إمتاع الخلان بفوائد مجالس العلوان - (4) فوائد عن أحاديث الرسول (العبادات)
التفاؤل محمود وهو من سنن الأنبياء والمرسلين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، وأما التشاؤم فهو مذموم وكان الصحابة رضي الله عنهم يكرهونه؛ لأنه من عمل أهل الجاهلية، والتشاؤم فيه شيء من الطيرة، والطيرة هي ما أمضاك أو ردّك، أما إذا لم يمضه أو يرده فهو ليس تطير، والطيرة أعم من التشاؤم وأقبح لأن الطيرة شرك، والتوكل يذهب الطيرة، وحسن الظن بالله يذهب التشاؤم، وقد يقول بعض الناس أن هناك من يتشاءم ويقع ما تشاءم منه، نقول هذا قدر الله تعالى..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.. استكمالاً لما سبق، هذه المجموعة الرابعة (خمسون فائدة) من سلسلة فوائد شيخنا سليمان العلوان، أسأل الله لي ولك العلم النافع والعمل الصالح، وإليك أخي القارئ ما سطرته من فوائد شيخنا:
1- البيوع المحرمة يرجع تحريمها إلى ثلاثة علل: (الربا، والقمار، والغرر)، فإذا لم توجد فيه أحد الثلاث علل فالأصل الجواز؛ لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ} [البقرة من الآية:281].
2- أكثر ما تأتي الوساوس على حديث العهد بإسلام أو حديث عهد بإلتزام، إذ يسلط الشيطان عليه أعوانه.
3- قوله صلى الله عليه وسلم : «ذاك صريح الإيمان» (صحيح مسلم:132)، أي أن الشيطان لم يتسلط على هذا الإنسان بالوسواس إلا لقوة إيمانه.
4- الشيطان يتدرج على العبد فيوقعه بالمفضول، ثم الصغيرة ثم الكبيرة ثم البدعة ثم الكفر.
5- أكثر ما يحصِّله الشيطان من العبد النزاع والفراق، وفي صحيح مسلم: «ينصب الشيطان عرشه على الماء فلا يزال حتى يفرق بين الرجل وامرأته».
6- قال بعض السلف: "من يقدر على فعل الفضائل فلتكن من فضائله ترك الرذائل".
7- بيعة الرجل لا تكون إلا بمشورة المسلمين.
8- الديمقراطية من شعارات الكفر، وفرق بينها وبين الشورى، الديمقراطية تجمع خشاش الأرض، فإن فيها مشورة أهل الزيغ والنفاق والمنحلين والضالين، أما الشورى فهي لأهل الحل والعقد، وبعضهم يخلط يظن أن تطبيق الديمقراطية هو نوع من أنواع الشورى وهذا غلط، ويكفي في الديمقراطية أنها تصوت على الإسلام وتطبيقه وهذا كفر.
9- التفرق من أسباب ضعف المسلمين، والتنازع من أسباب ذهاب دولة المسلمين وفشلهم.
10- قوله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» ليس المراد العلم وإنما البصيرة، فإن العبد قد يؤتى علماً ولا يؤتى بصيرة، والبصيرة هي أن يميز بين الحق والباطل، والبصيرة لا بد لها من علم ولكن لا تلازم، قد يكون عالماً بلا بصيرة.
11- البصيرة لها أسباب كالتقوى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال:29]، أي تفرقون به بين الحق والباطل، والرجل إذا حُرم البصيرة فما أراد الله به خيرًا.
12- القصة المشهورة في فعل خالد بن الوليد في شربه السم متوكلاً على الله، حديث إسناده صحيح.
13- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخرج البُرّ في زكاة الفطر، وإنما ثبت عن الصحابة على الصحيح، ولكن نفهم من إجماع الصحابة على إخراج البر جواز إخراج الأرز، لأن الصحابة أخرجوا البر لأنهم فهموا جواز إخراج الزكاة من طعام الناس، لقوله: «أو صاعًا من طعام» وهو ما يأكله أهل البلد.
14- أما نصف صاع من بُرّ فهذا لم يتفق عليه الصحابة، ولذا قال أبو سعيد رضي الله عنه: "أخرجه كما كان يخرجه النبي صاعًا.."، فالصواب لا يخرج نصف صاع من بُرّ وليس عليه إجماع الصحابة والمرجع في ذلك النص.
15- سئل عن برامج تخريج الحفظة التي تكون في آخر الفصل الدراسي؟
فأجاب بأن المساجد لم تبن لإقامة الاحتفالات، وإيجاد المأكولات والمشروبات وتصوير المساجد بمن فيها، وإنما بنيت لطاعة الله تعالى، والمساجد لا يجوز فيها التصوير وعليه فلا يحضرها، ومن العجائب والعجائب جمة أن من الناس من ينشغل بتصوير خطبة الخطيب وهذا عبث ومنكر، ومن مس الحصى فقد لغا، حتى الصلاة يصورها!
16- الستة الذين تدور عليهم أحاديث السنة هم:
1- الزهري في المدينة.
2- عمرو بن دينار في مكة.
3- يحيى بن أبي كثير في اليمن.
4- قتادة بن دعامة السدوسي في البصرة.
5- الأعمش في الكوفة.
6- أبوإسحاق السبيعي في الكوفة.
17- أفضل نسخ مسند الإمام أحمد، نسخة تحقيق الأرناؤوط ميزتها وجود التخريج، ونسخة دار المنهاج أقوى وأضبط في اللفظ، ولذا أنصح كل طالب علم بالنسختين.
18- سئل عن مشروعية طواف الوداع للمعتمر؟
فأجاب: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات ولم يودِّع في واحدة من ذلك، وقد ذهب طائفة من العلماء أنه لا وداع للمعتمر؛ لأنه لو كان واجباً لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّنه الصحابة، وذهب جماعة من الأئمة إلى وجوبه لحديث ابن عباس: «أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف»، وهذا يعم المعتمر، وذهب شيخ الإسلام إلى أن طواف الوداع لا علاقة له بالنسك وإنما لكل مودِّع للبيت، والأظهر أنه غير واجب.
19- ومما ينبَّه له أن من طاف وسعى وخرج مباشرة فإنه لا يجب عليه الطواف حتى عند القائلين بوجوب طواف الوداع، ويستدلون بأن عائشة طافت وسعت وخرجت ولم تطف، وأيضا قالوا لأن الفاصل يسير فهو لازال في العبادة، ومن الناس من لا يستطيع بعد طوافه الوداع أن يخرج مباشرة؛ لزحمة الطريق أو الاشتغال بالعفش، أو الاشتغال بما يتعلق بذلك، وربما يجلسون الساعتين وهذا لا يؤثر ولا يلزم منه إعادة طواف الوداع إن أراد أن يودع البيت بعد حجه مثلا.
20- المحرّمات في الشريعة لا زكاة فيها كالدخان والخمر وآلات المعازف، ليس تخفيفًا عنه ولكن هذا المال خبيث لا يطهره شيء إلا أن يخرجه.
21- شخص يبيع ويشتري بالأسهم وحال عليه الحول، فإنه يزكي أسهمه ولو كان معها ربح ما قبل الشهر فإنه يتبع أصله.
22- شخص عنده أراضٍ ومرَّ عليها عشرة أشهر، ثم ألغى فكرة البيع ويريد أن يجعلها استراحة له مثلاً، فلا زكاة فيها، حتى لو ألغاها قبل أسبوع من تمام الحول فلا زكاة فيها ما دام بلا تحايل، أما المتحايل فيعامل بنقيض قصده.
23- وردت آثار عن بعض الصحابة بأن هذا القرآن قد شق عليهم حفظ حروفه وسهل عليهم العمل به، وسيأتي أقوام عكس هؤلاء يشق عليهم العمل به، وتسهل عليهم حروفه، إلا أن الآثار الواردة بهذا المعنى لا تصح، وورد بسند صحيح عند أبي داود أنه في آخر الزمان يفتح القرآن فيقرأه الصغير والكبير والحر والعبد وهذا هو الواقع اليوم، فإن القرآن فُتح على أكثر الخلق وهذا مما يجعلنا نقول لهذا الأثر حكم المرفوع لأنه لا مجال للاجتهاد فيه.
24- حديث: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها» الخبر رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد روى هذا الخبر جماعة من الحفاظ، وقد ذكر أبوداود أن الناس على إرساله، وهو قول أكثر الحفاظ، فلم يذكروه عن عائشة رضي الله عنها، وقد اختلف في رواية البخاري عن عائشة له ما السبب؟ فأجيب: بأنه لما كان عروة مختص بعائشة بنى البخاري على هذه القرينة، لكن الذين سلكوا الجادة هم الحفاظ الذين لم يرووه عن عائشة رضي الله عنها.
25- سئل عن التشاؤم والتفاؤل؟
فأجاب: التفاؤل محمود وهو من سنن الأنبياء والمرسلين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل، وأما التشاؤم فهو مذموم وكان الصحابة رضي الله عنهم يكرهونه؛ لأنه من عمل أهل الجاهلية، والتشاؤم فيه شيء من الطيرة، والطيرة هي ما أمضاك أو ردّك، أما إذا لم يمضه أو يرده فهو ليس تطير، والطيرة أعم من التشاؤم وأقبح لأن الطيرة شرك، والتوكل يذهب الطيرة، وحسن الظن بالله يذهب التشاؤم، وقد يقول بعض الناس أن هناك من يتشاءم ويقع ما تشاءم منه، نقول هذا قدر الله تعالى..
وأما هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يحب التفاؤل ويحب الاسم الجميل ويتفاءل به، فحين جاءه سهل قال سهل أمرنا، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتشاءم بالاسم القبيح وإنما كرهه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن يكن الشؤم في شيء ففي الدار والدابة والمرأة"، وليس المقصود أن الدار مشؤمة في ذاتها وكذلك الدابة والمرأة، وإنما المقصود أنه ربما يقع على شخص دون آخر، فقد لا يوفق الأول في دار أو امرأة أو دابة ويوفق الآخر، وربما يكون الواقع من عدم التوفيق عليه بسبب العين ولذا إن وقع في شيء فليتحول إلى غيرها، وجاء في سنن أبي داود بسند صحيح: "جاء رجل يا رسول الله إن كنا في دار كثير فيها عدد كثير من أموالنا فتحولنا إلي دار أخرى فقلَّ فيها عددنا وقلّت فيها أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذروها فإنها ذميمة».
26- سئل عن حكم جمع العصر مع الجمعة؟
فأجاب: الجمعة لا تجمع مع العصر وهو قول الجمهور منهم الأئمة الأربعة، بل المنع مطلقًا رواية واحدة عنهم، والقول بالمنع أقوى، وتقدم بيان المسألة.
27- سئل عن حكم الشغار وصورته، وهل العقد يبطل؟
فأجاب: الشغار هو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وقد أخذ بعض الفقهاء أنه إذا كان بينهما صداق صار حلالاً وهذا فيه نظر؛ لأن شرط الصداق هو من قول نافع لا من قول النبي صلى الله عليه ولا ابن عمر رضي الله عنهما، والصواب حرمته ولو كان فيه صداق، ولذا ابن عمر رضي الله عنهما لما علم أن رجلاً زوج ابنته بهذه الصورة حكم بالفصل بينهما، وهذا رواه أبو داود بسند صحيح، وهذا ما ذهب إليه أحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم، وعليه فالشغار محرم ولو كان بينهما صداق ويُعدّ العقد باطلاً: لأن التحريم جاء في نفس العمل.
28- سئل عن أصول الأئمة الأربعة في الأصول والاستنباط؟
فأجاب: أصول الأئمة الأربعة في ذلك:
الأصل الأول: هم متفقون على الأخذ من الكتاب والسنة.
الثاني: ذهب الجمهور خلافاً لأبي حنيفة إلى الأخذ بقول الصحابي إذا لم يعارضه أحد، وجاء عن أبي حنيفة أيضًا أنه قال: "إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن الصحابي فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن التابعي فهم رجال ونحن رجال"، وهذا ظاهر أنه يوافق الأئمة في الأخذ عن الصحابة، بخلاف ابن حزم الظاهري فإنه لا يأخذ بقول الصحابي.
وبالجملة هم يقدمون الكتاب والسنة ويقدمون قول الصحابي.
الأصل الثالث: الإجماع كل الأئمة يقولون به سواء كان قطعيًا أو ظنيًا.
الأصل الرابع: القياس، والأئمة الأربعة يقولون به ولكن أبا حنيفة توسع فيه، وكان كثير من الأئمة يعارضونه في هذا، وأما بقية الثلاثة فإنه يعملون القياس عند الحاجة إليه بشروطه، وأما الأحناف فإنهم يتوسعون في القياس وربما قدموه على النص، وقد يقال في سبب هذا أن الأحناف لا يحفظون إلا القلة من الأحاديث فقد ورد أن أبا حنيفة لا يحفظ إلا خمسمائة حديث.
ومن المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة جواز أن يتعامل المسلم مع الكافر الحربي في الربا، وهذا يشاركه فيه أحمد في رواية له، وهذا غلط ولذا ذهب الجمهور إلى المنع مطلقًا وهو قول مالك والشافعي وأحمد في رواية له، ولأنه لو رابى صار ملعونًا، ومن ذلك أن أبا حنيفة يجوِّز بيع الخمر على الكفار وهذا غلط لأنه طريق لاستمرائه وتصنيعه، فلا يجوز بيعه لا على حربي ولا كتابي ولا غيره، وهو قول الجمهور.
29- المسلم لا يُقتل بالكافر أبداً ولو قتل ألف نفس، ولو كانوا معاهدين، نعم يتم تعزيره، وبعض الفقهاء قال يُقتل تعزيرًا وهذا غلط والصواب لا يقتل مسلم بكافر مطلقًا، لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري: «وألا يقتل مسلم بكافر» (صحيح البخاري:111).
30- قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» (صحيح ابن حبان:74)، ليس المقصود بهذه الأحرف القراءات السبع.
31- سئل عن عبارة: "الترخص بما عمت به البلوى"؟
فأجاب: الفقهاء يذكرون هذا وقت الحاجة للعمل بشيء، وهي متفرعة عن قاعدة المشقة تجلب التيسير، والفعل التي تعم به البلوى فإن الرخصة حاضرة فيه، ولكن لا يلزم من ترخص شخص أن يترخص الآخر إلا إذا كان في حاله كحاله، وهذا داخل في الترخيص بالمحرم عند الضرورة كترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير، فلو غلبت الحكة مثلاً على الناس ترخصوا بالحرير، فإن زالت بلوى علة الحكم زال الحكم، ومن هذا القبيل التأمين فالأصل أنه لا يجوز فهو من القمار وهو من أكبر الكبائر، ولكن مما عمت به البلوى ولذا لا تستطيع شراء سيارة إلا به، فالإثم على من ألزم به ولا بد أن تكرهه في قلبك، ولكن إذا ذهبت البلوى رجع الحكم كما كان.
32- سئل عمن جمع بين الظهر والعصر جمع تقديم، متى يبدأ وقت النهي في حقه؟
فأجاب: الفقهاء الذين يقولون لا صلاة بعد العصر، وقت النهي عندهم يبدأ بعد الصلاة وهو قول الجمهور، وأما القول الذي نذكره مرارًا أن النهي يبدأ من الأصفرار هو الأظهر.
33 حماد بن سلمة من أشد الناس على أهل البدع، وكان أهل البدع يعادونه، وكان الأئمة كالإمام يقول أحمد من كان يطعن بحماد بن سلمة فهو يطعن بالسنة.
34 قوله: «طهرة للصائم» خرج مخرج الغالب، فإن زكاة الفطر واجبة بالإجماع ولو لم يصم العبد كالحائض والنفساء والمريض ونحوهم.
35- أما الحمل فلا تجب عليه الزكاة؛ لأنه غير مخاطب، وجاء عن عثمان أنه يخرج عن الحمل، وهذا الأثر ضعيف، فالصواب لا تجب في حقه زكاة الفطر.
36- الأفضل للشخص إذا كان يعيش عند والده أن يخرج هو عن نفسه زكاة الفطر، وإن أخرج عنه والده لا حرج لكن لا بد أن ينوي، فالأب ينوي يخبر أولاده أنه سيخرج عنهم، أما إذا لم ينو فلا تجزئ، وكذلك المرأة إن استطاعت أن تخرج هي عن نفسها فهو أفضل وأزكى لمالها، وإن أخرج زوجها عنها أجزأ.
37- الصاع يساوي كيلوين وثلث، ومن الأفضل أن يصطحب الرجل أبناءه ويريهم الصاع ويكيل أمامهم ففي هذا تعليم لهم، ليس كحال أبناء اليوم، وأذكر يوم كنا صغاراً أعمارنا أربع سنوات ونحوها نذكر كيف كان يفعل بنا آباؤنا، وكيف كانوا يقسمون الزكاة من الليل ويحزمونها، هذه خيشة فلان وهذه خيشة فلان لم نزل نذكرها.
38- جاء في الحديث الصحيح في الأمالي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من علم رجلاً آية من القرآن كان له أجرها ما تُليت»، ولذا لا يسبقك أحد في تعليم ولدك الفاتحة.
39- سألته عن الحديث الذي رواه البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من تَعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته»" ما معنى (من تعار)؟ أي من فزع أو من تنبه من ليله؟ فقال: من تنبه.
40- سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا بُيِّتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون»؟
فأجاب: حديث صحيح أخذ منه الفقهاء أن قائد السرية يجعل لهم شعارًا يقولون به، سواء كان كلمة أو بالأفعال كاللباس أو الرايات، وهذا من المصالح المرسلة حتى يتميز المسلمون من الكفار لئلا يلتبس الأمر.
41 سئل عن حديث: «اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك»؟ (صحيح مسلم:1847)، فأجاب: بأنه خبر ذكره مسلم في صحيحه في غير الأصول، وهو خبر معلول، فإن أبا سلَّام لم يسمع من حذيفة قاله الدار قطني وجماعة من الحفاظ، وروي من غير هذا الوجه عند أحمد ولا يصح، وروي من وجه آخر عند ابن حبان وهو معلول، ولا يصح في هذا شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هذا الحديث معروفًا لاحتج به الصحابة على عبد الله بن عمرو بن العاص حين تجهز لقتال الخليفة في عصره، واحتج ابن عباس بقول النبي صلى الله عليه وسلم «من قتل دون ماله فهو شهيد» وهو خبر متفق عليه.
42 سئل عن حكم اجتماع العبادات في نية واحدة؟ فأجاب: بان هذا فيه تفصيل فمنه الجائز ومنه الممنوع:
القسم الأول: العبادات المطلقة تتداخل وقد تجتمع أربع عبادات وله أجر النية، فمن ذلك من قدم من السفر في الضحى وتوضأ ونوى بوضوئه ركعتي القدوم، وركعتي الوضوء، وصلاة الضحى، وتحية المسجد فهو يؤجر على الأربع، وأضاف بعض فقهاء الحنابلة عبادة خامسة وقال لو نوى الاستخارة لصح ذلك وعليه فيجمع الخمس بصلاته هذه.
القسم الثاني: أن تكون عبادة مقيدة وعبادة مطلقة ففي هذه الحالة يدخل المطلق بالمقيد، فمن كان يصوم يوما ويفطر يوما، ووافق يوم صيامه عرفة أو عاشوراء فإنه يدخل هذا بهذا وينال الأجرين.
القسم الثالث: أن تكون العبادتان مقيدتين وكل واحدة مقصودة لذاتها، فالظاهر في هذا أن العبادتين لا تتداخلان، فمن فاتته الركعتان قبل الظهر فإنه يستحب له القضاء بعد الظهر، ولو نوى بها السنة القبلية والبعدية لم يجزئه ذلك؛ لأن كل عبادة مرادة لذاتها؛ ولأنه لو نواهما بنية واحدة لم يصل لله ثنتي عشرة ركعة كما جاء في الحديث وإنما صلى عشر ركعات.
43- سئل كيف يعرف الشخص أن هذا الشيء بدعة؟ فأجاب: بأن البدعة الإحداث في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (صحيح مسلم:1718)، ولا بد للمسلم أن يعرف بأن الأصل في العبادات البطلان إلا ما استند إلى دليل، ولا بد أن يعرف بأن العبادات مبنية على التوقيف، وكل أمر انعقد سببه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة، ولم يفعلوه فالتعبد به بدعة، ومن ذلك الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، هذا العمل بدعة مع خلوه من الشركيات فكيف معها؟
النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل ولم يجوِّز الاحتفال بمولده، والصحابة أحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد رجل أحب للنبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة المهاجرين والأنصار ومع ذلك لم يحتلفوا، والعجيب أن الذين يحتفلون بالنبي صلى الله عليه وسلم هم في الأغلب من أرباب الذنوب والمعاصي، وقد اختفوا عن الحقائق حين سُبَّ النبي صلى الله عليه وسلم.
44 وأما تقسيم البدع إلى قسمين مضلة وحسنة فهذا لا أصل له، فليس هناك بدعة حسنة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل بدعة ضلالة» وعند النسائي بسند صحيح «وكل ضلالة في النار»، وأما قول عمر رضي الله عنه" "نعمة البدعة هذه" فمراده البدعة اللغوية؛ لأن البدعة الشرعية ما لم تكن على غير مثال سابق، والتي أرادها عمر رضي الله عنه لها مثال سابق حيث فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وتركها مخافة المشقة على أصحابه.
45 سئل عن كتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي؟
فأجاب: بأن أبا حامد صاحب الإحياء أشعري متأثر، وكتابه الإحياء على ما فيه من الفوائد قد يكون أفضل من تكلم عن القلوب، وهو عالة على من جاء بعده بما فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، إلا أنه ملأ كتابه بالبدع والضلالة، وكان العلماء ممن جاء بعده يسمون كتابه كتاب إماتة علوم الدين، ولقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية حينما سُئل أثنى عليه وبيَّن ما فيه من ضلال.
46 سئل هل النبي صلى الله عليه وسلم كلَّم الله تعالى؟
فأجاب: قال ذلك جماعة من العلماء محتجين بقصة الإسراء، حين أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج به، وفرضت عليه خمسون صلاة فجعل يراجع ربه جل وعلا حتى جعلها خمس صلوات، وظاهر اللفظ أن المراجعة بين الله تعالى وبين النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، وعلى هذا لا يختص موسى بالتكليم، فقوله "وكلم موسى تكليمًا" لا ينفي أنه كلَّم غيره، كقول النبي صلى الله عليه وسلم "وأبو عبيدة أمين هذه الأمة" لا يعني ألا يوجد غيره ممن هو أمين، بل فيه من هو أكثر أمانة كأبي بكر رضي الله عنه، والأظهر أن الله تعالى كلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
47 سئل عن الجمع بين الصلاتين من غير خوف ولا مطر؟
فأجاب: جمع النبي صلى الله عليه وسلم سبعًا وثمانيًا من غير خوف ولا مطر، قيل لابن عباس لماذا جمع قال: "لئلا يحرج أمته"، وهذا ضابط الجمع، فإذا كان بترك الجمع مشقة فإنه يجمع وإلا فلا يجمع، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من الكبائر الجمع بين الصلاتي من غير عذر"، وقد صحح ابن كثير هذا الأثر، والناس اليوم في الجمع ما بين إفراط وتفريط وفيهم المعتدلون، طبقة يجمعون حتى مع الرذاذ ولا عوائق تمنعهم وهذا غلط، وطبقة لا يجمعون أبدًا حتى مع وجود الأمطار وظلمة الليل، وهؤلاء ربما لا يجمعون حتى تتهدم البيوت وما علموا أن الجمع للحاجة وليس للموت، والجمع يختلف من حال إلى حال ومكان إلى مكان، فقد نجمع في هذا الحي ولا يجمع حي آخر، وقد نجمع لعذر وأنت عذر يبيح لك الجمع، ولذا من الأخطاء بعضهم يسأل جماعة في حي آخر هل جمعتم حتى نجمع وهذا غلط، والعذر يقدره إمام المسجد، ويُنظر أضعف المأمومين فيه.
48- سئل عن أي شيء يوزن يوم القيامة؟
فأجاب: صحت الأدلة بأن الذي يوزن تارة الرجل وتارة أعماله، والميزان له كفتان كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند الترمذي، وسألته وهل للميزان (لسان) فأجاب: "بأنه ورد لكن سنده ضعيف".
49- لا مانع أن يُعطي الرجل زكاة فطره مسكين واحد، ولو علم أنه سيبيعه؛ لأن المقصد إغناؤه، والأعظم للأجر والأكثر للثواب أن ينظر أحوج الناس لها لا من ربما يستغني عنها ببيعها بأقل من سعرها، وإن كان هذا مجزئ كما تقدم.
50- سئل عن تقديم الزكاة عن وقتها؟
فأجاب: بأن في المسألة خلاف: ذهبت طائفة لعدم الجواز، ويقولون أنها لا تجزئ وأنها بمنزلة الصلاة قبل وقتها، والكفارة قبل الحلف، وذهبت طائفة أنه يجوز للحاجة، وورد في هذا خبر عند أحمد وغيره ولكنه معلول، وجاء في الصحيحين قال العباس: "فهي علي ومثلها معها" أي علي هذه السنة ومثلها، وهذا تفسير لهذا الخبر واختاره شيخ الإسلام وعلى هذا لا ينبغي التقديم إلا عند الحاجة، ومثال الحاجة رجل فقير في وسط السنة ولا عنده من يعطيه ولا عندك استعداد تعطيه من عندك فيجوز لك تقديمها لحاجته.
عبد الله بن حمود الفريح
حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.
- التصنيف:
- المصدر: