لا تحزن - فن السرور (3)

منذ 2014-04-30

فإذا كان الحالُ ما وصفْنا، والأمرُ ما ذكرنا، فحرِيٌّ بالأريبِ النابِهِ أنْ لا يُعينَها على نفسِه، بالاستسلامِ للكدرِ والهمِّ والغمِّ والحزنِ، بل يدافعُ هذه المنغصاتِ بكلِّ ما أوتيَ من قوةٍ، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ}.

وفي الحديثِ: «إنما العلمُ بالتعلُّمِ والحِلْمُ بالتحلُّمِ».
وفي فنِّ الآدابِ: وإنما السرورُ باصطناعِه واجتلابِ بَسْمَتِهِ، واقتناصِ أسبابِهِ، وتكلُّفِ بوادرِه، حتى يكونَ طبْعاً.
إن الحياةَ الدُّنيا لا تستحقُّ منا العبوسَ والتذمُّرَ والتبرُّمَ.

حُكْمُ المنيَّةِ في البريةِ جارِي *** ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ
بينا تَرَى الإنسان فيها مُخْبِراً *** ألفيْتَهُ خَبَراً مِن الأخبارِ
طُبِعَتْ على كَدَرٍ، وأنتَ تريدُها *** صَفْواً من الأقذارِ والأكدارِ
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضِدَّ طباعِها *** مُتطلِّبٌ في الماء جُذْوَةَ نارِ

والحقيقةُ التي لا ريبَ فيها أنكَ لا تستطيعُ أنْ تنزعَ من حياتِكَ كلِّ آثارِ الحزنِ، لأنَّ الحياة َخُلقتْ هكذا {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ}، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، ولكنَّ المقصودَ أن تخفّفُ من حزنِك وهمِّك وغمِّك، أما قَطْعُ الحُزْنِ بالكليَّةِ فهذا في جناتِ النعيمِ؛ ولذلك يقولُ المنعمون في الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}.

وهذا دليلٌ على أنهُ لم يذهبْ عنهُ إلا هناكَ، كما أنَّ كلَّ الغِلِّ لا يذهبُ إلا في الجنةِ، 
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}، فمنْ عَرَفَ حالةَ الدنيا وصفتها، عَذَرَها على صدودِها وجفائِها وغَدْرِها، وعَلِمَ ان هذا طبعُها وخلُقُها ووصفُها.

حلفتْ لنا أنْ لا تخون عهودَنا *** فكأَّنها حَلَفَتْ لنا أنْ لا تَفِي 

فإذا كان الحالُ ما وصفْنا، والأمرُ ما ذكرنا، فحرِيٌّ بالأريبِ النابِهِ أنْ لا يُعينَها على نفسِه، بالاستسلامِ للكدرِ والهمِّ والغمِّ والحزنِ، بل يدافعُ  هذه المنغصاتِ بكلِّ ما أوتيَ من قوةٍ، {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ}

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 1,596
المقال السابق
فن السرور (2)
المقال التالي
وقفة (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً