الخيرُ نادرٌ لكنه موجود!

منذ 2014-06-04

الخيرُ في زماننا قليل، والصلاحُ نادر، والوفاء نفتقد إليه، لكن القلة والندرة والحاجة لا تعني أبدًا الفقد الكامل، ولا العدم المطلق، بل يبقى فينا وعندنا الخير، فنحن أمة الوسط، وأتباع خاتم النبيين، وسيد المرسلين القائل: «مَثَلُ أمتي مَثَلُ المطرِ؛ لا يُدْرَى أولُه خيرٌ أم آخِرُه»...

الخيرُ في زماننا قليل، والصلاحُ نادر، والوفاء نفتقد إليه، لكن القلة والندرة والحاجة لا تعني أبدًا الفقد الكامل، ولا العدم المطلق، بل يبقى فينا وعندنا الخير، فنحن أمة الوسط، وأتباع خاتم النبيين، وسيد المرسلين القائل: «مَثَلُ أمتي مَثَلُ المطرِ؛ لا يُدْرَى أولُه خيرٌ أم آخِرُه» (قال الألباني عنه في السلسلة الصحيحة: "صحيح بمجموع طرقه").

لكن توقع الخير من الآخر دائمًا، والتماس حسن النية منه، والظن به خيرًا بأنه سليم الطوية، نقي السريرة، واضحٌ لا يخفى، وصادقٌ لا يكذب، وصريحٌ لا ينافق، وجادٌ لا يسخر، ومخلصٌ لا يتآمر، فليس صحيحًا على الإطلاق، فقد يخيب الآخر رجاءك، وقد لا يكون محلًا للثقة، ولا على قدر الأمانة، وقد لا يحمل لك ذات التقدير والقيمة، وقد لا يكون مخلصًا في علاقته، ولا صادقًا في تعامله، ولا محبًا في حقيقته.

لكن الحكم على العموم خطأ جسيم، والأحكام المطلقة فيها ظلم، ومحاسبة العام بالخاص لا تجوز، ومعاقبة الجمع بخطأ الفرد لا تكون، وردود الفعل السريعة فيها تجنِّي، واتخاذ قراراتٍ في ساعات الغضب تورث الندم، والأحكام الدائمة الأبدية، التي لا تُعطي فرصة للتوبة والندم، ولا مكان فيها للمراجعة والاستئناف، فيها ظلمٌ أكبر، وضررٌ جسيم، وحكمٌ يشبه الإعدام، ويتشابه مع القتل، الذي ينهي الحياة بالموت، الذي لا عمل بعده، ولا فرصة للتوبة إثره.

أما الأخطر من هذا كله، فهو أن ينصب البعض من أنفسهم حُكامًا، بغير شرعيةٍ ودون الاستناد إلى شريعة، وأن ينبري منهم قضاةٌ، يسنُّون القوانين، ويوصفون الجرائم، ويتهِمون الآخر بما يحلو لهم، بغير وجه حقٍ، بعيدًا عن العدل الأصيل، أو العرف المحترم، ثم ينفذون بحق مخالفيهم أحكامًا قاسية، سجنًا وإعدامًا، وتغريمًا وإبعادًا، وحرمانًا وإقصاءً، وتخوينًا واتهامًا، وغير ذلك مما يعقد الحياة بين الفرقاء، ويحول دون لقائهم أو إتفاقهم.

نحن بحاجةٍ إلى بعضنا، فهذه الحياة تتسع لنا جميعًا، وفيها متسعٌ للآخر وإن خالف، ومكانٌ له وإن عارض، والحياة تتطلب التمايز والاختلاف، فالأضاد جميلة، والتباين إبداعٌ، والتنوع تطورٌ وتقدَّم، ما توافق مع الأخلاق، ولم يتعارض مع العقيدة والدين، ولم يتناقض مع الوطنية.

والأهم من ذلك كله أن يحرص الفرقاء على بعضهم، استيعابًا وقبولًا ومشاركة، وأن يغفِروا لبعضهم، ويتجاوزوا لأنفسهم، إذ لا يوجد إنسانٌ بلا نقصٍ ودون أخطاء، فكيف بالمتعارضين أصلًا، والمختلفين منهجًا، والمتحازبين فكرًا، فلستَ بمستبقٍ أخًا لا تلمه على شعثٍ، فأي الرجال الأفضل.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 617

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً