ولا تجسسوا

منذ 2014-05-07

وإذا سمعت شخص يتحدث بالهاتف بصوت منخفض، فإن كانت تمشي توقفت، وإن كانت واقفة جلست، وإن كانت تتحدث صمتت، فهي تتجسس بأذنيها وعينيها أيضًا! بالنظر إلى شفتي المتحدث لتتمكن من معرفة ما يقول!

بسم الله الرحمن الرحيم
الجاسوسة إذا رأت اثنتان تتحدثان أثناء مرورها، تسمرت قدماها كأنما أصيبت بشلل فهي لا تستطيع الحراك. فتقف في مكان غير مناسب، ويلمع في عينيها بريق الفضول، فقد وجدت غنيمتها وهي قريبة منها، وللأسف لا تعلم أن الآخرين يشعرون بتجسسها عليهم، ويتضايقون من وجودها السمج الثقيل، وكأنها فقدت كل إحساس يشعرها بآدميتها، وحقارة ما تقوم به واتضاح أمرها، مما يجعلها تفقد العلاقات والصداقات، وإن كانت موجودة فهي علاقات حذرة غير مطمئنة ولا مستقرة.. في هذا الموقف، هي تحتاج فقط لمن يأتي بمرآة كبيرة ليريها شكلها القبيح، وهي تتجسس على الآخرين، قال الله تعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا۟} [الحجرات من الآية:12]، قال الطبري رحمه الله: "أي لا يتتبع بعضكم عورة أخيه ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه".

والجاسوسة إذا نجحت في استماع حديث خاص، تجد الفرحة ترقص في عينيها! كأنما بُشرت بمغفرة الذنوبوهي تبلع ريقها شوقًا للتحدث بما سمعته، كأنها تناولت ألذ أطباق الحلوى، فهي تشعر بطعمها في حلقها، نعوذ بالله منها، وإذا سمعت شخص يتحدث بالهاتف بصوت منخفض، فإن كانت تمشي توقفت، وإن كانت واقفة جلست، وإن كانت تتحدث صمتت، فهي تتجسس بأذنيها وعينيها أيضًا! بالنظر إلى شفتي المتحدث لتتمكن من معرفة ما يقول!

 وإن ظفرت بجوال أحد الضحايا قد نساه، فمن المستحيل ألا تقرأ رسائله وتطلع على خفاياه، فهذا يوم تاريخي في حياتها! لا تسأل عن أجهزة التنصت التي تمتلكها للتجسس على المكالمات الهاتفية ، وتسجيلها لمن يسكن معها في منزل واحد وغيرهم، وهذا يدل على خسة النفس ودناءتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صُبّ في أذنه الآنك يوم القيامة» (رواه البخاري)، الآنك: الرصاص المذاب.

أما إن أرادت أن تعرف موضوعًا يخصك، فهي تقوم بحملة من البحث والتجسس، فتبدأ بسؤالك أنتِ وهي تعرف الجواب لترى هل تخفين عنها الموضوع أم لأ؟ وفي الوقت نفسه تسأل أمك، أختك، وأولادك، وقريباتك نفس السؤال لتطابق بين الأقوال! ولا يفوتها أن تسأل الخادمة والسائق والجيران، سبحان الله! جلد وهمة عالية في تتبع عورات المسلمين وأذاهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تَتَبّعوا عوراتهم فإنه من اتّبعَ عوراتهم يَتّبع الله عورته، ومن يَتّبع الله عورته يفضحه في بيته» (حسنه الألباني). 

عندما تجلسين معها في مجلس واحد وتظنين انها مشغولة بمحادثة من بجوارها، حيث يفصل بينك وبينها خمسة نسوة أو أكثر، بينما أنت تتحدثين مع التي بجوارك بصوت هاديء معتدل، فجأة! تجدينها تشاركك في تتمة الحديث أوفي التعليق عليه بالتأييد أو المعارضة، سبحان الله! كم أذنًا تملك تلك المرأة؟ وما مقياس درجة السماع عندها؟ أعتقد أن بعض الناس لا يملكون أذنان بل راداران! فضلًا عمن يملكن موهبة قراءة الشفاه! 

تدعي نية الإصلاح بين المتخاصمين، لتعرف الأسرار ولتشبع فضولها في التجسسعلى خبايا الناس، ثم هي بعد ذلك لا تصلح ولا تبذل جهدًا حقيقًا.

المتجسسة امرأة تعشق الأبواب والنوافذ! فهي تحتضنها في اليوم عدة مرات، شريطة أن تطل هذه النوافذ على البيوت المجاورة لأقاربها أوجيرانها. أما الأبواب فإن عشقها لها أكبر، حيث تحتضنها احتضانًا كاملًا وتلصق عليها صفحة خدها بقوة تصيب الأبواب بالغثيان! فإن كان يفصل بينك وبينها بابًا، فلو فتحته فجأة لسقطت عليكِ! إن دخلت وسط بيتك، فتوقعي أن تدخلغرفتك الخاصة بدون استئذان ولن تخجل من فتح أدراجك. ففي أي غرفة تدخلها وترى فيها أدراجًا، تبدأ أعصابها بالكهرباء ولن تهدأ حتى تتغافل أصحاب المنزل وتطلع على ما فيها! وأكبر مصائبها أن تجد أحدها مقفلًا فهي تكاد تجن لتعرف ما بداخله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه» (رواه البخاري)، فكيف بالذي يطلع على أدراجهم وغرفهم المغلقة بدون إذنهم؟!

لا تهدأ من الأسئلة الفضولية ولا تريح غيرها من الإجابة: أين ذهبتم؟ من أتاكم؟ أين سافرتم؟ أين سكنتم؟ كم أنفقتم؟ كل هذه الأسئلة على سبيل الغيرة والتجسس والمقارنة وليس للإطمئنان.

مسكينة هي تشقي نفسها وتضيع حسناتها وترتكب كبيرة التجسس، من أجل فضول زائد تضيع معه الأعمار والأعمال، قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى[النجم:39-41]

فهل هذا سعيٌ تملئين به صحيفتك يوم القيامة؟!

  • 1
  • 0
  • 1,316

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً