ولكنكم تستعجلون

منذ 2014-04-22

من المفيد أن يبقى لدينا من الوقت لنتأمل في أحداث الحياة من حولنا .. ومن المفترض أن تكون فقرة التأمل تلك يوميًا، لأنها تعتبر زر "توقف" لكل ما يمر من حولنا، لكل الصخب والحركة، لكي نعيد قراءة ترتيب الأوراق مرة أخرى، وإعادة إيقاع حياتنا كما نريد لها أن تكون، لا كما يملى علينا من هذه الأجواء التي تجعلنا فقط نلهث وراء شيء ما لا نعرف كهنه! ويمر العمر ونكتشف كم أصبحنا بعيدين عما أردنا لحياتنا أن تكون!

من المفيد أن يبقى لدينا من الوقت لنتأمل في أحداث الحياة من حولنا .. ومن المفترض أن تكون فقرة التأمل تلك يوميًا، لأنها تعتبر زر "توقف"  لكل ما يمر من حولنا، لكل الصخب والحركة، لكي نعيد قراءة  ترتيب الأوراق مرة أخرى، وإعادة إيقاع حياتنا كما نريد لها أن تكون، لا كما يملى علينا من هذه الأجواء التي تجعلنا فقط نلهث وراء شيء ما لا نعرف كهنه! ويمر العمر ونكتشف كم أصبحنا بعيدين عما أردنا لحياتنا أن تكون!

نعود للموضوع .. أصبحنا نعيش في زمن من أبجديات حديثه السرعة والاستعجال في كل شيء!! في الحصول على الثمر، باختلاف مدلوله؛ من معلومات .. إنجازات .. نجاح .. مال .. تخرج .. حتى الطعام! نستعجل دائما كل شيء، "محدش صابر"!! عندما نتحدث عن خطط طويلة الأجل، ينظر لها كأنها درب من الخيال لكي تتحقق حتي لو كان الطول لمدة 6 أشهر! "مين إللي هيصبر 6 شهور عشان يشوف حاجة!"

خرجت علينا بعد ذلك مسميات كثير علي هذا الجيل .. "جيل السرعة" "جيل الديليفري" "جيل مش صابر على أي حاجة" "عايز كل حاجة على الجاهز".

وبعد بعض التأمل .. هذا ليس وصف لجيلنا نحن فقط! ولكنه وصف ينطبق على "الإنسان" نفسه في كل عصر!! ولكن ما يحدث الفارق الذي يترك هذا الانطباع العام، هو نسبة التسارع بين جيل وأخر!! ولكن كل الأجيال تنطبق عليها هذا الوصف! فهذه طبيعة للإنسان!!

{وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً[الإسراء: 11]، تلك طبيعة بشرية، ممدوحة في بعض الأحيان ولكن مذمومة في أحيان أخرى، تمدح حينما يكون الإطار الذي نقيس به يحث على ذلك، وتذم عندما يكون الاستعجال وعدم الصبر لا يفضي إلي خير!

لنوضح قليلا .. متى مدحت هذا الصفة؟
في كل عمل خير للآخرة، المسارعة في عمل الخير، وليس فقط عمله، لأن السبق والمسارعة هنا لها أجر، في صفوف صلاة الجماعة الأولى، العمل الذي لا يتعدى والعمل الذي يتعدى خيره لغيرك، حيثما وجد لديك فرصة لعمل شيء، فالمسارعة فيه أمر محمود.

{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[طه: 84]
{​أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].
لذلك "المبادرة" في الخير، شيء يجب علينا تعلمه، أن تكون مبادرًا في خير، باختلاف مدلول هذا الخير من نفع، صفة من صفات من يريد أن يكون شخصًا فعالًا في مجتمعه. ولنا في الصحابة رسول الله أسوة حسن في ذلك، كانوا يبادرون في الخير، ويدفع كل واحد للأخر أمور الدنيا.
والمبادرة في الخير بجانب ثواب السبق وثواب الخير نفسه، هناك ثواب السنة الحسنة التي تتكاثر في ميزان حسناتك كلما انتفع بها أحد! أو قام بمثلها أحد! وهذا الجانب من الجوانب المهمة في الإسلام.

متي تذم هذه الصفة؟
تذم هذه الصفة في استعجال الثمر! في استعجال نتائج التغيير.
لماذا؟! لأسباب عديدة..
أولًا: لأن الاستعجال يؤدي إلى الاستسلام الخاطئ!!
الاستعداد: الاستتسلام الخاطئ هنا: من الاستعجال، لا تلتفت إلى الاستعداد الصحيح!! لا تعد لما تريده جيدًا! وهذا يظهر بعنف في استعجال النصر والتمكين!! نريد أن يعجل لنا بفتح الأقصى .. وندعو وندعو .. ولكن ماذا فعلنا لنستعد حقًا؟
وهنا يأتي الدرس الرباني المهم {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].
التغيير لا يأتي بالتمني!! ولا يأتي بالاستعجال!! ولكن يأتي بتغيير النفوس والاستعداد في شتى الاتجاهات قبل أن تقول حال المرور لا يسر! التفت أولا إلى أفعالك!! كم مرة خالفت الطريق وإن لم تكن خالفت هل نصحت من يخالف من حولك؟!
فالإسلام وضع لنا الطريق، لا تقوم الدنيا بـ "أنا " ولكن "نحن"!! لا يكفي أن تتغير فقط، ولكن أن تغيير وتدعوا من حولك!! فالدعوة فرض عين وليس كفاية!

اليأس: عندما نستعجل ولا نعد، ولا تأتي النتائج كما نريد، يظهر اليأس والشك، وتظهر الكلمة الشهيرة "مفيش فايدة!" ويتحول المجتمع من "الإنتاج" إلي " اليأس".

الاستسلام لله و التوكل عليه: هنا وقفة مهمة، ما علاقة الاستسلام لله والتوكل عليه بالاستعجال وعدم الصبر؟
استوقفني حديث في السيرة النبوية، جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت قال: قلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال: «إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه. ثم قال: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون».

هذا الحديث، في مكة .. حيث وصل بالمؤمنين حينئذ أشد المعاناة والتعذيب!!، فكان رد الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولكنكم قوم تستعجلون!!».
لذلك كان فضل المهاجرين وأهل مكة من الصحابة مختلف تماما، تربى هذا الجيل من الصحابة تربية جعلت منهم هؤلاء النجوم الذين بهم نهتدي! هم من اصطفاهم الله لحمل الرسالة وإبلاغها لكل الأرض!

هؤلاء .. فهموا معنى الاستسلام لله .. المعني الحقيقي للعبودية..
أن تصبر .. ولا تستعجل النصر ..
أن تصبر .. وأن يكون قلبك موقن بنصر لله ..
أن تصبر .. وأن تسلم أمرك كله لله ..

القراءة في السيرة .. مهم لكي نفهم كيف كان هؤلاء .. وكيف أصبحنا نحن !! كيف هم امتلكوا كل أسباب القوة الداخلية والخارجية .. وفقدنها نحن!
كيف نصح مثلهم .. وكيف نعود .. أين الطريق وكيف نسلكه!

ثانيًا: لأن الاستعجال .. عكس النموس الكوني للأمور!!
ولنا في الزراعة مثال، هل لو استعجلنا في الزرع، وأغرقنا الحقول بالمياة والمواد التي تستخدم في جميع مراحل الزراعة مرة واحدة، سينتج عن ذلك ظهور الزرع قبل وقته؟ أم أن هذا سيؤدي إلي موت الزرع!!
الدواء .. هل لو قمت بأخذ كل الجرعات المقررة في أسبوع في يوم واحد، سيؤدي ذلك لاختفاء المرض؟ أم سيعاني الجسم من أثار التسمم؟ أو يتخلص الجسم منه ولا يستفيد غير من كمية محددة!!
لذلك "التوقيت" مهم ..ولا يمكنا العبث فيه .. فعلينا بالصبر! وبشر الصابرين! وكما أوضحنا الصبر يعني الاستسلام لله.

تغيير النفوس والقلوب: كثيرًا منا يقع في هذا المشكلة، عندما يريد تغيير شيء في نفسه، أو إضافة شيء جديد في حياته، أو مع الآخرين ويظهر ذلك في التربية في الأسرة والمدرسة وأيضًا في الإدارة حينما يستعجل المدير النتائج والتغيير من الموظفين.
القلوب لا تتغيير في لمح البصر، ولا نستطيع أن نكتسب عادة جديدة لمجرد وجود رغبة فقط لذلك! العادات تكتسب بالصبر عليها والعمل في المحافظة علي أدائها! قال أحد العلماء، أن عليك تكرار الفعل 21 مرة لكي تتحول إلى عادة لديك!
تغيير شيء .. يحتاج إلي جهد أكبر لأنك تريد شيء تعود عليه الناس وألفوه! حتي لو اقتنعوا بما تقول، الاقتناع شيء والفعل شيء آخر!

ثالثًا: سوء الحكم علي الأشياء! كثيرًا ما نحكم على الأشخاص والأشياء من الانطباع الأول! أو من جزء من الكلام بدون البحث فيه!
هذا يظهر كثيرًا في تعاملاتنا اليومية!
كم مرة حكمنا علي شخص أنه أخطأ بدون أن نسمع من الأطراف المختلفة!
كم مرة قاطعنا آخرين أثناء حديثهم لكي نثبت شيء! وإن كنا تركناه يتحدث كان الحديث سيصل لنفس النتيجة، بدون اختلاق مشكلة لا وجود لها؟!
كم مرة سمعنا شيء ولم نتثبت منه؟ ونشرناه؟ وساعدنا في نشر "إشاعات"! عن أحداث وأشخاص!
لذلك كان هذا القانون الرباني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[الحجرات: 6].

فتبينوا .. كلمة شملت المعنى فأوفت!! ما نفعله نحن .. هو أن نسرع في الحكم .. ونصبح نادمين!! لأن هذا الحكم يفضي إلي مظلمة وضياع حقوق ومشاكل كثيرة!
أن نتعلم أن نسمع ونبحث أولاً لنفهم قبل الحكم!
وحاولوا تطبيق هذا في ما نراه من مهاترات في الإعلام وعلي الدستور!!

ختامًا ..
التأمل والصبر ..
المبادرة والعمل ..
الاستعداد واليقين ..
الاستسلام لله .. والتوكل عليه ..
السيرة النبوية وحياة الصحابة ..

سارة خليفة

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

  • 4
  • 0
  • 10,957
  • هبه عاشور

      منذ
    اللهم بارك رائع جدا...الله ينفعنا به

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً