صيف منتج مفيد
بإمكان الشاب أن يستفيد من هذه العطلة في تنمية مواهبه وإبراز كفاءاته، فالشاب مثلاً الذي يريد أن ينمي في شخصه موهبة التمثيل المسرحي، تكون العطلة الصيفية من الفرص الذهبية التي توفر له الوقت الكافي لتنمية هذه الموهبة وصقلها ميدانيًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
أقبل علينا الصيف بما له وما عليه..
والصيف عند الكثير يعنى الفراغ القاتل، هذا الفراغ الذي نظره إليه الإسلام على أنه نعمة مغبون فيها كثير من الناس، فالعطلة الصيفية طاقة معطلة عند كثير من الناس فهو يقضيها عبثاً ولهواً ودفعاً للوقت يقول ابن الجوزي: "رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمن دفعًا عجيبًا، إن طال الليل فبحديث لا ينفع، وإن طال النهار فبالنوم أو في الأسواق.. ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في تعبئة الزاد والتأهب للرحيل مشغولون".
المدرسة المحمدية وحرص تلاميذها على الوقت..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» (رواه البخاري)، وقال أيضاً: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟» (رواه الترمذي).
وقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك» (رواه الحاكم)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً -فارغاً- لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على وقته منه على درهمه".
وقال فى موضع آخر: "يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك".
وقال ابن أبي حاتم: "مكثنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقًا، نهارنا ندور على الشيوخ وليلنا ننسخ".
ولما عاب بعض الناس على الأمام أحمد كثرة رحلته وكتابته قال: "مع المحبرة إلى المقبرة".
وتقول حفصة بنت سيرين للشباب: "يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب".
صيف منتج مفيد..
وهذه بعض الأوجه التى نقترحها للاستفادة من الصيف حتى يكون صيفنا شاهداً لنا لا علينا:
التفقه في الدين وطلب العلم الشرعي: قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» (صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقا إلى الجنة» (صحيح).
ويقول الأستاذ عبد اللطيف البريجاوي: "يعتقد كثير من الأسر أن الإجازة هي فسحة للابتعاد عن الدراسة والثقافة والعلم، وأنها فرصة ليتخلى الشاب أو الفتاة عن أي شيء له علاقة بالعلم، إذ يلاحظ على الطلاب هجرانهم للقراءة بمجرد انتهاء الامتحانات، وسبب هذا يعود إلى أن الطالب لم يدرك أهمية القراءة ودورها في بناء شخصيته وتنمية ثقافته، فالطالب من نعومة أظفاره يطلب منه أن يحفظ دروسه فقط، فليس في حياته أن هناك قراءة خارج المدرسة فلم يتعود أن يُهدى له كتاب أو أن يشتري كتاب، حتى إنه لم يتعود أن يرى والداه وأهل بيته وفي أيديهم كتاب يقرؤونه، أو مجلة علمية يطالعونها.. يجب أن يعلم الطلاب وآباؤهم أن المدرسة ليست المصدر الوحيد للعلم، وليست فصولها الأوقات الوحيدة لمتابعة الدروس، بالعكس يوجد الكثير من المشاريع العلمية التي يصعب إجراؤها في أوقات الدراسة، بسبب انشغال الطلاب بالتحصيل العلمي الإلزامي".
تلاوة القرآن وتعلمه:
قال صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله في من عنده» (رواه الترمذى)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقة أو ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل» (جزء من حديث رواه الإمام مسلم).
الإكثار من الصيام:
قال صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة وحصن حصين من النار» (حسن)، وعن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل; ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا -وأشار إلى لسانه- قال: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟» (جزء من حديث رواه الإمام الترمذى).
المخالطة النافعة:
من زيارات وصلة رحم وزيارة الأصحاب ومجالسة أهل الخير..
قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» (متفق عليه).
الرياضة:
يقول الأستاذ عبد اللطيف البريجاوي: "والرياضة تجدد البعد النفسي، وتفرغ الطاقات الفائضة عند الشباب، وهي بدورها تلعب دورًا مهمًا في تناسق نمو جسد الأطفال، ولقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة فصرعه، وسابق عائشة فسبقته مرة وسبقها مرة.. فالرياضة انبعاث للحياة من جديد، وتجديد للفكر وطرح للوهن والكسل، ومن العجب العجاب أن الآباء لا ينتبهون إلى هذا الأمر الحيوي والمهم في حياة أولادهم".
السعي في قضاء حوائج المسلمين وكل أنشطة البر والإحسان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه..» (جزء من حديث رواه الإمام مسلم).
تعلم حرفة للشباب وتدبير منزلي للبنات:
يقول الأستاذ عبد اللطيف البريجاوي: "وأشد الناس تقصيرًا في تعليم أولادهم للحرف هم العرب بشكل عام، فالعرب بطبيعتهم يميلون للتجارة -قريش، سبأ-، بينما كانت الصناعة تنتشر عند غيرهم من الفرس والروم والموالي.. لكن الإسلام شجع على الصناعة، فبدأ بالصانع ليؤكد على أهمية الصناعة وأهمية الحرف للإنسان.. وفي أحاديث نبوية يتكلم عن قدوات تاريحية نبوية فيقول: «كان زكريا نجاراً» (صحيح الجامع:4456)، وكان داود حدادًا".
اللهو المباح:
من لعب رياضة وكرة قدم وسباحة وركوب خيل كل حسب بيئته.. قال جل فى علاه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67]، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن لأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه» (صحيح الترمذي:2413)، وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو كنتم تكونون في بيوتكم على الحالة التي تكونون عليها عندي لصافحتكم الملائكة ولأظلتكم بأجنحتها ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» (صحيح الجامع:7073).
تنسيب الأطفال إلى مراكز الأنشطة والجمعيات الخيرية ومعاهد تحفيظ القرآن الكريم:
وهنا يعلق الأستاذ عبد اللطيف البريجاوي على ذلك قائلاً: "من الأمور التي تساعد الأولاد على استنفار طاقاتهم وبذل جهدهم وتشجعهم على العمل الجماعي والعمل المتقن، هو تنسيب الأطفال إلى إحدى الجهات الواعية والمسؤولة والتي تقوم بأعمال الخير، والتي تقوم بالنشاطات المختلفة كمسابقات الرسم والخط والقصة، وحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة، والشعر مما يولد عندهم حبًا للعمل الجماعي وتآلفا ولهفة لمن حولهم".
تنمية المواهب والكفاءات:
كما أن بإمكان الشاب أن يستفيد من هذه العطلة في تنمية مواهبه وإبراز كفاءاته، فالشاب مثلاً الذي يريد أن ينمي في شخصه موهبة التمثيل المسرحي، تكون العطلة الصيفية من الفرص الذهبية التي توفر له الوقت الكافي لتنمية هذه الموهبة وصقلها ميدانيًا.
فليبحث كل شاب عن موهبته، وليحاول أن يستثمرها لتنميتها في شخصه.. بحيث لا تنتهي العطلة، إلا وقد اكتسب ما نمى به موهبته.
محمود القلعاوي
- التصنيف:
- المصدر: