التوبة النصوح
إنَّ الإنسان بطبيعته مخلوقٌ ضعيف، يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات، ويقترف المعاصي، وذلك نتيجةَ الغفلة التي تستوْلي على قلبه، فتحجب بصيرتَه، ويُزيِّن له الشيطان سُبلَ الضلال، فيقع فيما حرَّمه الله عليه.. ورحمته الله تعالى بعباده تتجلَّى في توبته على العاصي بعد عصيانه، والمذنب بعد اقتراف ذنوبه، فرحمتُه وسعتِ البَرَّ والفاجر، بل وسعتِ السماواتِ والأرض.
الحمد لله الذي وسعتْ رحمتُه كلَّ شيء، وفتَحَ باب التوبة للمذنبين؛ للرجوع والإنابة إليه، ووعد بالمغفرة عبادَه التائبين، فهو القائل سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:8]، وأشهد ألاَّ إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، هَدَى الله به الخَلق، وأرشدهم به إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة.
وبعد: التوبة، وما أدراك ما التوبة؟! تلك الرحمة التي امتنَّ الله بها على عبادِه المذنبين، فلا يقنَط المذنب ولا ييأس من رحمة الله التي عمَّتِ السماواتِ والأرض، فقد فَتح باب َالتوبة أمامَ كلِّ عاصٍ ومذنب؛ فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
إنَّ الإنسان بطبيعته مخلوقٌ ضعيف، يرتكب الأخطاء، ويقع في المحظورات، ويقترف المعاصي، وذلك نتيجةَ الغفلة التي تستوْلي على قلبه، فتحجب بصيرتَه، ويُزيِّن له الشيطان سُبلَ الضلال، فيقع فيما حرَّمه الله عليه، ومهما بلغ الإنسانُ من التقوى والصلاح، فإنَّه لا يَسْلم من الوقوع في الأخطاء، ولا يُعصم من المخالفات، فالمعصوم هو نبيُّنا محمَّد عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السلام فهو القائل: « » (صحيح الترمذي).
هذه الرحمة الربَّانيَّة من ربِّ البرية بعباده تتجلَّى في توبته على العاصي بعد عصيانه، والمذنب بعد اقتراف ذنوبه، فرحمتُه وسعتِ البَرَّ والفاجر، بل وسعتِ السماواتِ والأرض؛ فقد قال سبحانه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156].
وفي الحديث: أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى وأصحابُه أُمًّا تضمُّ طفلها إلى صدرها بكلِّ عطف وحنان، فقال لأصحابه رضي الله عنهم: «البخاري:5540).
» قالوا: لا والله، قال: « » (أخرجه
ومن رحمته سبحانه وتعالى فَتَحَ بابَ الأمل أمامَ العاصين والمذنبين؛ للتوبة والرجوع إليه سبحانه فلم يكن الذنب مدعاةً للتمادي في الذنوب، ولم يكن لاقترافِ ذنب أن يُغلَق باب الرحمة والغفران.
يقول المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: «
» (أخرجه مسلم:4954).
ومن هنا ندرك كرمَ الله، ومَنَّه على عباده بالتوبة عليهم في هذا التوقيت الخاص، بل هو سبحانه يتوب عليهم كلَّ ليلةٍ أو يوم.
وفي شروط التوبة يقول الإمام النوويُّ رحمه الله تعالى: "قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كلِّ ذنب؛ فإن كانت المعصيةُ بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلَّق بحقِّ آدميٍّ، فلها ثلاثةُ شروط:
أحدها: أن يُقلعَ عن المعصية.
والثاني: أن يَندمَ على فِعْلها.
والثالث: أن يَعزمَ على ألاَّ يعودَ إليها أبدًا.
فإن فُقِد أحدُ الثلاثة لم تصحَّ توبته.
وإن كانت المعصية تتعلَّق بآدمي فشروطها أربعة:
هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حقِّ صاحبها، فإن كانت مالًا أو نحوه ردَّه إليه، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكَّنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غِيبةً استحلَّه منها، ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب مِن بعضها صحَّت توبتُه -عند أهل الحقِّ- من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكِتاب والسُّنة، وإجماع الأمَّة على وجوب التوبة". اهـ.
أخي المسلم:
إنَّ العبد مأمورٌ بالتوبة حتَّى الممات، وإذا كانت التوبة طريقَ الطاعات والأعمال الصالحة، فهي تفتح للعبد أبوابًا من المحبَّة، فهذا الطريقُ من أسرع الطُّرق إلى الله تعالى وهو يسمَّى بطريق الصبر، يسبق التائب بها السعادة.
فالتوبة التي يريدها الله منَّا، ويقبلها عنَّا، ويغفر بها لنا هي التوبةُ النصوح، التوبة الصادقة المخلصة التي يُبتغى بها رضا الله سبحانه.
توبة يرافقها العزمُ الأكيد على تَجنُّب الخطايا والذنوب.
توبة يُصاحبها العمل المخلص، والعبادة الخالصة لله سبحانه.
توبة تُحدِث تغيراتٍ في حياة المسلم، فتنقله إلى حياة الإيمان والعمل الصالح.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «
» (أخرجه الترمذي:3463).
فالأمَّة المحمديَّة أمَّةٌ مرحومة، بفضل الله وكرمه، الذي أنعم عليها برسولها صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد المستغفرين، الذي كان يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثرَ من مائة مرَّة، فهو إمامُ التائبين، الذي فضَّله الله وكرَّمه على الخَلق أجمعين، والأنبياء والمرسلين.
فتُبْ إلى الله أخي المؤمن واستغفرْه من كلِّ ذنب؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيِّدنَا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
طارق محمد امعيتيق
- التصنيف:
- المصدر: