عندما الجهود تنهار على ورقة الاختبار

منذ 2008-06-06

أين أثر التعليم على الطالبة طيلة تلكم السنوات؟!!!.. لم نعد نرى التميز الذي كنا نلمسه من قبل.. بل إنّنا أصبحنا نلحظ تدني مستويات التفكير، وتقلّص نسب الذكاء لدى الطالبات جيلًا بعد جيل.. وهذا ما أقلقنا حقيقة..


عندما ندقّ أجراس الإنذار معلنين بداية الاختبار أعود بذاكرتي للوراء.. عندما كنت طالبة.
كنا نستنفذ الطاقات، ونكثف الجهود، ونختزل الأوقات لأجل إعطاء هذا الحدث جلّ وقتنا حتى وإن كان على حساب نومنا وأكلنا وشربنا.

وكل ذلك يعكسه ما نحصّله من درجات، وما نناله من امتيازات، فيقطف منا المجدّ ثمرته على قدر اجتهاده وتعبه.. نعم كذا كنا.

واليوم نجد البون الشاسع والفارق الكبير بين أجيال اليوم وأجيال الأمس.. فالمعلمة تدخل الصف شارحةً مادتها بكل اقتدار، ملمة بما استجدّ من طرق تدريس، مدعمة درسها بالوسائل، حريصة على التماس الجانب النفسي للطالبات، مراعية الفروق الفردية، وما أن يحين موعد الاختبار تكون المعلمة قد قلبت الكتاب مع الطالبات رأسًا على عقب مراجعةً لدروسٍ سابقة، وشرحًا لمسائل مبهمة، واختصارًا لمواضيع مفصلة، ثم تأتي الأسئلة مقننة حسب الطلب، من كل بستان زهرة.. ولأنّ نفسية الطالبة في القمة لذلك يراعى خلال وضع الأسئلة وضوح الخط، وجودة التصوير، وقلّة المطاليب، وتنوع الأسئلة الموضوعية، و..، و.. ثم ماذا!!

عند التصحيح نرى العجب العجاب.. فالإجابات ركيكة ومتآكلة؛ عجز في التعبير، وقلة في التركيز، تكاد الطالبة لا تفقه ما تكتب، فالأجوبة أشبه ما تكون بالخربشة، نتأمل المرحلة الدراسية التي وصلت إليها الطالبة فنزداد تعجبًا..

أين أثر التعليم على الطالبة طيلة تلكم السنوات؟!!!.. لم نعد نرى التميز الذي كنا نلمسه من قبل.. بل إنّنا أصبحنا نلحظ تدني مستويات التفكير، وتقلّص نسب الذكاء لدى الطالبات جيلًا بعد جيل.. وهذا ما أقلقنا حقيقة..

إنّ التجديد في العطاء أمر ضروري بل هو المحور الأساسي في العملية التربوية.. وكلنا يسعى إلى رفع مستوى التعليم بشتى الوسائل الممكنة.. ولكن ما أردت إيضاحه والإسهاب في بيانه هو أن مقياس الاختبارات اليوم لم يعد راجح الكفة.. فلم نعد نراه يقيس المستوى العقلي والجهد المبذول بصدق كما كان يقيسه بالأمس.. لم يا ترى؟!!!.. ما هو الفرق بين جيلنا وجيلهم؟!!!

- المناهج هي المناهج.. بل ربما طوّرت وحسّنت.

- المعلمة.. لا يشك عاقل.. بل لا يختلف اثنين على أنّ التعليم في وقتنا صار كثير التبعات، وأنّ المعلم صار متعدد الالتزامات، ودرجة الرقابة شُدّدت عليه أكثر من ذي قبل، فبذل المعلم بالتالي تضاعف، وعطاؤه ازداد..

- الطالبة.. طالبة اليوم لم تعاني ما عانته طالبة الأمس.. طالبة الأمس ربّة بيت صغيرة إن لم تكن زوجة في بعض الأحيان.. طالبة الأمس واجهت شظفًا في العيش وقسوة في الظروف بينما طالبة اليوم تعيش جوًا من الرفاهية ليس له مثيل، بل إنّ الفراغ لديها أضحى مشكلةً في حد ذاته، الإمكانات المادية متاحة.. لا منغصات.. لا مسئوليات.

- الوالدين.. بالأمس يندر أن تجد أمًّا قارئة فضلًا أن تكون متعلمة، بينما في هذا الجيل تكاد تنعدم شريحة الأمهات الأميّات.. فالحال يدلّ على ازدياد نسبة الوعي داخل البيوت.. فطالبة اليوم لن تقف حائرة ولن تشعر بالإحباط كما شعرت طالبة الأمس.. فكلّ مشكلة لديها ستجد لها حل.. فالأب متعلم.. والأم متعلمة.

إذًا.. أين تكمن المشكلة؟!!.. وأين يوجد الخلل؟!!!...

على الرغم من هذه الأجواء المشجعة على العلم والتعليم نجد الهبوط الشديد في التحصيل، والتدني الهائل في القدرات العقلية.. وبعد تفكيرٍ وتمحيص، وبحثٍ وتنقيب عن أسباب هذه المعضلة، وجدنا أنّ أصابع الاتهام بدأت تتوجه أولًا وقبل كل شيء إلى المؤسسة التربوية الأولى في حياة الطالبة، والتي تعدّ أقوى مؤسسة تربوية على الإطلاق.. (الأسرة).. فنجدها تُعامل على أنّها طفلة، تكبر وتبلغ ويشتدّ عودها وهي لا تزال في نظر والديها طفلة، لا توكل إليها مسئولية، ولا تكلّف بعمل، محاصرة بالدلال، محاطة بالرفاهية، فـقل إنتاجها العملي وهذا بدوره أثر تأثيرًا بالغًا على إنتاجها العقلي وإنجازها العلمي، لذلك نراها ـ وهذا أمر ملموس ـ تضيق ذرعًا إذا كثرت عليها الدروس، وتكتئب إذا زادت عليها الضغوط التي تعتبر طبيعية لمن هم في مثل سنها.. لماذا؟!!
لأنّها واجهت ما خالف طبيعتها، وغيّر نظام حياتها التي اعتادت عليها أو بمعنى أصحّ عوّدت عليه..

ثانيًا/ تقليص أهمية العلم.. فنجد أنّ اهتمام الأهل انحصر في حجم التحصيل الدراسي متناسين الهدف الأصلي من التعليم وهو الرقي بالمستوى العقلي والديني والتربوي والأخلاقي للدارسة.. فـنجد الطالبات ـ وهذا أمر محزن ـ قد خرجن من المدارس كما دخلن غير أنّ مسمى المرحلة يختلف من سنة إلى أخرى.. فلو أعطي للعلم قيمته، وأشعرت الطالبة بأهمية حيازته، لتغيرت النظرة إلى ما تتلقاه من علوم، و لأبدعت ونبغت.. ولا ننسى أنّ هذه المسألة لن يعجز عنها الوالدان المتعلمان.

الثالث/ وسائل الإعلام.. والتي تمثل عامل قوي لا يستهان به.. فمع كثرة قنواته، وتعدد مصادره، صار ينافس البيت والمدرسة في التربية بل في كل شيء..فلم يعد الكتاب له مكان في حياة الطالبة، ولم تعد القراءة لها هواية كما كانت بالأمس، ولم يعد القلم الجميل يجد إلى أناملها طريقًا.. فلما اجتمع إلى ذلك كلّه الفراغ القاتل، والنقص في التوجيه، وقلة الرقابة على هذه الوسائل تسربت الجهود، وضاعت الطاقات.. فالتركيز بحدّ ذاته على ما يعرض على هذه الشاشات بغض النظر عن ما تحمله من أخطار جعل ينخر كالسوس في عقول وقلوب الفتيات، فأورثهن ذلك خواء في الفكر، وتشتت للذهن، وصعوبة في الاستيعاب، ونقص في الإدراك، فضلًا عن ما تحمله هذه الوسائل من سموم أضعفت لدى الطالبة الكثير من القيم والمبادئ التي تتعلمها كل يوم، وهذا التصادم يولد بدوره المزيد من التبلّد.

الرابع/ تبسيط المعلومات وكثرة التسهيلات.. وهذا الجانب تشترك فيه المدرسة مع البيت على حدٍ سواء.. وذلك عند عرض الدروس، أو أثناء طرح الواجبات، أو خلال الامتحانات.. فالمعلومة التي تحتاج إلى استيعاب وتركيز تـُنحى جانبًا، والمسألة الصعبة ليست واردة في الاختبار، بل ربّما حذفت من باب التخفيف والتسهيل، الموضوع الطويل يختصر إلى الربع،.... وهكذا.. والطالبة في معظم الأحوال تقشر لها التفاحة وتعصر دون أدنى جهد مبذول من قبلها.. المهم أنّها تنجح وتجتاز.. وهذا ما أضعف قدرات الكثيرات.. فمن المعلوم أنّ الصعوبة في معظم الأحيان تساعد على تثبيت المعلومة وترسيخها في الذهن.. وهذا شيء مجرب ومعلوم.. فما أتى بسهولة ذهب بسهولة.. والمعلومة السهلة الميسرة سرعان ما تتلاشى وتذهب أدراج الرياح لأنّ العقل لم يحتويها الاحتواء المطلوب.

لذلك أؤكد وبقوة على ضرورة المسارعة في وضع الحلول الممكنة لعلاج هذه المشكلة.. ورأب هذا الصدع الذي بدأ يظهر واضحًا جليًا في السنوات الأخيرة.. فالطالبة التي نبنيها يوما بعد يوم فكريا وعقليًا وعلميًا نجد أنّ جهودنا معها تنهار على ورقة الاختبار.. حينما تضرب المعلمة أخماس في أسداس بل ربّما سكبت العبرات وهي تجني ثمرة جهدها علقمًا وصبرًا.. فأين أثر العلم؟!!!

لم بعد يهمنا ما تحصله الطالبة من درجات بقدر ما يهمنا ما تصل إليه من وعي وما تبلغه من نضج.
نريدها فتاة قادرة على التعبير، تعي ما تنطق، وتتدبر ما تسمع، اكسبها العلم وقار حامله، وأخلاق ناقله.

نريدها فتاة مؤهلة لحمل المسئولية التي ستلقى على عاتقها في الغد.. نريد أن نسلمها الأمانة وكلنا أمل أن نرى فيها امتداد لما قدمناه من عطاء وما بذلناه من جهد.. وسنسعد أكثر وأكثر عندما نراها تنافسنا وتتفوق علينا لأنّنا بذلك سنحظى بأعظم شهادة شكر قُدمت لنا.



مريم أحمد الأحيدب








المصدر: منقول
  • 0
  • 0
  • 6,057

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً