حاجة الأمة إلى العلماء الربانيين

منذ 2014-07-30

ما أحوجنا في هذه الأزمان إلى التمسك بغرز العلماء الربانيين الذين تجمع الأمة عليهم فيؤصلون ويعلمون ويربون سيرًا على المنهج النبوي القويم عقيدة ومنهجاً وسلوكاً؛ ليأخذوا بهذه الأمة إلى الطريق المستقيم.

إن المتبصر في حال أمتنا اليوم يجد أنها أحوج ما تكون إلى علماء ربانيين يرشدونها إلى طريق الحق والهدى والنجاة خاصة في ظل هذه الفتن المتراكمة والمحن المتلاطمة  التي تعصف بالأمة الإسلامية من كل جانب.

فالسادة العلماء هم ورثة الأنبياء الذين هم على الحق أدلاء، فهم منارات الهدى ومصابيح الدجى، الذين ينيرون للناس الطريق، ليصلوا بهم إلى مدارج التوفيق.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله واصفًا لهم: "هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء؛ وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب" (إعلام الموقعين [1/9]).

وصدق القائل:

ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء

قال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ  تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].

وقال تعالى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة:63].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: «وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر» (أخرجه أبو داود في سننه رقم [3641]، والترمذي في سننه [2682]).

قال العلامة المناوي رحمه الله: "لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلاً من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل" اهـ ( فيض القدير [4/374]).

ومن سمات العالم الرباني:
- خشية الله في السر والعلانية كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] قال ابن كثير رحمه الله: أي "إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القديم أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر" (تفسير ابن كثير [6/271]).

- أنه العالم العامل المعلم للناس الداعي إلى الله على بصيرة كما قال ابن قتيبة في معنى الرباني: "واحدهم رباني وهم العلماء المعلمون" ( زاد المسير لابن الجوزي [1/413]).

- ومن صفاته كذللك ما ذكره البخاري في صحيحه: "الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" (صحيح البخاري [1/160]).

- عدم اغتراره بالدنيا وزخرفها أو اللهث وراء مطامعها وشهواتها على حساب دينه ودعوته كماقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}  [السجدة:23].

قال ابن كثير رحمه الله: "قال قتادة وسفيان: لما صبروا عن الدنيا: وكذلك قال الحسن بن صالح. قال سفيان: هكذا كان هؤلاء، ولا ينبغي للرجل أن يكون إمامًا يقتدى به حتى يتحامى عن الدنيا" (تفسير ابن كثير [6/170]).

قال ابن القيم رحمه الله: "وجمع سبحانه بين الصبر وَاليقِينِ إِذ هما سعادة العبد، وفقدهما يفقده سعادته، فَإِن القلب تطرقه طَوارق الشّهوات المخالَفَة لأمر اللَّه، وطَوارق الشّبهات المخَالفَة لخبر، فَبِالصّبر يدفَع الشّهوات، وبِالْيقينِ يدفَع الشّبهات، فإن الشهْوَةَ وَالشّبهة مضَادَّتانِ للدينَ من كل وجه" (رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه؛ ص:41).

- ثباته في الفتن المضلة المظلمة، ورسوخ قدمه في مواطن الشبهات، حين تضل الأفهام وتزل الأقدام.  
قال ابن القيم رحمه الله: "الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ولا قدحت فيه شكا لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة" (مفتاح دار السعادة [1/140]).

فهم أبصر الخلق بالفتن ومضارها وعواقبها وما يصلح فيها من الكلام والفعل، قال الحسن البصري: "الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم؛ وإذا أدبرت عرفها كل جاهل" (الطبقات الكبرى لابن سعد [7/166]).

فإذا غاب العلماء الربانيون صارت الحال كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا»  (رواه البخاري رقم 100 ومسلم رقم:2773).

قال الإمام مالك رحمه الله: "بكى ربيعة يومًا بكاء شديدًا فقيل له: أمصيبة نزلت بك؟ فقال: "لا! ولكن استفتي من لا علم عنده وظهر في الإسلام أمر عظيم" (الباعث على إنكار البدع لأبي شامة ص:175).

هذا كلام قاله مالك في زمانه! حيث كانت السنة ظاهرة والعلماء متوافرون؟ فكيف نقول عن حالنا في هذا الزمان؟ الذي ابتلينا فيه بترؤس الجهال وابتلي الناس بضعف التمييز بين الربانيين من العلماء وأشباههم من الأدعياء؛ فوقع الخلط والخبط والتعصب والتلاعب.

فما أحوجنا في هذه الأزمان إلى التمسك بغرز العلماء الربانيين الذين  تجمع الأمة عليهم فيؤصلون ويعلمون ويربون سيرًا على  المنهج النبوي القويم عقيدة ومنهجاً وسلوكاً؛ ليأخذوا بهذه الأمة إلى الطريق المستقيم. 

المصدر: موقع هوية بريس

رضوان بن إبراهيم شكداني

ولد بمدينة الدار البيضاء بالمغرب سنة 1406 هجرية. درس الابتدائي والثانوي والجامعة بمدينة البيضاء حتى حصل الماجستير في أصول الفقه.

  • 7
  • 2
  • 20,886

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً