إنه لشرف لك يا أماه أن يبغضك هؤلاء
العداء بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والإيمان والكفر؛ عداء أبدي سرمدي، وكذا العداء بين رموز الإيمان وطواغيت الشرك والكفر. فإذا رأيت طاغوتًا يقدح في مؤمن فاعلم أنها من سنن الله المستمرة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
أما بعد:
فقد قال ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز لحبيبه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، نعم لن يقبلوا من النبي شيئًا حتى يتبع ملتهم، ولم يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ملتهم فهل ضره ذلك شيئًا؟ أبدًا، بل هو شرف للنبي ودليل باهر على صدقه أن يعاديه هؤلاء؛ لأنهم اعتاد منهم الناس أن يعادوا الحق وأهله.
فالعداء بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والإيمان والكفر، بل والنور والظلام اللذين يؤمن بهما المجوس عداء أبدي سرمدي، قال سبحانه وتعالى للمؤمنين منبهًا ومحذرًا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ} [فاطر:6]، وقد قيل للإمام لسفيان الثوري: "إن فلانًا يحبه جميع الناس!" فقال: "إنه ينافقهم جميعًا ليرضيهم".
وإن ما تفوه به سيئ الذِّكر ياسر الحبيب عن أم المؤمنين فقط عائشة رضي الله عنها؛ ليؤكد هذه القضية، ويزيدني تمسكًا بها، بل وأفرح كثيرًا عندما أجد الزنادقة والفجار يبغضونني، كما أفرح بحب المؤمنين والصالحين لي، إذ كيف يحب الكفرُ الإيمانَ؟! وكيف يحب الفجور التقوى؟! فأم المؤمنين هي رمز التقوى وعنوانه، وياسر هو رمز الكفر، وهيهات أن يلتقيا.
ولقد بال أعرابي قديمًا في بئر زمزم، فقيل له: قبحك الله! ماذا فعلت؟ فقال: أردت أن يسطر التاريخ اسمي!!
فهنيئًا لياسر! فلقد سطَّر التاريخ اسمه، ومن باب واسع كثر فيه عليه اللعن والسب والدعاء عليه بما يسوؤه، لقد دخل من باب لا يدخل منه عادة إلا الصراصير.
وقد يتساءل بعضهم: لماذا ترك ياسر فرعون وهامان وقارون والنمروذ وأبا جهل وأبا لهب وغيرهم من الكفرة، وتصدى للكلام والطعن في عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟
والجواب عن هذا السؤال قديم من مئات السنين، أجاب عليه أبو زرعة الرازي رحمه الله، فقال: "إذا رأيت الرجل يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاعلم أنه زنديق! وذلك أن الكتاب عندنا حق، والسنن عندنا حق، وإنما نقل لنا الكتاب والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنن، والجرح بهم أَوْلَى وهم زنادقة".
رحمك الله يا أبا زرعة، لقد وضعت يدك على الجرح وداويته وأرحتنا من التفكير في حال من يطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن ياسرًا وأصحابه وأحبابه ضاقوا ذرعًا بعفة وطهارة أم المؤمنين عائشة، وبمحبة المؤمنين لها،وكذا ضاقوا ذرعًا بحفظ أهل السنة لكتاب الله وسنة رسوله، وبها تسموا بخلاف ياسر وأصحابه وأحبابه وشيوخه وملاليه، فصاروا يطعنون بنقلة الكتاب والسنة من أمثال أمنا أم المؤمنين عائشة الطاهرة، وأنا لا أشك أبدًا في أن المقصود من سبهم وطعنهم هو رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، ولكنهم لا يجرؤون أن يصرحوا بهذا، فامتطوا مطية عِرْضه، وبئست المطية، وكذا لا أشك أبدًا في كفر ياسر وأمثاله وحقدهم على الإسلام وأهله، بل وحسدهم لأهل السنة؛ لأنهم حملة لواء الإسلام وأهله، قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ} [النساء:89].
هذا ما أظهره ياسر مع عدم التمكين، وأنا على يقين أن ما يخفي صدره أعظم على الإسلام وأهله، وأقول له ولأمثاله كما قال سبحانه وتعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ} [آل عمران:119].
فقد قال ربنا تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33].
نعم ولو كره الكافرون من أمثال ياسر ومَن على شاكلته، وسيبقى هذا الدين شامخًا، وستبقى أم المؤمنين أمًّا لنا معزَّزة مكرَّمة، وأحب إلينا من أمهاتنا وبناتنا وأزواجنا وأخواتنا، وعن رغم أنف ياسر وأمثاله، بل والله ما زاد طعنه هذا إلا تمكينًا لحبها في قلوبنا، وما ضر السحاب نبح الكلاب.
وأخيرًا أقول داعيًا رب السماء والأرض السميع العليم: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88]، وأسأل الله جل في علاه أن يكون الجواب كجواب موسى وهارون عليهما السلام:{قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [يونس:89].
- التصنيف:
- المصدر: