق الله البركة من
الأرض وسلط عليهم الفقر والذلة والمسكنة .
8. إن ترك الاحتساب والتقصير فيه يورث انتشار الفواحش بسبب اتباع
الشهوات وعدم وجود رادع أو منبه يوقظ الناس من غفلتهم وقد غرق أكثر
أبناء المجتمعات الإسلامية في الملذات والأهواء والشهوات حتى لربما
غدا المعروف منكرا والمنكر معروفاً .
ولقد غدا مجموعة من أهل النفاق في المجتمعات الإسلامية يزينون الفواحش والمنكرات باسم التحرر وحقوق الإنسان ودعوى رفع الظلم عن النساء وكلها دعوى باطله ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وهذا مخطط أعداء الله فإنهم يعجزون عن مواجهة الأمة الإسلامية وجهاً لوجه مهما كان فيها من أسباب الضعف، لكن إذا غرقت الأمة في الشهوات والأهواء والملذات سهل قيادها والتغلب عليها .
ولهذا نجد الحق تبارك
تعالى يبين حقيقة عظيمة يفرق فيها بين المؤمنين والمنافقين في سورة
التوبة فيقول عن المؤمنين : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر } .
ويقول عن أهل النفاق : { والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون
بالمنكر وينهون عن المعروف } .
ولا شك أن أي الفئتين تغلب فإنها تستطيع أن تصبغ المجتمع بصبغتها
وتلونه بلونها .
-
ولهذا نجد أن المتتبع لتاريخ الأمة الإسلامية يجد أنها اعتنت بنظام
الحسبة الذي كان يختار له من أقوى الرجال لأن الحسبة تدخل في جميع صور
الحياة .
- ومما لا شك فيه أن بلاد الحرمين تقوم فيها شعيرة الحسبة وإن كان ذلك
ليس على الوجه المرضي لكن رجال الحسبة يقدمون خدمة جليلة للمجتمع
فهم يحرصون على نشر الفضيلة والقضاء على الرذيلة فيحفظون الأعراض
ويكتشفون أهل السحر والشعوذة والمذاهب الهدامة ويسهمون في القبض على
المجرمين ومهربي المخدرات بل أن أكثر ما اكتشف من الجرائم حتى عبر
الفضائيات وراءه رجال الحسبة على قلة في العدد والعدة مع كثرة من
يحاربهم ويعاديهم ويسعى لتشويه صورتهم أمام العامة والخاصة، لكن حسبهم
الله ونعم الوكيل. { ولينصر الله
من ينصره إن الله لقوي عزيز }.
- ولعل مما
يجدر بالمسلم والمسلمة أن يضع له جدولاً يومياً يقدم فيه القدر
المستطاع من أمر الحسبة ، ومن ذلك أن يحتسب على محاسبة نفسه من حيث
أعمال الطاعة لله تعالى ومن حيث تقصيره في عمله الموكل إليه لرفع
الصوت بالذكر ليهرب الشياطين ونصح المسلمات بالحجاب الشرعي بكل أدب
.
ومن الاحتساب على من يرفع أصوات الغناء في السيارات أو المحال
التجارية مثلاً تقديم النصح مع هدية كشريط أو كتيب أو مطبوعة كبديل
مما هو فيه فكم لذلك من الأثر .
ومن الاحتساب الكتابة سواء في الصحف أو المجلات أو عبر شبكات الإنترنت
بتقديم النصح تارة والتنبيه على المخاطر المحدقة بالأمة تارة والرد
على أهل الشر والنفاق والزندقة تارة وهذا هو جهاد الخاصة من الناس وهم
قلة في العالم، وأنها لفرصة أن نبدأ وقد تأخرنا للقيام بهذه الشعيرة
العظيمة شعيرة الحسبة والاحتساب كل بحسب استطاعته.
أماكن جاهرت بالمنكرات وينبغي
أن يركز على الاهتمام بإظهار هذه الشعيرة العظيمة فيها
:-
1. القنوات الفضائية وشاشات التلفاز ويركز على اعتبارها حرباً
للإسلام والمسلمين على مدار الساعة والسعي الحثيث على البديل الذي
يملأ فراغ الناس .
2. الاحتساب على مقاهي الإنترنت فإنه يحدث فيها منكرات عظيمة حيث
يؤمها الكثير من الشباب المراهقين وهناك طرق متعددة لكسر الحواجز حتى
يتوصل إلى الفضائيات بين الشباب والشابات، كما أن هناك تجارة لما
يستنسخ من الشبكات عبر الدسكات وفيها من السقوط الأخلاقي ما الله به
عليم.
3. الاحتساب على منكرات الأسواق وما يحدث فيها من الاختلاط والمعاكسات
وتشبه النساء بالرجال في الملبس وكذلك العكس وهي ظاهرة بدأت تغزو
الأسواق كما ظاهرة كشف وجوه النساء في الأسواق والسيارات أصبحت ظاهرة
تزداد كل يوم وجبن كثير من الناس عن الاحتساب على هذه الظاهرة.
4. الاحتساب على منكرات الأفراح بتجنيد أكبر قدر ممكن من النساء
الصالحات للدخول إلى هذه الأماكن والقيام بشعيرة الاحتساب على من يلبس
العريان أو يتشبه بالكفار أو يحضر المغنيات الماجنات .
كما ينبغي الاحتساب على مالكي قصور الأفراح بأن يضعوا شروطاً وضوابط
تشتمل على وجوب احترام شعائر الدين وتحذر الناس من الوقوع في تلك
المنكرات ومنها التأخر في الليل الذي أصبح كأنه عادة للناس .
5. الاحتساب على ما يحدث من اختلاط في الحدائق والمطاعم العامة
والاستراحات بدعوى أنها للعوائل وكأن العوائل أسرة واحدة .
6. الاحتساب بالتنبيه على خطر مخالطة الكفار وأهل العقائد الباطلة فإن
كثرة الإمساس يبطل الإحساس ويضعف عقيدة الولاء والبراء .
7. الاحتساب على ظاهرة جديدة انتشرت بين الشباب وهي تجمعهم ليالي
العطل ولبس نوع مخصص من اللباس والاشتراك في رقص جماعي وهي امتداد
لحركة عباد الشياطين .
8. الاحتساب بالدخول إلى الأماكن التي يمارس فيها بعض البدع كبدعة
المولد وبيان ما يقعون فيه من شركيات وتوسل غير مشروع وعقائد وأدعية
غير مشروعة .
- وان مما يجب كسر حاجز الخوف والقيام بشعيرة الاحتساب رجاء ما عند
الله ، كما يجب اعتقاد أن الرزق بيد الله تعالى فلا يجوز ترك هذه
الشعيرة خوف انقطاع الرزق .
هذا وأخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين.
كتبه الفقير إلى الله تعالى
علي بن سعيد الحجاج الغامدي
علي بن سعيد الحجاج الغامدي
أستاذ دكتور في الفقة في جامعة الإمام محمد بن سعود سابقا سابقاً والمدرس في المسجد النبوي
- التصنيف:
عبدالله البهلال
منذأبوعبد الله المصرى
منذأبومزيد
منذإبراهيم شوقى
منذ