يا شيخ عايض قد ذكرت النتيجة وتركت السبب!!

منذ 2008-05-16

وأخيراً أرجو ألا يغضب أخي الشيخ عايض -فمودتنا قديمة ثابتة- فإني قد أردت إكمال ما جاء في مقاله لا نقضه من أساسه، والله الموفق.


كتب الشيخ د. عايض القرني مقالاً في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ الخميس 7 صفر 1429هـ عن رحلته العلاجية إلى باريس، وذكر فيه أنه وجد في الناس في باريس في أماكن ذكرها "رقة الحضارة، وتهذيب الطباع، ولطف المشاعر، وحفاوة اللقاء، وحسن التأدب مع الآخر" إلى آخر ما ذكره لكن "في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوهٍ عليها غبرة ترهقها قترة، من حزن وكبر وطفش (كذا) وزهق ونزق وقلق" إلى آخر ما قاله.

ولي وقفات مع ما قاله بإيجاز وفقه الله تعالى، ونفع به:

1. قد زرت فرنسا عشرات المرات منذ ربع قرن إلى الآن واختلطت بفرنسيين كثر في فرنسا وخارجها، فلم أجد في أكثر من خالطت ما ذكره الشيخ من "رقة الحضارة وتهذيب الطباع، ولطف في المشاعر، وحفاوة اللقاء، وحسن التأدب مع الآخر" بل وجدت عكس ذلك في مواقف كثيرة سطرتها في ذكرياتي، ومن المعروف عنهم في أوروبا أنهم ـ في الجملة ـ من أسوأ شعوبها تعاملاً مع الأجانب، وما أمر فرنسا في الجزائر وسائر مستعمراتها عنا ببعيد، حيث أذاقوا المسلمين الويلات، وساموهم سوء العذاب، وعاملوهم معاملة العبيد بل البهائم، وهذا ليس منذ قرون بل هو في النصف الثاني من القرن الفائت أي منذ أقل من خمسين سنة، وقبل ذلك بمئات السنين إلى التاريخ المشار إليه ذاق المسلمون من فرنسا الويلات ورأوا من "حضارتها" صوراً من الهول والعذاب الذي لا يحتمل، وهم إلى اليوم تأبى عليهم حضارتهم ورقتهم وتهذيبهم أن يعتذروا للمسلمين في الجزائر عما صنعوا بهم.

والعجيب الذي هو غير مفهوم أبداً من صنيع البرلمان الفرنسي ـ الذي هو ممثل للشعب "الحضاري والمهذب والرقيق واللطيف" ـ أنه أقر أن ما حدث للأرمن في تركيا أثناء الحرب العالمية الأولى إنما هو جرائم إبادة، ثم إنه لا يريد إلى الآن أن يعتذر ولا يعترف بجرائم الإبادة الهائلة التي صنعوها في الجزائر طوال قرن وثلث قرن!! نعم إن هناك من الفرنسيين من حاله كما ذكر الشيخ لكني أنكرت هذا التعميم، وأنكرت عدم ذكر الوجه الآخر القبيح، لأن في هذا تلبيساً على أجيال المسلمين الناشئة.

2. وقد فات الشيخ أن يذكر أن حضارة فرنسا ورقتها وتهذيبها إنما هي بارزة للزائر العجل، وللنازل ذي الحاجة السريعة والمار دون المقيم فيها، العارف بأحوال أهلها والمقيمين فيها، وما حال العرب المهاجرين الساكنين في ضواحي باريس منا ببعيد، وما حال أخواتنا في فرنسا التي أجبرتهم حضارة فرنسا ورقتها وتهذيبها على نزع حجابهن في المدارس، وصرن "متضايقات وقلقات وغير مبتسمات" بسبب القرار الفرنسي.

3. فرنسا مؤيدة لدولة المسخ اليهودية في المحافل الدولية، وهي التي لا يُسمع منها كلمة نكير واحدة لما يجري على إخواننا في غزة، ولو كان لها حضارة حقيقية ورقة في الطباع وتهذيب في الخلق لأنكرت ما يجري من مذابح على إخواننا في فلسطين وغير فلسطين، لكن أبت عليها حضارتها ورقتها وتهذيبها فعل ذلك، وساندت المحتل الغاصب منذ سرقته فلسطين إلى يوم الناس هذا، ولم تأبه بما لامس آذانها من صيحات إخواننا المنكوبين بالاغتصاب اليهودي، وهنالك أحد عشر ألف سجين فلسطيني لم تكترث فرنسا لهم، ولم تتحرك رقتها لأجلهم، وموقف فرنسا ورئيسها ميتران من البوسنة ومذابحها، وتآمرها على المسلمين هناك لا يخفى على المتابع.

ولئن قيل إن تلك هي مواقف الحكومة الفرنسية فأقول: وأين البرلمان الممثل للشعب؟ ولماذا لا نسمع منه أي صرخة نكير لما يجري على المسلمين على أيدي حكومة بلادهم وحكومات الغرب الأخرى. وأتمنى أن يرجع القارئ العربي والمسلم إلى مواقف مثقفي فرنسا من إرادة الجزائريين الاستقلال من الاستخراب الفرنسي البغيض، حيث ذهب كثير من كبار مثقفي فرنسا إلى وجوب عدم إعطاء الجزائريين حقوقهم، وهذا أمر معلوم، وإنما ذكرت الجزائر مثالاً وإلا فلفرنسا قبائح في بلاد إفريقية وآسيوية كثيرة ومواقف أكثر أفراد شعبها من تلك المآسي والقبائح هي مواقف سلبية.

4. قد ذكر الشيخ الفاضل أن غالب العرب يلقاك "بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة من حزن وكبر ..." وأقول له ليتك ذكرت الأسباب، وأنا أذكر بعضها لأهميتها في هذا الباب:

أ. أغلب العرب لا يكاد يجد قوت يومه إلا بشق الأنفس، وهو مخير بين أن يكون مرتشياً سارقاً مختلساً أو أن يعمل قرابة ست عشرة ساعة في اليوم والليلة ليجد لقمة عيشه، فأنى له الابتسام ؟ وكيف يُطلب منه ذلك ؟ ولكن لأني والشيخ ومعنا بضعة ملايين قد أسبغ الله علينا من نعمه العظيمة في هذه البلاد فلربما لا ندري ماذا يحصل على إخواننا في أكثر البلاد العربية.

ب. كثير من العرب في الدول البوليسية التقدمية الثورية لا يستطيع أن يأمن على نفسه وأهله وأولاده، ولا يستطيع تطبيق كثير من جوانب الشرع المطهر في نفسه وأهله وأولاده، وينزع الحجاب في تونس من على رأس زوجه وبناته في الشارع، وتمنع بناته من الدراسة في المدارس والجامعات إلا بعد نزع الحجاب، ولو داوم على صلاة الجماعة هناك وفي بعض البلاد ينكب، فكيف نريد من مثل هذا الابتسام والرقة واللطف؟

جـ. كثير من العرب في فلسطين ولبنان وسورية مهددون باجتياح يهودي لئيم لبلادهم فكيف تريد منهم ألا يقلقوا أو يضيقوا بحياة الذل هذه؟ وإخواننا في العراق يعانون أشد المعاناة من أخت فرنسا في "الرقة والحضارة والتهذيب" أمريكا فكيف يفرحون؟!

د. كثير من العرب يعانون من حكام عسكريين أو أمثال العسكريين يسومونهم سوء العذاب، ويسرقون أقواتهم، ويضيقون على معايشهم وأرزاقهم، وينشرون فيهم الخوف والقلق، والسؤال الكبير: من فرض هؤلاء على رقاب كثير من العرب؟! لقد جاء على ظهر دبابة !! نعم، هذا صحيح، وأنا أعلم أن الشيخ عايضاً يعلم أن هؤلاء الحكام إنما وضعتهم في مناصبهم دول الغرب وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا "المهذبة الرقيقة الحضارية" وهذه الدول هي التي تمنع أكثر الشعوب العربية اليوم من نيل حقوقها الانتخابية، ومن ممارسة الديمقراطية الحقيقية التي تتغنى بها فرنسا وغير فرنسا كذباً وعدواناً وإيهاماً للشعوب وإذلالاً وإفقاراً، ومحاصرة للتيار الإسلامي في تلك البلاد المنكوبة بحكامها الظلمة، ولم نسمع من فرنسا حكومة وبرلماناً -وهو الممثل للشعب الحضاري ـ أي نكير في هذا الباب.

هـ . وهناك سؤال مهم بل مهم جداً: أليس فرنسا -وأمثال فرنسا- من الدول الاستخرابية الغربية التي تقف حجر عثرة ضد "سعادة" أكثر الشعوب العربية والإسلامية برفضها تطبيق الشريعة، ومعارضتها تولي الإسلاميين مقاليد الحكم في بلاد مثل مصر وتونس وفلسطين، وهل ننسى خطبة لساركوزي بعد أن تولى الحكم في بلاده عندما قال معلقاً على أحداث غزة وسيطرة أبطال حماس عليها ومعترضاً على تولي حماس مقاليد الحكم في غزة: هل تقبلون أن يحكم الإخوان مصر؟! وفي هذا القول من اللؤم والتحريض ما لا يخفى على أهل البصائر.

وخلاصة ما أردت قوله: إن هناك أسباب مهمة جداً جعلت أكثر العرب لا يعرفون الابتسامة أو ينسونها، وهناك أسباب مهمة جداً جعلت أكثر العرب يضيق ويقلق، وهناك أسباب مهمة جداً جعلت أكثر العرب تضجر وتمل، وعلى رأس تلك الأسباب مؤامرات الدول الاستخرابية الكبرى ضد شعوبنا العربية، ومن هذه الدول ذوات الكيد العظيم فرنسا، ولست ممن ينحاز دوماً لنظرية المؤامرة لكن وضح الصبح لكل ذي عينين، وظهر أن ديمقراطيتهم الزائفة، وحضارتهم المزعومة ورقتهم وتهذيبهم إنما كل ذلك سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاء لم يجده شيئاً، وفي أحسن الأحوال إنما ينصرف كل تلك "الحضارة والرقة والتهذيب"، إلى مواطنيهم وإلى بعض من نزل عندهم نزولاً عابراً، لكن ذلك لا يغير من الحقائق شيئاً.

وأخيراً أرجو ألا يغضب أخي الشيخ عايض -فمودتنا قديمة ثابتة- فإني قد أردت إكمال ما جاء في مقاله لا نقضه من أساسه، والله الموفق.
المصدر: موقع التاريخ

محمد بن موسى الشريف

دكتوراه في علوم القرآن الكريم ويعمل قائد طائرة في الخطوط الجوية السعودية سابقا

  • 42
  • 3
  • 18,841
  • abokarim30

      منذ
    [[أعجبني:]] أحب الشيخ عائض كما أحب الشيخ محمد الشريف في الله. لكن أود أن أذكر بأن الشيخ عائض ربما كان في مستشفى راق و أماكن راقية لا تسمح له بالتقييم الجيد للمجتمع الفرنسي. أما بخصوص هذا الأخير فأنا عشت في فرنسا و أرى أن الشعب الفرنسي تغلب عليه نوع من العنصرية و الكبر.
  • مسلم مجرد

      منذ
    [[أعجبني:]] احب الشيخ عائض واحب الشيخ موسى الشريف اعجبني طريقة الرد طريقة ودية حضارية راقية على المسلم ان يكون ادبه في الرد هكذا [[لم يعجبني:]] تسرع الشيخ عائض في الحكم على المجتمع الفرنسي والمجتمعات العربيةمن خلال معاملتهم له هو
  • حسن

      منذ
    [[أعجبني:]] هذا المقال كان افتراء و كذبا على الشيخ القرني و قد تبرأ مما نسب إليه و بإمكانكم التأكد من ذلك بدخول هذا الرابط: http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1209358021567&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout
  • محمد بن حليفة أل عبار

      منذ
    [[أعجبني:]] جزى اللة الاخ محمد بن موسى علي هدا التعليق الجميل و انى لاحب الشيخين للةنعالى
  • هشام

      منذ
    لم يعجبني: يجب النأكد أن الشيخ قال هذا الكلام فالشيخ عائض من الشيوخ المحترمين لا يصدر منه هذا الكلام قبل كتابة هذا المقال كان يجب الإتصال بالشيخ عائض للنأكد من صحة الكلام النسوب عليه أستغفر الله
  • ابو يوسف

      منذ
    [[أعجبني:]] الشيخ الشريف معه الحق لأن راحالة طيار يجوب العالم ويعرف الشعوب على عكس الشيخ عايض
  • أبو أنس

      منذ
    [[أعجبني:]] هذا المقال يعد مثالا للتناصح بين المسلمين فجزى الله كاتبه خير الجزاء، ولا أظن عالماً مثال الشيخ عائض يزعل من مثل هذا الخطاب بل أحسبه ينتبه لما غفل عنه في مقاله المشار اليه، جزاكم الله خيرا ولنكتب ونعمل تحت شعار إنما المؤمنون إخوة
  • أبو كمال الدين

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني في هذا المقال أن كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد أيا كان هذا القائل والا يضيق ذرعا بالنقد والاروع هذا الأدب الجم في النقد
  • ابواحمد اليماني

      منذ
    [[أعجبني:]] الملاحضة جيدة ولكن الملاحضة عليها ان استاذنا الكاتب لعله نسى المثل القائل( صدق الكاذب حتى يعتقد انه صادق فيعشق الصدق ويتحول صادقا). وربما هذا مااراده شيخناالفاضل عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لأسامة بعد ان قتل الرجل بعد قوله لااله الله فقال اسامة يارسول الله ماقالها الاخوفا من السيف فقال صلى الله عليه وسلم اشققت قلبه حتى تعرف انه قالها صادقا اوكاذبا وفيرواية لم اومر بتفتيش عن نوايا الناس اوكما قال .ومعذرة يادكتور
  • ابراهيم اسماعيل

      منذ
    [[أعجبني:]] أن المقالة تعبر عن كل ذي فكر عميق ومستنير.والحق أن الشيخ القرني قدسقط سقطة كبيرة في مدحه لهؤلاء الكفارونسي الشيخ أن الأخلاق هي نتاج العقائد ومن لا عقيدة عنده فكيف تكون أخلاقه حميدة؟!ان أخلاقهم تنبع من الفائدة الدنيوية وعلى هذا الأساس يتصرفون . هل فهمت يا شيخ عائض؟!انهم كرام في نظر الشيخ اذا كان ذلك لمصلحتهم الدنيوية ولئام أشد اللؤم بل ووحوش أشد من وحوش الغابة شراسة اذا كان ذلك يصب في مصلحتهم, لان عقيدتهم الرأسمالية تقركل عمل أو خلق يجلب لهم المتعة الدنيوية لذلك فان عقيدتهم فاسدة وهم من ألعن وأفسد البشر ولا يجوز مدحهم لأنهم كفار وليس بعد الكفر ذنب هذا ما أردت أن يفهمه شيخنا القرني ويا ليته يطلع على تعليقي هذا والسلام على من اتبع الهدى [[لم يعجبني:]] مقالة الشيخ القرني لا تنم عن فكر مستنير وان كان الشيخ من أصحاب الفكر العميق جدا.الشيخ القرني في مقاله المبتور ذكر الأعراض ولم يذكر أسبابها.كيف يريد الشيخ القرني منا أن تستقيم أخلاقنا أما علم الشيخ أن الناس على دين ملوكهم!!فكيف اذا تستقيم أخلاق أناس يحكمهم شر الناس ويتحكم في أمورهم الرويبضة والشيخ يعلم معنى الرويبضة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً