الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان - (2) جهاد الطلب والدفع
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط -كالزاد والراحلة- بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم".
جهاد الكفار نوعان
وجهاد الكفر نوعان:
1. جهاد الطلب (طلب الكفار في بلادهم): بحيث يكون الكفار في حالة لا يحشدون لقتال المسلمين، فالقتال فرض كفاية وأقل فرض الكفاية سد الثغور بالمؤمنين لإرهاب أعداء الله، وإرسال جيش في السنة على الأقل، فعلى الإمام أن يبعث سرية إلى دار الحرب كل سنة مرة أو مرتين، وعلى الرعية إعانته، فإن لم يبعث كان الإثم عليه (حاشية ابن عابدين [3/138])، وقد قاسها الفقهاء على الجزية، قال الأصوليون: "الجهاد دعوة قهرية فتجب إقامته بقدر الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم" (حاشية الشرواني وابن القاسم على تحفة المحتاج على المنهاج [9/213]).
2. جهاد الدفع (دفع الكفار من بلادنا): وهذا يكون فرض عين بل أهم فروض الأعيان، ويتعين في حالات:
أ. إذا دخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين.
ب. إذا التقى الصفان وتقابل الزحفان.
ج. إذا استنفر الإمام أفرادًا أو قومًا وجب عليهم النفير.
د. إذا أسر الكفار مجموعة من المسلمين.
الحالة الأولى: دخول الكفار بلدة من بلاد المسلمين:
ففي هذه الحالة اتفق السلف، الخلف، فقهاء المذاهب الأربعة، المحدثون والمفسرون في جميع العصور الإسلامية إطلاقًا أن الجهاد في هذه الحالة يصبح فرض عين على أهل هذه البلدة -التي هاجمها الكفار- وعلى من قرب منهم، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، والمدين دون إذن دائنه، فإن لم يكف أهل تلك البلدة أو قصروا أو تكاسلوا أو قعدوا يتوسع فرض العين على شكل دوائر الأقرب فالأقرب، فإن لم يكفوا أو قصروا فعلى من يليهم ثم على من يليهم حتى يعم فرض العين الأرض كلها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط -كالزاد والراحلة- بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم".
ويعلل ابن تيمية رأيه بعدم اشتراط الراحلة في رده على القاضي الذي قال: "إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة إذا كانوا على مسافة القصر قياسًا على الحج"، قال ابن تيمية: "وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحد وهو ضعيف، فإن وجوب الجهاد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة، ثم الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة، فبعض الجهاد أولى، وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (مجموع الفتاوى [14/340]) وأثرة عليه فأوجب الطاعة عمادها الإستنفار في العسر واليسر، وهنا نص في وجوبه مع الإعسار بخلاف الحج، هذا في قتال الطلب، وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين واجب إجماعًا، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه" (من كتاب الإختيارات العلمية لابن تيمية ملحق بالفتوى الكبرى [4/608]).
وإليك نصوص مذاهب الفقهاء الأربعة التي تجمع على هذه القضية:
أولا: فقهاء الحنفية:
قال ابن عابدين (حاشية ابن عابدين [3/238]): "وفرض عين إن هجم العدو على ثغر من ثغور الإسلام فيصير فرض عين على من قرب منه، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية إذا لم يحتج إليهم، فإن احتيج إليهم بأن عجز من كان بقرب العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها ولكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه، وثم وثم إلى أن يفترض على جميع أهل الإسلام شرقًا وغربًا على هذا التدريج"، وبمثل هذا أفتى الكاساني (بدائع الصنائع [7/72])، ابن نجيم (البحر الرائق لابن نجيم [5/191])، وابن الهمام (فتح القدير لابن الهمام [5/191]).
ثانيا: عند المالكية:
جاء في حاشية الدسوقي: "ويتعين الجهاد بفجء العدو"، قال الدسوقي: "أي توجه الدفع بفجئ (مفاجأة) على كل أحد وإن امرأةً أو عبدًا أو صبيًا، ويخرجون ولو منعهم الولي والزوج ورب الدَّين" (حاشية الدسوقي [2/174]).
ثالثا: عند الشافعية:
جاء في نهاية المحتاج للرملي: "فإن دخلوا بلدة لنا وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم، من فقير وولد وعبد ومدين وامرأة" (نهاية المحتاج [8/58]).
رابعا: عند الحنابلة:
جاء في (المغني) لابن قدامة: "ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع:
1. إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان.
2. إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
3. إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير" (المغني [8/345]).
ويقول ابن تيمية: "إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليها بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا" (الفتاوى الكبرى [4/608]).
وهذه الحالة تعرف بالنفير العام.
- التصنيف: