هول اليوم والافتداء فيه
ممكن أن تتحمل عن ولدك الموت فتموت، لكن لا يمكن أن تتحمل عن أبيك أن تضرب بالسيف وتعود للحياة، وتضرب بالسيف وتعود للحياة، وتقطع مرة وتعود الحياة، تقول: والله ما أقدر على هذا، كذلك أهل النار لا يموتون، فالموت أمنية من أمانيهم، ولذا يود الإنسان وهو في النارمما يعاني من العذاب الشديد والأكيد أن يفتدي بكل ما يملك في هذه الدنيا..
يقول ربنا سبحانه:
• {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [يونس:54].
• {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18].
• {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47].
• {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة:36].
• {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ} [المعارج:11].
• {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:91].
محاولة الافتداء منه بملء الأرض ذهباً الرابع من الأمور التي تدل على عظمة هذا اليوم:
أن الكفار يوم القيامة يستعدون ويبذلون القدرة على أن يتخلصوا من كل ما معهم، ولو كان ملء الأرض ذهباً وفضة في سبيل الخلاص من عذاب يوم القيامة، يقول الله: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ} [يونس:54]، ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} [الرعد:18]، لو أن له ملء الأرض ذهباً أحمر يود أن يقول: "خذوه على أن أسلم من العذاب"؛ لكن ما ينفع بل إنه مستعد أن يدفع ويبذل كل شيء، ولكن الله لا يقبل منه، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:91].
وفي صحيح البخاري، ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «يجاء بالكافر من أهل النار؛ من أقل أهل النار عذاباً يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟! قال نعم، قال: قد سألتك أهون من ذلك، تعبدني لا تشرك بي شيئاً، وتطيعني ولا تعصيني»، هذا أهون، أم أن تفتدي بمثل الأرض كلها ذهباً؟! والله أهون يا إخواني لنا أن نعبد الله، ونسير في طاعة الله، أما أن نفرط ثم نأتي يوم القيامة ومعنا ملء الأرض ذهباً والله ما ينفع، يقول الله: {..وَلَوِ افْتَدَى بِهِ..} [آل عمران:91] ما عنده شيء.
ويصل الحال بالظلمة والكفار والفجرة والفساق إلى أن يتمنى الإنسان لو يفتدي بأعز الناس عنده، ولو كانت أمه أو أبوه، أو إخوانه أو أخواته، أو زوجته أو أولاده، مستعد أن يقدمهم ويخرج، يقول الله: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ . وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ . وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:11-14]، كلهم ليس عنده رحمة ذلك اليوم، لو أنه قيل له: ما رأيك نهلك من في الأرض وننجيك أنت؟! يقول: نعم نجني يا رب، لماذا؟! لأنه لا يقدر ولا يستطيع أن يتحمل العذاب؛ لأن عذاب الآخرة والنار ليس مثل عذاب الدنيا..
قد تتحمل عن أبيك السيف، لماذا؟! لأنك تقول سوف أموت بواحدة، ممكن أن تتحمل عن ولدك الموت فتموت، لكن لا يمكن أن تتحمل عن أبيك أن تضرب بالسيف وتعود للحياة، وتضرب بالسيف وتعود للحياة، وتقطع مرة وتعود الحياة، تقول: والله ما أقدر على هذا، كذلك أهل النار لا يموتون، فالموت أمنية من أمانيهم، ولذا يود الإنسان وهو في النارمما يعاني من العذاب الشديد والأكيد أن يفتدي بكل ما يملك في هذه الدنيا حتى قال الله: {وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:14]، قال الله: {..كَلَّا..} [المعارج:15]، كلام فارغ لا ينفع {إِنَّهَا لَظَى . نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:15-16]، تنزع شوى الشخص من بطنه {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى . تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى . وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:16-18].
محمد بن عبد الله
- التصنيف:
- المصدر: