وقفات منهجية تربوية - (21) الوقفة الثامنة عشرة: السمع والطاعة لولاة الأمور

منذ 2014-04-27

وهو من الأمور الكبيرة في المنهج مما حصل منه خلاف ولبس في الحركات الإصلاحية، وما حدث من لها من النكبات إلا لإخلالها بأمور منها هذا المنهج، وهو السمع والطاعة لولاة الأمور.

وقد جاءت الآيات الكريمة والأخبار النبوية الصحيحة بتأكيد هذا المنهج، ونص أهل المعتقد السلفي على ترسيخ هذا المبدأ. والناس في هذا الأمر على ثلاثة أقسام:

- قسم جعل ولاة الأمور معصومين لا يصدر منهم منكر يُنكَر، ويبرر كل أقوالهم وأفعالهم، وهذا لا شك من عدم النصيحة لهم.

- وقسم آخر يتشوف ويتتبع أخطاءهم ويشهرها بين الملأ وكأنه ظفر بصيد ثمين، ويجعل ديدنه سواء أكان مكتوبًا أو مسموعًا أو مرئيًا التشهير بأخطائهم.

- أما المنهج الصحيح فهو ما قرره سلف الأمة أن لهم الطاعة في طاعة الله، فإن خالفوا فإن نصحهم ليس كنصح الآخرين لأن منزلتهم تختلف، وليس هذا من المداهنة بل هذا من الحكمة، وانظر إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة» (البخاري).

فينبغي أن نعطي الأمر حقه وأن لا نفرط في الحديث عنه، وأن نعرف أن الأمر عقدي من أصول العقيدة. وأما الاحتجاج ببعض الآثار، فيقال: هذه آثار إذا خرجت عن القاعدة فلا تكون قاعدة، بل يُقال: أصل سلوك المنهج الذي سلكه السلف الصالح هو النصح بستر أما التشهير فلا.

ولهذا قال السخاوي في كتابه: (الإعلام بالتوبيخ على من ذم التاريخ): ترك بعض ما يتعلق بالسلاطين. فعابه قوم فقالوا: ما ذكر المنكرات التي عندهم. قال: هذه إما أن تكون حقًا، وإما أن تكون باطلًا؛ فإن كانت حقًا فذكرها من إشاعة الفاحشة، وإن كانت باطلًا فهي من الغيبة والنميمة.

فهذا الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة؛ يُجلَد ويُعذّب والاعتزال كشر عن أنيابه، وقد أغوى الخليفة وأقام القول بخلق القرآن، ومع هذا كما قال شيخ الإسلام: "كان يدعو للمأمون ويصلي خلفه". ولو أراد البلبلة والفتنة وأشار بيده هكذا لمشى الناس معه، ولكن عنده نصوص حكمته وأدبته، ومنعته ديانته وورعه أن يتخوض في الأمر بلا علم، بل كان مع النص حيث كان.

ومن الملاحظ في الكلام على هذا الأمر، وهذا مرض في بعض شباب الصحوة، إذا سمعوا خطيبًا أو واعظًا أو متكلمًا أو مفتيًا يحث على احترام حق ولاة الأمور جاءته السهام بالتهمة والطعن في الديانة واتهام النيات.

فشاهد القول أن هؤلاء الحكام ليسوا معصومين؛ بل يناصحون ويُدعى لهم بالتوفيق والهداية. وما أجمل ما قاله البربهاري: "إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سُنة إن شاء الله، وإذا رأيته يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى".

ولهذا ذكر العلماء أن غيبة ولاة الأمور أعظم إثمًا من غيرهم -كما أن غيبة العلماء أعظم من غيرهم- لأن إثمها يتعدى، لأنهم إن تسلطوا فشرهم على أنفسهم وعلى المسلمين.

 

ملخص من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية.

  • 0
  • 0
  • 1,473
المقال السابق
(20) الوقفة السابعة عشرة: توظيف طاقة الطلاب حسب مقدرتهم
المقال التالي
(22) الوقفة التاسعة عشرة: الوقاية من اليأس والتشاؤم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً