«استووا حتى أثني على ربي»

منذ 2014-05-06

في أعقابِ غزوة أحد.. وبعد ما أصاب المسلمين ما أصابهم، وحُزْن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وعمه حمزة رضي الله عنه، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر قاعدًا من الجِراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودًا، ثم توجه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة إلى الله بالدعاء والثناء فقال لأصحابه: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل»...

في أعقابِ غزوة أحد.. وبعد ما أصاب المسلمين ما أصابهم، وحُزْن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وعمه حمزة رضي الله عنه، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر قاعدًا من الجِراح التي أصابته، وصلى المسلمون خلفه قعودًا، ثم توجه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة إلى الله بالدعاء والثناء فقال لأصحابه: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل».

عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد، وانكفأ -رجع- المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل»، فصاروا خلفه صفوفًا فقال: «اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ، وَالْفُسُوقَ، وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ» (رواه أحمد).

إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف يكشف عن العبودية الكاملة لله ربِّ العالمين، الفعَّال لما يريد، فهو القابض الباسط، المعطي المانع، لا راد ولا مُعقِّب لحكمه، دعاء فيه الحمد والشكر الدائم لله عز وجل، في كل الظروف والأحوال، حتى ولو كان بعد مصيبة أُحُد، والله قادر على نصر المسلمين ومنع الهزيمة، لكنه سبحانه شاء وأذن بوقوع المصيبة بالمسلمين في أحد لحِكم كثيرة يعلمها، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ} [آلِ عمران من الآية:166].

والدعاء شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأُمَّته في ساعة النصر والفتح، وفي ساعة الشدة والبلاء، فله فضائل لا تُحصى، وثمرات لا تُعد، ويكفي أنه نوع من أنواع العبادة، بل هو العبادة كلها، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» (رواه الترمذي).

كما أن الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، وجعل القلوب مُتعلِّقة بخالقها، فينزل عليها السكينة، والثبات والاطمئنان، ويمدها بقوةٍ من عنده، قال ابن حجر: "قال السهيلي: والجهاد تارةً يكون بالسلاح، وتارةً بالدعاء".

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير التضرُّع والدعاء، وخصوصًا في مغازيه وحروبه، ففي بدر: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدَّ يديه، فجعل يهتف بربه: «اللَّهُمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ»، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه" (رواه مسلم).

وفي غزوة الأحزاب دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب قائلًا: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ» (رواه البخاري).

فالدعاء سلاحٌ هامٌ في أيدي المسلمين، وهذا لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب البشرية للنصر، فقد تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته وحروبه مع سُنَّة الأخذ بالأسباب وإعداد العدة للقتال، إلا أنه صلوات الله وسلامه عليه يُعلِّمنا مع أخذنا بسُنَّة الأخذ بالأسباب.. ضرورة الالتجاء إلى الله، وأهمية الدعاء في السراء والضراء، والعسر واليُسر، والانتصار والهزيمة، والمُتأمِّل في السيرة النبوية يستوقفه شأن الدعاء واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به في غزواته ودعوته وجهاده وكافة أموره.

  • 20
  • 0
  • 27,520

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً