وقفات منهجية تربوية - (32) الوقفة التاسعة والعشرون: جهاد البدع وإنكارها

منذ 2014-06-05

وذلك بالحفاظ على الدين ونبذ كل ما خالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وفي وقت الصحابة رضي الله تعالى عنه كان إنكار البدع والإنكار على المبتدعة يبدأ من رأس القوم الخليفة، وينتهي عند أصغر واحد.

 

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بلغه أن صبيًا يتكلم في متشابه القرآن.. دعاه عمر رضي الله عنه فجاء الرجل فاستثبت منه عُمر فلما أثبت عليه بدعته وشبهته ضربه بالدرة: أي بالعصا الصغيرة- حتى غُشي عليه، فقال عمر: لا تكلموه ولا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تشتروا منه، فمكث على فراشه برهة من الزمن، فلما شفي جيء به إلى عمر، فضربه مرة ثانية وقال كما قال في المرة السابقة... فلما شفي ضربه الثالثة، وهذا من سياسة عمر رضي الله عنه، فلما جيء به في المرة الرابعة قال: يا أمير المؤمنين.. إن كنت تريد قتلي فأحسِن قتلتي، وإن كنت تريد إقناعي فقد أذهب الله الشيطان عن رأسي. فقال عمر: اتركوه.

فما أحوجنا إلى دِرة عمر رضي الله عنه لكف البدع والمبتدعة.

 

والبدع خطرها عظيم وأثرها كبير؛ قال البربهاري: "واحذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود تصير كبارًا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة". ويقول الشاطبي: "والبدعة إذا دخلت في الأصل سهلت مداخلتها في الفروع"، وهذا الذي يقع الآن في كثير من العالم الإسلامي.

 

وشدد أهل العلم في النكير على أهل البدع حتى إن ابن القيم قال: "واشتهر جهاد أهل العلم، والرد على أهل البدع أعظم من الرد على أهل الفواحش والمنكرات".

 

والأمراض نوعان:

- مرض شهوة: بالمعاصي على اختلاف أنواعها كالنظر والسماع والربا والزنا.

- مرض شبهة: وهو المؤثر على المعتقد الباعث على الشك فيه، وعلى المنهج السليم، حتى قيل إن الداعي إلى البدعة أعظم من الساكت عنها؛ يعني: قد يأتي رجلان كلاهما من المبتدعة لكن أحدهم ساكت ما يتكلم ببدعته، والآخر ناطق بها، قالوا: الناطق شر من الساكت، وكلاهما على ضلال لكن الساكت عن البدعة يأثم على بدعته التي يعتقدها في نفسه، أما الداعي للبدعة فيأثم لسببين: يأثم لسبب بدعته التي ينتصر لها في نفسه، ويأثم لسبب دعوة الناس إليها.

 

وقد ذكر عبد الله بن أحمد في كتابه السنة عن أبي إدريس الخولاني قوله: "لأن أرى في ناحية المسجد نارًا تضرم أحب إليّ من أن أرى بدعة لا تغير". فالنار تفسد الأبدان؛ لكن البدع تفسد القلوب والعقول والفطر.

 

من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة.

  • 0
  • 0
  • 2,971
المقال السابق
(31) الوقفة الثامنة والعشرون: حب الجهاد
المقال التالي
(33) الوقفة الثلاثون: الصبر على البلاء

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً