أقسام الفِرَاسة
ومنها الفراسة الإيمانية والخلقية وفراسة الرياضة
قسمها ابن القيم إلى ثلاثة أقسام:
إيمانية: وسببها: نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحق والباطل، والحالي والعاطل، والصادق والكاذب.
وحقيقتها: أنها خاطر يهجم على القلب، ينفي ما يضادُّه. يَثِب على القلب كوُثُوب الأسد على الفريسة...
وهذه الفِرَاسَة على حسب قوة الإيمان. فمن كان أقوى إيمانًا، فهو أحدُّ فِرَاسة... وأصل هذا النوع من الفِرَاسة: من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ. قال الله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [الأنعام من الآية:122] كان ميِّتًا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم. وجعل له -بالقرآن والإيمان- نورًا يستضيء به في النَّاس على قَصْد السَّبيل. ويمشي به في الظُّلَم.
- فِرَاسة الرياضة والجوع، والسهر والتخلي؛ فإن النفس إذا تجرَّدت عن العوائق، صار لها من الفِرَاسة والكشف بحسب تجرُّدها. وهذه فِرَاسة مشتركة بين المؤمن والكافر. ولا تدل على إيمان ولا على ولاية. وكثير من الجهَّال يغترُّ بها. وللرهبان فيها وقائع معلومة. وهي فِرَاسة لا تكشف عن حق نافع. ولا عن طريق مستقيم. بل كشفها جزئي من جنس فِرَاسة الولاة، وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم.
وللأطباء فِرَاسة معروفة من حِذْقهم في صناعتهم. ومن أحب الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم. وقريب من نصف الطب فِرَاسة صادقة، يقترن بها تجربة. والله سبحانه أعلم.
- الفِرَاسَة الخَلْقية: وهي التي صنَّف فيها الأطباء وغيرهم. واستدلوا بالخَلْق على الخُلُق؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله. كالاستدلال بصِغر الرأس -الخارج عن العادة- على صِغَر العقل. وبكبره، وبسعة الصدر، وبُعْد ما بين جانبيه: على سعة خُلُق صاحبه، واحتماله وبسطته. وبضيقه على ضيقه. وبخمود العين وكَلَال نظرها على بَلَادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه. وبشدة بياضها مع إِشْرَابه بحُمْرة -وهو الشكل- على شجاعته وإقدامه وفطنته. وبتدويرها مع حُمْرتها وكثرة تقلُّبها، على خيانته ومكره وخداعه.
ومعظم تعلُّق الفِرَاسة بالعين. فإنها مرآة القلب، وعنوان ما فيه. ثم باللسان. فإنه رسوله وترجمانه... وأصل هذه الفِرَاسة: أن اعتدال الخِلْقة والصورة، هو من اعتدال الِمَزاج والروح. وعن اعتدالها يكون اعتدال الأخلاق والأفعال، وبحسب انحراف الخِلْقة والصورة عن الاعتدال، يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال (انظر: (مدارج السالكين) لابن القيم [2/453-457]، بتصرف يسير).
- التصنيف:
- المصدر: