في أحضان رمضان مسلسلات البراطم والشوارب
نحن بحاجة إلى برامج هادفة تسمو بالروح إلى عليين في موسم القرآن، وتحلق بالنفس في الجِنان في شهر رمضان، ليكون هذا الشهر محطة انطلاقة كُبرى تتجدَّد فيه الحياة، وتُقبِل فيه النفس إلى عالم الطُّهر والنقاء تغسل ذنوبها، وتستقرئ تاريخها، وتتشبث بمجدها.
تتسمر أعيُنُ الشباب في شهر رمضان أمام التلفاز، ولا يسلم من التحديق فيه سوى النزر اليسير الذين يشتغلون بالقرآن والعبادة، والمتابع لما يشاهده الفتية والفتيات في هذا الشهر المبارك سيجد ما يشرخ القلب ويكسر الخاطر.
لا شك أن بعضهم يتابع برامج هادفة، وبعضهم يخلط الصحيح بالسقيم فيشاهد هذا وذاك من باب أن هذا شهر رمضان ولا بد أن يكون لنا فيه عمل صالح، وبعضهم لا يكون لشهر رمضان قيمة عنده إلا بروعة المسلسلات المعروضة فيه.
وإن تجولنا في القنوات العربية قاطبة سنجدها تتنافس في عرض مسلسلاتها، وبرامج الترفيه فيها والمسابقات وهلم جرا.. وكأنَّ مُلاَّك القنوات ليس لهم من هَمٍّ سوى جمع المال وبأي طريقة تكون، ولو كان على حساب جرح مشاعر ملايين المسلمين، مما يحدو بالمنتجين للمسلسلات أن يجعلوا أكبر همهم هو ما يُعرض في رمضان، فيستعدون له السنة كلها، وتُصرف في ذلك أموال هائلة، يكفيك أن تعلم أن ممثلاً مصرياً واحداً فقط تم التعاقد معه لبطولة مسلسل في رمضان بملغ ستة ملايين جنيه.
(دعاة على أبواب جهنم) (الطريق إلى كابول) (الحور العين) (الطريق الوعر) (المارقون).. هذه مواد دسمة لبعض الأعمال التي تم بثها في شهر رمضان لأعوام سابقة من باب مكافحة الإرهاب، والتصدي لظاهرة التطرف أُنفِقَت عليها ملايين الدولارات.
معالجة الإرهاب بالإرهاب، والتطرف بالتطرف، والخطأ بخطأ أكبر منه، هذا هو حال المسلسلات التي هي من مثل هذا النوع، مبالغة في التشويه، وإلصاق تُهَم بطريقة مستفزة وساذجة، مثل الحديث عن تمويل الإرهاب من قِبَل شركات مشبوهة تعمل في ترويج الخمور وشبكات الدعارة.
أعود إلى شهر رمضان المبارك، الذي تتسمر فيه أعين أبنائنا وبناتنا أمام الشاشة الفضية، من حقنا أن نسألهم: ماذا تشاهدون؟ ومن حق كل التربويين والمهتمين بالسلوك أن يفحصوا ما تبثه القنوات في شهر رمضان ويضعوه تحت المجهر.
وقد كان التلفاز منذ عشرين سنة سَلَفَت يبث في رمضان برامج دينية وتواشيح ومسلسلات تاريخية، وإن كان مشوهاً بعض الشيء، بيد أن هذه السنوات ومع الانفتاح الفضائي صار التنافس محموماً لمسلسلات لا تمت إلى روحانية رمضان بصلة، فمن معالجة ظواهر الإرهاب، إلى الكوميديا السخيفة، إلى مسلسلات يقولون بأنها اجتماعية وهي تتفنن في عرض الأجساد وملابس النوم، وإقحام الغرام بطريقة قذرة.
وبين الخليج ومصر وسوريا تتجول أعيُنُ أبنائنا وبناتنا في رمضان، لتتابع مسلسلات مهترئة الهدف، ضئيلة الطرح، سقيمة الفكرة، محاكاة، وكوميديا، وضحك على الذقون والشوارب أيضاً.
فالمسلسلات الاجتماعية الخليجية تُبالغ في إظهار المرأة بأبهى حُللها وجمالها وتُبرز جسدها بطريقة وقحة، لا أدري كيف تستيقظ فتاة من نومها وهي بكامل مكياجها في هذه المسلسلات.
وأما المسلسلات السورية فتجعل من الرجل هو المسيطر العنجهي الجبار الذي يرى كل الناس دون شاربه مستبداً برأيه مُذلاً للمرأة، تعود بنا إلى العصبية القبلية، وحرب عصابات الشوارع.
في حين أن المسلسلات المصرية جعلت من المرأة رجلاً مزمجراً صوتها يعلو فوق صوتِ كل رجل، وصراخها يهد الجدران، ولا بُدَّ من تطعيم الكوميديا السخيفة في كل مسلسلاتها دون مراعاة لحُرمة الشهر، أو عُرف أو دين.
وأما الكوميديا السعودية فجعلت من المتدينين أفضل وسيلة لإضحاك الناس، تارة بالسخرية، وتارة باللمز، وأخرى بالهمز، وتصويرهم بأقبح المناظر وأشنع الصور، بل إظهار المواطن السعودي بأنه ذلك الغبي الهمج الذي لا يفهم.
نحن بحاجة إلى برامج هادفة تسمو بالروح إلى عليين في موسم القرآن، وتحلق بالنفس في الجِنان في شهر رمضان، ليكون هذا الشهر محطة انطلاقة كُبرى تتجدَّد فيه الحياة، وتُقبِل فيه النفس إلى عالم الطُّهر والنقاء تغسل ذنوبها، وتستقرئ تاريخها، وتتشبث بمجدها.
أرجو من القنوات الهادفة أن تشد الأنظار إليها ببرامجها الهادفة الإيمانية، ولا نقصد الانجرار وراء القنوات الأخرى في إقحام الكوميديا السخيفة في شهر الجلال والعظمة.
نعم كوميديا مهذبة نظيفة، وثقافة تغذي العقول، وروحانية تطهر القلوب.
منصور جبر
- التصنيف: