أخشى على مسلمي بورما من مصير الأندلس
حتى الآن لا يوجد مسلم في أي منصب إداري في الدولة، حتى في محافظة "أراكان" المسلمة لا يوجد بين موظفيها من رئاسة المحافظة إلى البوّاب مسلم واحد! كلهم بوذيون منذ السبعينيات، فقد تمَّت تصفية المسلمين من قِبل الساسة البوذيين إلى أبعد ما يمكن؛ بهدف إقصاء المسلمين من المناصب السياسية في بورما.
خليل الأركاني: أخشى على مسلمي بورما من مصير الأندلس
جمهورية اتحاد ميانمار أو بورما هي إحدى دول جنوب شرق آسيا، نالت استقلالها عام 1948م من الاحتلال الإنجليزي، وهي عبارة عن 14 ولاية، وبها عددٌ من الديانات حسب أعداد أتباعها (البوذية، الإسلامية، النصرانية، الهندوسية). يبلغ عدد المسلمين في ميانمار 12 مليون نسمة، بنسبة حوالي 20% من عدد السكان، والإسلام هو ثاني أكبر كثافة عددية في الدولة بعد "البوذية"، ويتركز أغلب المسلمين في منطقة إقليم أراكان.
يقوم الاقتصاد "البورمي" على الزراعة فهي النشاط الأول للسكان، ثم الصيد والتجارة، وتتميز دولة "ميانمار" بكثرة الموارد الطبيعية من الغابات، فضلاً عن صلاحية أرضها للزراعة، إلى جانب البترول الذي اكتشف مؤخرًا في أعماق أرض "ميانمار" ليكون مصدرًا كبيرًا للدخل؛ حيث تمد به 4 دول هي: الهند، بنغلاديش، الصين، تايلاند.
خليل علي الأركاني، الباحث الشرعي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحد مسلمي إقليم أراكان بجمهورية ميانمار، يقيم بالقاهرة لإتمام دراساته العليا في العلوم الشرعية بجامعة الأزهر.
وهذا حوار مع خليل الأركاني للوقوف على آخر تطورات الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب المسلم في ميانمار، ومطالب هذا الشعب المحاصر، فإلى نص الحوار..
- ما نظام الحكم في بورما في ظلِّ هذه العرقيات والديانات المتعددة؟
"البوذيون" يحكمون البلاد منذ رحيل الإنجليز وتحرر ميانمار من الاحتلال؛ وذلك بسبب أمور كونهم أقرب الفصائل إلى الإنجليز، كما أنهم كانوا يشاركون الإنجليز مجازرهم ضد المسلمين خلال فترة الاحتلال، وما زالت معالمها موجودة حتى الآن من مبانٍ مدمرة ووسائل التعذيب والقمع التي كانوا يستخدمونها.
وهناك مناطق في أراكان مشهورة بالمذابح التي تمَّت فيها، كما أن الفترة من عام (1938م - 1948م) تُعرف بـ "قتال الماج للمسلمين"، والماج هي القومية البوذية، فلما تركوا السلطة أخذها البوذيون؛ لأن الإنجليز كانوا يحكمون البلاد عن طريق عملائهم من البوذيين، ومنذ ذلك الحين والبوذيون يحتكرون السلطة وزمام الدولة كلها في أيديهم، فمنهم قادة الجيش والساسة المتحكمون في الدولة.
وحتى الآن لا يوجد مسلم في أي منصب إداري في الدولة، حتى في محافظة "أراكان" المسلمة لا يوجد بين موظفيها من رئاسة المحافظة إلى البوّاب مسلم واحد! كلهم بوذيون منذ السبعينيات، فقد تمَّت تصفية المسلمين من قِبل الساسة البوذيين إلى أبعد ما يمكن؛ بهدف إقصاء المسلمين من المناصب السياسية في بورما.
- أليس هناك دستور يحكم العلاقات بين الفصائل المكونة للشعب الميانماري؟
الدستور القائم وضعه الإنجليز، إلا بعض التعديلات البسيطة عليه، وينصُّ على أن البوذية هي الديانة الرسمية للدولة، لكنه يعترف بوجود الديانة الإسلامية والنصرانية والهندوسية، هذا فضلاً عن أنه ينصُّ على أن اللغتين "الإنجليزية والبورمية" هما لغة الدولة الرسمية، لكن لكل قبيلة لغتها، وبالرغم من أن الدستور البورمي يتضمن بعض النصوص المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية إلاّ أنه لا يعدو أن يكون كتابًا على أرفف المكتبات.
بعد الاستقلال حاولوا أن يُظهروا أن هناك ديمقراطية، فشاركوا المسلمين في ثلاث وزارات، وتمَّ تعيين مستشار مسلم من إقليم أراكان كمستشارٍ للرئيس، وأطلقوا بعض الأسماء الإسلامية على بعض المناطق المعروفة؛ حيث كان هناك شارع في العاصمة يُطلق عليه اسم "محمد بن عبد الله".
ولكن في الحقيقة كل هذه الإجراءات كانت شكليةً لتجميل صورتهم أمام العالم، وكان التربُّص بالمسلمين قائمًا، فضلاً عن أنهم كانوا محتفظين بكل الملفات حتى يتحسن لهم الوضع وبعدها يمارسون تصفيةً للمسلمين، فالعنصرية ظلَّت موجودةً بعد الاحتلال، لكن مظاهر العنف لم تظهر إلا في عام 1970م، وأصبحت الدكتاتورية هي الحاكم الوحيد الآن لمسلمي بورما.
- ذكرتَ قبل بدء الحوار أن هناك تقسيمات وتفرقة بين المواطنين في بورما.. كيف ذلك؟
في السبعينيات من القرن الماضي تمَّ تقسيم المواطنين في بورما إلى أقسام من خلال البطاقات الشخصية التي وُزعت على المواطنين، الأولى هي البطاقة "الحمراء" ويقولون إنهم هم السكان الأصليون، ولهم كل الحقوق وتُمنح لـ "البوذيين" فقط.
أما القسم الثاني فهم يحملون بطاقات "خضراء"، ويحملها جزءٌ قليلٌ من المسلمين، وهي تعني أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
والنوع الثالث من البطاقات لمواطني الدرجة الثالثة "خضراء" أيضًا، تُمنح لمنَ لهم أصول غير بورمية، فيكون مكتوبًا عليها أصل جنسه بمعنى "أصله هندي، أصله باكستاني، أصله عربي".
أما القسم الرابع من تقسيمات الحكومة البورمية للمواطنين هم مجموعة من المواطنين يحملون بطاقات هوية "بيضاء" اللون، وهي التي أحملها أنا وغالبية الشعب المسلم في بورما، وتعني أننا مواطنون من الدرجة الرابعة.
- حدّثنا بشيء أكثر تفصيلاً عن الوضع العام للمسلمين في ميانمار؟
المسلمون في بورما كما ذكرتُ هم من التصنيفات الأقل من الدرجة الثانية إلى الرابعة، وجميعهم ليس لهم أي حقوق على الدولة، فليس لهم حق الالتحاق بكليات القمة مثل كليات (الطب، الهندسة، الحقوق، البترول، العلاقات العامة والسياسة)، حتى وإن كانت درجاته العلمية تساعده للوصول إليها، لا يدخلها لكونه فقط مسلمًا.
كما أن المسلمين ليس لهم حق العلاج في المستشفيات الحكومية، وإنما يعالجون مرضاهم على نفقاتهم الخاصة، فلا يوجد سوى من "100 إلى 200" طبيب مسلم من (12 مليون مسلم) على مستوى بورما.
ولا يستطيع أحد من الدرجة الثانية حتى الرابعة أن يفتح مكتبة تصوير، وإذا أحبَّ ذلك فعليه أن يأتي بكفيلٍ أو ضامن ممن يسمونهم المواطنين الأصليين.
- منذ متى ومسلمو أراكان يعيشون تحت وطأة هذه الممارسات العنصرية؟
الممارسات العنصرية ضد المسلمين قائمة من أيام الاحتلال الإنجليزي منذ عام 1938م، وظلَّ مستمرًّا حتى بعد الاستقلال من قِبل القومية البوذية، والتي تُمارِس العنصرية ضد كل الفصائل الأخرى في بورما، فهناك إقليم "أراكان" المسلم، وكذلك "شين" أصول بوذية لكنهم تنصّروا، وارتُكِبت ضدهم مجازر، لكنها لا تُقارن بما حدَث لمسلمي أراكان.
- وما أسباب هذا العنف المفرط من البوذيين تجاه المسلمين في بورما بالذات؟
البوذيون لا يقومون بذلك إلا خوفًا من انتشار الإسلام؛ لذلك فهم يمنعون المسلمين من التجمُّع، ومنعوا الدعاة وأغلقوا المساجد الكبيرة، ومنعوا تحرُّكات المسلمين من قرية إلى قرية أكثر من 24 ساعة، وإذا أراد أن يمكث أكثر من ذلك يجب أن يأخذ تصريحًا من سلطة الحي، وإلاّ توقع عليه عقوبة السجن!!
- وماذا عن النشاط الحزبي والسياسي في ميانمار، هل للمسلمين الحق في العمل الحزبي؟
المسلمون في ميانمار ليس لهم حق العمل السياسي أو حق تشكيل حزب سياسي، ولكن في عام 1991م المسلمون توقّعوا أن تأتي المنافع ويحصلوا على حقوقهم إذا وصل الحزب الوطني الديمقراطي المعارض بالرغم من أنه بوذي أيضًا، فذهبوا وأدلوا بأصواتهم في الانتخابات لصالحه، حتى فازت مرشحة الحزب "أون سان سو تشي"، بالرغم من أن عدد مَن له حق التصويت من المسلمين قليل جدًّا، لكن الجيش رفض تسليم السلطة وبقي الحكم العسكري كما هو، بل اعتقل رئيسة الحزب وقياداته والطلاب المؤيدين له، ولقي المسلمون ألوانَ العذاب؛ لكونهم مَنحوا الحزب المعارض أصواتهم.
- هل يوجد مسلمون مجندون بالجيش البورمي؟
الجيش البورمي لا يوجد فيه مسلم واحد من الجندي العادي إلى أعلى الرتب فيه، والتجنيد يكون إجباريًّا للبوذيين، أما المسلمون فلا يحق لهم الالتحاق بالجيش أو الشرطة.
- وماذا عن الوضع الحالي للمسلمين في ميانمار؟
المسلمون في أراكان يعيشون في سجن كبير تحت ضغط الحكومة البوذية، فلا تعليم ولا اقتصاد ولا سياسة ولا صحة، وليس لهم أدنى حقوق المواطنة.. فكل هذه الأمور منعدمة بالنسبة لهم.
وفي عام 2011م دعَّم المسلمون حزب المرأة أون سان سو تشي (الحزب الوطني الديمقراطي)، الذي حصل على 3 مقاعد في أراكان من أصل "35 مقعدًا بالبرلمان"، مع أن الأكثرية في أراكان مسلمة، لكنهم ليس لهم حق الممارسة السياسية، وبدؤوا يطالبون بحقوق المواطنة من خلال البرلمان، وفي الفترة الأخيرة للبرلمان البورمي وُعد بمنح البطاقات لكل مسلمي بورما، فاستاء البوذيون الموجودون في أراكان من ذلك؛ لكون المسلمون سيتساوون معهم في نفس الدرجة، فدبروا أمرًا لعرقلة هذه الأمور، وقاموا بارتكاب المجزرة ضد علماء المسلمين البورميين القادمين من "غانجون" إلى "أراكان"، تحت مسميات الدفاع عن الشرف، ولفّقوا لبعض شباب المسلمين تهمة الاعتداء على امرأة بوذية واغتصابها، وهذا كله لم يحدث.
حاول المسلمون تنظيم احتجاجات اعتراضًا على هذا الأمر، فاستغلت الحكومة هذا الأمر، وأتى البوذيون بكل ألوان الأسلحة واستعانوا بالجيش والشرطة، واعتدوا على قرى المسلمين، وبدءوا في إبادتها، فهناك مناطق حُرِّقت ومناطق أُبيدت، وهناك مسلمون حرقوا في بيوتهم، ومنهم مَن هُجِّر إلى المخيمات في بنجلاديش وغيرها.
- المجازر الحالية تحدث في كل أراكان أم في مناطق معينة؟
المجازر التي تحدث ضد المسلمين قائمة في معظم مدن أراكان، فمثلاً تمَّت إبادة مدينة "راسيدن" كاملةً، وقُتل كل المسلمين بها، ولا يوجد بها طفل مسلم واحد الآن، أما "أكياب وماندو" فحدَثت بها مجازر كبيرة وحُرِّقت البيوت.
أما "بوسيدن" فهي أقل الأماكن في حدوث المجازر، ولكنهم يعتقلون الشباب ويحظرون التجوال فقط، أما "ضواحي بوسيدن" فتعتبر آمنة إلى حدٍّ ما، كما أن المهجَّرين أقاموا مخيماتهم في "ماندو وأكياب"، وهم في أمسّ الحاجة في هذه الأيام للمعونات، خاصةً في شهر رمضان.
أقاربي الآن يعيشون الآن في المخيمات ويعيشون على المساعدات والمعونات الأهلية من المسلمين هناك، فيتم جمع الأموال والمساعدات عن طريق المساجد، لكنها لا تكفي، لكنهم صابرون ومحتسبون عند الله.
- هناك ادّعاءات من السلطات البورمية بأن هناك جماعات مسلحة في أراكان، ما حقيقة ذلك؟
المسلمون في أراكان مسالمون ويتميزون بترابطهم الأسري، ولا يمكن أن يعتدي واحدٌ منهم على الآخر في العِرض أو المال أو النفس، ولا حتى بالشتائم، ومتمسكون بخُلق دينهم وبأحكام دينهم وسُنّة نبيهم، ولم نسمع عن تفشي فساد الخُلق أو المنكرات، ولا يوجد حتى تعامل ربويّ بها، ومن يخرج عن هذه الأحكام والعادات يُنبذ ولا يجد مَن يُزوِّجه.
- وإلى متى سيظل وضع المسلمين في بورما على هذا الوضع المأساوي؟
الوضع سيظل هكذا إذا ظلَّ الإعلام متكتمًا، والأمم المتحدة صامتة، والجهات الحقوقية لا تتكلم عن الحقوق الإنسانية وتهتم فقط بالبهائم، والحكّام المسلمون لا يهتمون بإخوانهم المسلمين في بورما.
- هناك اجتماع قريبًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ماذا تنتظر منهم؟
منظمة المؤتمر الإسلامي وبعض المنظمات الأهلية في باكستان وتركيا، وبعض النواب بالكويت، وكل مَن تكلَّم عنَا وأثار قضيتنا جزاه الله خيرًا.
ولكننا نريد ضغطًا على الحكومة البوذية، ويجب على حكّام المسلمين أن يضغطوا على سفراء بورما بدولهم، ويضغطون على الأمم المتحدة أيضًا؛ لأن هذه الأزمة ستؤدي إلى أزمات أخرى أشد، ويتعرَّض المسلمون لإبادة أكثر، وأخشى أن يحدث وتتكرّر تجربة الأندلس مرةً أخرى في أراكان.
- وما الذي يطلبه الشعب الميانماري من مصر؟
الأجندة التي ترتكز عليها جماعة الإخوان المسلمين، التي خرج منها الرئيس مرسي تقضي بأن يحافظوا على الإسلام والمسلمين؛ لذلك فنحن نطالب الرئيس مرسي حفظه الله أن يحمل على عاتقه رسالة يؤديها أمام الله عزَّ وجلَّ؛ للضغط بها على حكومة البوذيين والضغط على الأمم المتحدة، ويمارس الضغط على السفير البورمي في مصر، وكل الدول العربية والإسلامية أيضًا حتى ولو وصل الأمر إلى طرد السفراء من البلدان العربية والإسلامية، فسيكون له أبلغ الأثر.
وأدعو الشعب المصري الحُرّ الذين أحبوا الحرية لأنفسهم أن يساعدوا إخوانهم في بورما؛ للحصول على الحرية أيضًا، وأن ينظموا احتجاجات أمام السفارات البورمية في كل الدول العربية والإسلامية.
عبد الله القزمازي