القناعة - نماذج من قناعة الصحابة رضي الله عنهم

منذ 2014-05-08

لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلَّقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشُّف[1] والزهد في أول أمرهم نظرًا لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشُّف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:

- عن أبي العالية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يكفل لي أن لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟» فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا[2].

- وعن أبي هريرة، قال: "لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُّفَّة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن تُرى عورته" (رواه البخاري: [442]).

قال الحافظ ابن حجر: "قوله: [لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة]: يُشعِر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضًا، لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة" (فتح الباري: [1/536]).

- وعن الحسن قال: "كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وأكل من سفيف يده" (رواه أبو نعيم في حلية الأولياء: [1/ 197-198]، ابن عساكر في تاريخ دمشق: [21/434]).

- نماذج في القناعة عند السلف

- "ورث داود الطائي من أبيه دارًا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها" (ربيع الأبرار؛ للزمخشري: [5/338]).

- وعن يحيى بن عروة بن أذينة قال: "لما أتى أبي وجماعةٌ من الشعراء هشام ابن عبد الملك فأنشدوه، فلما عرف أبي قال: ألست القائل:

وقد عَلِمتُ وخَيرُ القَوْل أصْدَقُه *** بأنَ رِزْقِي وَإنْ لم يَأْتِ يَأْتيني
أسْعى إليه فيعييني تطلبه *** ولو قَعَدْتُ أتاني لا يُعَنِّيني

فهلَّا جلست في بيتك حتى يأتيك؟ فسكت أبي ولم يُجبه، فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة، وأمر هشامٌ بجوائزهم، فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه، قال: لا جرم، والله ليعلمنَّ أنَّ ذلك سيأتيه. ثم أضعف له ما أعطى واحدًا من أصحابه، وكتب له فريضتين" (التبصرة؛ لابن الجوزي، ص: [156]).

- وقال زمعة بن صالحٍ: "كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت" (القناعة؛ لابن السني، ص: [40]).

- وعن حفصٍ الجعفي، قال: "ورث داود الطائي من أُمّه أربع مائة درهمٍ، فمكث يتقوت بها ثلاثين عامًا، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها".

- وقال عطاء بن مسلمٍ: "عاش داود عشرين سنةً بثلاث مائة درهمٍ" (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: [7/424]).

- وذكر إبراهيم بن السري الزجاج: "أنه كان يجري على أبي جعفرٍ في الشهر أربعة دراهم، يتقوت بها. قال: وكان لا يسأل أحدًا شيئًا" (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: [13/546]).

ـــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

[1]- (القشف شدة العيش. طلبة الطلبة؛ للنسفي: [88]).

[2]- (رواه أبو داود: [1643]، وأحمد: [5/276] [22428]، والطبراني: [2/98] [1433]، والبيهقي في شعب الإيمان: [3/272] [3521]. الحديث سكت عنه أبو داود، وصحح إسناده ابن جرير في مسند عمر: [1/30]، والمنذري في الترغيب والترهيب: [2/39]، والنووي في رياض الصالحين: [237]، وصحّح الحديث الألباني في صحيح سنن أبي داود).

 

  • 9
  • 3
  • 28,472
المقال السابق
الترغيب في القناعة
المقال التالي
نماذج في القناعة عند العلماء المعاصرين

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً