المصالحة الفلسطينية.. بين الضرورة المُلِحَّة وضبابية فرص النجاح!
بعد أسبوعين من توقيع اتفاق تنفيذ المصالحة الفلسطينية ما زال الأمر يبدو ضبابيًا بالنسبة لفرص نجاحه في ظل الظروف التي دفعت بالمتخاصمين إلى توقيعه وبطء الخطوات على أرض الواقع، إضافة إلى المعوقات الخارجية.
الإسلام اليوم / شينخوا
بعد أسبوعين من توقيع اتفاق تنفيذ المصالحة الفلسطينية ما زال الأمر يبدو ضبابيًا بالنسبة لفرص نجاحه في ظل الظروف التي دفعت بالمتخاصمين إلى توقيعه وبطء الخطوات على أرض الواقع، إضافة إلى المعوقات الخارجية.
ولم يُسفِر الاتفاق حتى الآن سوى في انفراجة طفيفة في قضايا الحريات العامة، من دون إعلان رسمي عن بدء مشاورات تشكيل حكومة التوافق المتفق عليها حتى الآن على الرغم من أنه مفترض أن يتم تشكيلها بعد خمسة أسابيع من توقيع الاتفاق.
وكان وفد يُمثِّل القيادة الفلسطينية وقع اتفاقًا مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 23 أبريل الماضي، لتنفيذ المصالحة وإنهاء "مرحلة وسنوات الانقسام" المستمر منذ منتصف عام 2007م.
وتضمن الاتفاق الذي جاء بعد جلستين من الاجتماعات على مدار يومين عقدتا في غزة، سبعة بنود أبرزها تشكيل حكومة توافق خلال خمسة أسابيع، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وأخرى للمجلس الوطني الفلسطيني بشكلٍ متزامن خلال ستة أشهر.
وجاء اتفاق تنفيذ المصالحة مبنيًا على اتفاقيتين سابقتين لم تُنفذَا.. توصلت لهما حركتا التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) الأولى في مايو 2011م برعاية مصرية، والثانية في فبراير 2012م برعاية قطرية لتشكيل حكومة موحدة مستقلة تتولى التحضير للانتخابات العامة.
اتفاق الضرورة
ويرى مراقبون تحدثوا بشكلٍ منفصل.. أن متغيرات اتفاق تنفيذ المصالحة الأخير تظهر في إلحاح معطياته بالنظر إلى ظروف طرفي الانقسام (فتح وحماس).
وفي هذا الصدد، يؤكد مدير مركز (بدائل) للأبحاث والدراسات في "رام الله بالضفة الغربية هاني المصري، أن من أهم العوامل التي ساعدت على توقيع الاتفاق ويمكن أن تساعد على إطالة عمره، وجود وإلحاح مصالح آنية ضاغطة على طرفي الانقسام دفعتهما إلى توقيعه".
ويرى المصري، أن سِرّ الاتفاق السريع هو أن حماس في "أزمة" وبحاجة إلى مخرج من الحصار، وتردي الأحوال المعيشية في قطاع غزة، وسوء علاقاتها مع مصر بعد عزل الجيش المصري للرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في يوليو الماضي.
ويشير إلى أن حماس "تعاني من أزمة لم يسبق لها مثيل بعد أن خسرت حلفائها في سوريا وإيران و(حزب الله) اللبناني، وتحوُّل دول الخليج -ما عدا- قطر إلى الخصومة إن لم نقل العِداء معها، وسقوط حكم الإخوان المسلمين المتحالف معها في مصر".
ولفت المصري إلى أن فتح كذلك تعيش أزمة "جرَّاء تعنُّت إسرائيل وانسداد أفق المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية انفرادية، إلى جانب تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية، وانتشار حالة من الإحباط واليأس".
حماس لن تتخلى عن سيطرتها على غزة حاليًا
ويلاحظ في اتفاق تنفيذ المصالحة أنه اعتمد على مرحلة انتقالية لإنهاء الانقسام.. تتوج بإجراء انتخابات عامة بعد ستة أشهر من تشكيل حكومة التوافق يفترض أن تكون الفيصل في المرحلة الفلسطينية التالية لإنهاء الانقسام الداخلي.
ويمكن مراقبة جوهر المرحلة الانتقالية بأن الاتفاق نص على تأجيل الملف الأمني الذي يعد أبرز ملفات الانقسام إلى ما بعد الانتخابات مع عدم حسم الخلاف السياسي بين طرفي الانقسام.
وخلال المرحلة الانتقالية، أعلن مسئولون من حماس أن سيطرتهم الأمنية على قطاع غزة ستستمر على حالها بما يظهر عدم تخلي الحركة الإسلامية كليًا عن إدارتها المنفردة في القطاع حتى بعد تشكيل حكومة التوافق.
وعلى ذلك يقول المحلل السياسي حمادة فراعنة من الضفة الغربية، إن حماس تسعى لتحقيق جملة من الأهداف من خلال التعاطي إيجابيًا مع مساعي المصالحة أبرزها فك الحصار السياسي والمالي المفروضين عليها.
ويضيف فراعنة، أن حماس تريد دمج مؤسستها الأمنية والإدارية في مؤسسات الدولة الفلسطينية التي تتشكل على الأرض وأن تكون جزءًا من الائتلاف الوطني الذي يقود منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بعد انحسار إدارتها المنفردة في غزة.
ويلفت إلى أن قيادة حماس باتت ترى في تحقيق المصالحة سبيل الخلاص من تعقد الظروف الإقليمية والداخلية التي تعانيها منذ سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتراجع تحالفاتها الإقليمية.
تطلعات الشراكة
وبعيدًا عن الأهداف الآنية من اتفاق المصالحة، فإن أساس فرص نجاحه مستقبلًا يتعلَّق أساسًا بمدى القدرة على بناء شراكة وطنية حقيقة قادرة على احتواء الأطراف الفلسطينية في قيادة مشتركة وموحّدة.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي صادق الشافعي من الضفة الغربية، أن كلًا من فتح وحماس وصلتا عبر تجربتهما إلى القناعة باستحالة تحقيق أي إنجاز وطني بشكلٍ منفرد، وأن الإنجاز يحتاج إلى وحدة الفعل وتكامل أشكال النضال ووحدة القيادة والبرنامج والمؤسسات.
ويَعتبر الشافعي.. أن أساس التغيير في السعي إلى شراكة وطنية هو دور العامل الخارجي في حصول التغيير الموصوف "الذي يتمثَّل أساسًا في انقلاب الأوضاع في البلدان المحيطة والحليفة"، لكلا الحركتين.
لكن الشافعي يؤكد أن فرص تحقيق الشراكة المنشودة يتعلَّق بصدِق النوايا وثبات المواقف، وعلى الجدية بالتعاطي مع العراقيل وتخطي الصعوبات باعتبار أن الاتفاق المُعلَن كما صدر، هو أقرب إلى إعلان نوايا وتحوُّلِه إلى حقائق يحتاج إلى قناعة وثبات.
معارضة إسرائيل
وبعيدًا عن أهداف ونوايا كل من فتح وحماس تجاه تحقيق المصالحة أخيرًا، فإنه لا يمكن إغفال معارضة إسرائيل للاتفاق والمواقف الدولية منه خصوصًا ما يتعلَّق بالإدارة الأمريكية.
وأبدت إسرائيل معارضةً شديدةً لاتفاق تنفيذ المصالحة، واعتبرت أنه يتناقض مع عملية السلام، وهو موقف ذهبت إليه الولايات المتحدة الأمريكية -تقريبًا- باعتبارها أن المصالحة "أمر غير مفيد لجهود السلام".
في المقابل؛ أبدى الاتحاد الأوروبي ترحيبًا حذِرًا باتفاق المصالحة، فيما قال ممثل اللجنة الرباعية الدولية توني بلير: "إن إنهاء الانقسام الفلسطيني أمر يفيد عملية السلام".
ويَعتبر مراقبون.. أن بإمكان الفلسطينيين التغلب على المعارضة الإسرائيلية لاتفاق المصالحة خاصة بالإعلان الواضح للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن حكومة التوافق المقبلة ستلتزم بسياسته القاضية بالاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والإرهاب.
ويرى المحلل السياسي طلال عوكل من غزة، أن إسرائيل بدت "معزولة من بين دول العالم" في رفضها للمصالحة الفلسطينية واستعدادها لعمل كل ما تستطيع من أجل إفشالها، وإبقاء حالة الانقسام "التي تساعدها على مواصلة تنفيذ مخططاتها".
وبالنسبة لعوكل.. فإن الموقف الإسرائيلي من المصالحة "ينبغي أن يُشكِّل معيارًا لمواقف وسلوك الفصائل والأفراد، فلو أن المصالحة كانت لا تعني شيئًا لإسرائيل لما جن جنون ساستها وصحفييها".
أما الموقف الأمريكي، فيعتبره عوكل "متحفِّظًا لا يرفض ولا يقبل، وأنه يترك مسألة القبول أو الرفض إلى وقتٍ لاحق للحكم على السلوك والممارسة وليس الأقوال".
ويخلص عوكل إلى أن حظوظ نجاح المصالحة هذه المرة، هي أفضل من كل المرات السابقة، لكنه يؤكد أن تحققها هو عملية طويلة ونجاحها له ثمن، يتطلب استعداد الفلسطينيين لدفعه "بما أنها واحدة من معارك مجابهة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته".
نقلًا عن: وكالة الأنباء الصينية - شينخوا
- التصنيف:
- المصدر: