لا تحزن - اطمئِنُّوا أيُّها الناسُ

منذ 2014-06-02

في كتاب "الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ" أكْثر منْ ثلاثين كتاباً، كلُّها تُخبرُنا أنَّ في ذروة المُدلهِمات انفراجاً، وفي قمَّةِ الأزماتِ انبِلاجاً، وأنَّ أكثر ما تكون مكبوتاً حزيناً غارقاً في النكْبةِ، أقْرَبُ ما تكونُ إلى الفتْحِ والسُّهُولةِ والخروجِ منْ هذا الضَّنْكِ.

  • اطمئِنُّوا أيُّها الناسُ: في كتاب "الفَرَجِ بعد الشِّدَّةِ" أكْثر منْ ثلاثين كتاباً، كلُّها تُخبرُنا أنَّ في ذروة المُدلهِمات انفراجاً، وفي قمَّةِ الأزماتِ انبِلاجاً، وأنَّ أكثر ما تكون مكبوتاً حزيناً غارقاً في النكْبةِ، أقْرَبُ ما تكونُ إلى الفتْحِ والسُّهُولةِ والخروجِ منْ هذا الضَّنْكِ، وساق لنا التَّنوخيُّ في كتابِه الطويل الشائقِ، أكثَرَ منْ مائتي قصَّةٍ لمن نُكبُوا، أو حُبسُوا أو عُزلُوا، أو شُرِّدُوا وطُردُوا، أو عُذِّبُوا وجُلدُوا، أو افتقرُوا وأملقوا، فما هي إلا أيام، فإذا طلائع الإمداد وكتائب الإسعاد وافتْهم على حين يأس، وباشرتْهم على حين غفلةٍ، ساقها لهم السميع المجيب.
    إنَّ التنوخيَّ يقولُ للمصابين والمنكوبين: اطمئنُّوا، فلقد سبقكُم فوقٌ في هذا الطَّريقِ وتقدَّمكم أُناسٌ:

صحِب الناسُ قبْلنا ذا الزَّمانا *** وعناهُم مِنْ شأنِهِ ما عنانا
رُبَّما تُحْسِنُ الصَّنِيع ليالِيه *** ولكنْ تُكدِّرُ الإحْسانا

إذنْ فهذه سُنَّةٌ ماضية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ}، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}. إنها قضيَّةٌ عادلةٌ أنْ يُمحِّص اللهُ عباده، وأنُ يتعَّبدهم بالشّدَّةِ كما تعبَّدهُمْ بالرخاءِ، وأنْ يُغايِر عليهم الأطوار كما غاير عليهم الليل والنهار، فلِم إذن التَّسخُّطُ والاعتراضُ والتَّذمُّرُ {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ}.
 

  • وقفـة: منْ لطائفِ أسرارِ اقترانِ الفرج بالكرْب، واليُسْرِ، أنَّ الكرب إذا اشتدَّ وعظُم وتناهى، وحصل للعبد اليأسُ من كشْفِه من جهةِ المخلوقين تعلَّق باللهِ وحده، وهذا هو حقيقةُ التَّوكُّلِ على اللهِ.
    وأيضاً فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيِس منه كثْرةِ دعائِه وتضرُّعِه، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابةِ، فرجع إلى نفسِه باللاَّئمةِ، وقال لها: إنما أُتيتُ منْ قِبلِكِ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجبْتُ. وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله منْ كثيرٍ من الطاعاتِ، فإنه يُوجبُ انكسار العبدِ لمولاهُ، واعترافُه له بأنه أهلٌ لما نزل من البلاءِ، وأنه ليس أهلاً لإجابةِ الدعاءِ، فلذلك تُسرعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ وتفريجُ الكرْبِ.

    ويقولُ إبراهيمُ بنُ أدهم الزاهدُ: نحن في عيشٍ لو علم به الملوكُ، لجالدُونا عليه بالسيوفِ.
    ويقولُ ابنُ تيمية شيخُ الإسلامِ: إنها لَتَمُرُّ بقلبي ساعاتٌ أقولُ: إن كان أهلُ الجنةِ في مِثْلِ ما أنا فيه، فهم في عيشٍ طيِّبٍ.
     

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 2,351
المقال السابق
كيف تشكُرُ على الكثيرِ وقد قصَّرت في شُكْرِ القليلِ
المقال التالي
صنائعُ المعروفِ تقي مصارع السُّوءِ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً