الرحمة والإحسان على كل شيء
من أخلاق الإسلام: الرحمة بكل شيء والإحسان إلى كل شيء..
من أخلاق الإسلام: الرحمة بكل شيء والإحسان إلى كل شيء:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء» (صححه الألباني في صحيح الجامع).
قال شمس الدين السفيري: "فندب صلى الله عليه وسلم إلى الرَّحْمَة، والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافرًا، فكن رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته" (شرح صحيح البخاري لشمس الدين السفيري:2/50-51).
عن أبي يعلى شداد بن أوس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته» (رواه مسلم).
قال ابن رجب:
هذا الحديث خرجه مسلم دون البخاري من رواية أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن شداد بن أوس، وتركه البخاري، لأنه لم يخرج في (صحيحه) لأبي الأشعث شيئًا وهو شامي ثقة، وقد روي نحوه من حديث سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل محسن فأحسنوا، فإذا قتل أحدكم، فليحسن مقتوله، وإذا ذبح، فليحد شفرته، وليرح ذبيحته»، خرجه ابن عدي. وخرج الطبراني من حديث أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قلتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب المحسنين» (ص:380)، فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء»، وفي رواية لأبي إسحاق الفزاري في كتاب (السير) عن خالد، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، أو قال: على كل خلق»، هكذا خرجها مرسلة، وبالشك في «كل شيء» أو «كل خلق»، وظاهره يقتضي أنه كتب على كل مخلوق الإحسان..
فيكون كل شيء أو كل مخلوق هو المكتوب عليه، والمكتوب هو الإحسان، وقيل: إن المعنى أن الله كتب الإحسان إلى كل شيء، أو في كل شيء، أو كتب الإحسان في الولاية على كل شيء، فيكون المكتوب عليه غير مذكور، وإنما المذكور المحسن إليه، ولفظ (الكتابة) يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين خلافًا لبعضهم، وإنما استعمال لفظة الكتابة في القرآن فيما هو واجب حتم إما شرعًا، كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء من الآية:103]، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة من الآية:182]، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال} [البقرة:216]، أو فيما هو واقع قدرًا لا محالة، كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة من الآية:21].
وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]، وقوله: {أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [ص من الآية: 381]، [المجادلة من الآية:22]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في قيام شهر رمضان: «إني خشيت أن يكتب عليكم»، وقال: «أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليكم»، وقال: «كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فهو مدرك ذلك لا محالة. وحينئذ فهذا الحديث نص في وجوب الإحسان، وقد أمر الله تعالى به»،فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل من الآية:90] وقال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة من الآية:195].
وهذا الأمر بالإحسان تارة يكون للوجوب كالإحسان إلى الوالدين والأرحام بمقدار ما يحصل به البر والصلة، والإحسان إلى الضيف بقدر ما يحصل به قراه على ما سبق ذكره، وتارة يكون للندب كصدقة التطوع ونحوها، وهذا الحديث يدل على وجوب الإحسان في كل شيء من الأعمال، لكن إحسان كل شيء بحسبه، فالإحسان في الإتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة: الإتيان بها على وجه كمال واجباتها، فهذا القدر من الإحسان فيها واجب، وأما الإحسان فيها بإكمال مستحباتها فليس بواجب [ص:382]، والإحسان في ترك الحرمات: الانتهاء عنها، وترك ظاهرها وباطنها، كما قال تعالى: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإْثْمِ وَبَاطِنهُ} [الأنعام من الآية:120]. فهذا القدر من الإحسان فيها واجب.
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: