الاستدلال بقول: المسألة فيها خلاف

منذ 2014-05-30

وأننا إذا أخذنا بما خالف الدليل من الأقوال، فإنه يفترق بنا عن سبيل الله ويوقعنا في سبيل التيه والضلال، كما أخبر عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، ولما استشكل عدي بن حاتم رضي الله عنه اتخاذهم أربابًا من دون الله بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخاذهم أربابًا معناه طاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله..

قال الله تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[النساء:59]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنه مَنْ يَعِشْ منكم بعدي فسَيَرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتِي، وسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِييْنَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بها، وعَضَّوا عليها بالنَّواجِذِ» (مجموع الفتاوى [11/622])، الحديث هكذا يأمرنا الله ورسوله أننا عند اختلاف العلماء في حكم مسألة من المسائل أننا نأخذ من أقوالهم ما له دليل من الكتاب والسنة ونترك ما خالف الدليل لأن هذا علامة الإيمان بالله واليوم الآخر ولأنه خير لنا وأحسن عاقبة. 

وأننا إذا أخذنا بما خالف الدليل من الأقوال، فإنه يفترق بنا عن سبيل الله ويوقعنا في سبيل التيه والضلال، كما أخبر عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، ولما استشكل عدي بن حاتم رضي الله عنه اتخاذهم أربابًا من دون الله بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن اتخاذهم أربابًا معناه طاعتهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، وكثير من الناس اليوم إذا رأيته على مخالفة ونهيته عنها قال لك: "المسألة فيها خلاف"، فيتخذ من الخلاف مبررًا له في ارتكاب ما هو عليه ولو كان مخالفًا للدليل فما الفرق بينه وبين ما كان عليه أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله؟

فالواجب على هؤلاء أن يتقوا الله في أنفسهم ويعلموا أن وجود الاختلاف في المسألة لا يجيز لهم مخالفة الدليل، حتى صار كثير من الجهال يتتبع الأقوال المسجلة في الكمبيوتر نقلًا عن كتب الخلاف فيفتي بما يوافق هواه من تلك الأقوال من غير تمييز يبنى ما كان عليه دليل صحيح وما ليس عليه دليل، إما لجهل منه أو عن هوى في نفسه والجاهل لا يجوز له أن يتكلم في شرع الله بناء على ما قرأه ورآه في عرض تسجيلي، وهو لا يعرف ما مدى صحته وما مستنده من الكتاب والسنة، والله لم يأمرنا بالرجوع إلى مجرد ما في الكتاب الفقهي من غير فهم بل أمرنا بسؤال أهل العلم حيث قال سبحانه {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل من الآية:43]، وصاحب الهوى لا يجوز له أن يتخذ هواه إلهًا من دون الله، فيأخذ من الأقوال ما يوافقه ويدع ما لا يوافقه.


قال الله تعالى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ[القصص من الآية:50]، {أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43]، ولا يجوز لمن كان عنده علم أن يلتمس للناس ما يوافق أهواءهم فيضلهم عن سبيل الله بحجة التيسير فالتيسير إنما هو بإتباع الدليل لئلا يكون من الذين قال الله فيهم {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل من الآية:25]، وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. 

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية

  • 4
  • 0
  • 3,546

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً