السلاح العظيم
فالدعاء هو سلاح المؤمنين يدعون ربهم نداء المستغيثين ليزيل همَّ المهمومين وينفس الكرب عن المكروبين، ويقضي الدَّين عن المدينين وينصر المجاهدين ويُعين المعسرين، ويفك أسرى المأسورين، وهو مطلب العارفين ومطيَّة الصالحين لنيل السعادة في الدارين.
الأمة الإسلامية هذا الزمان بحاجة شديدة إلى إعدادها للنهوض بمستقبلها الموعود، وذلك في شتى المجالات علمياً وثقافياً وتقنياًً وعسكرياً، وقبل ذلك كله الإعداد الإيماني ومن أعظمه للأمة أن يُفتَح باب العبادة لله عز وجل بأنواعها، وخاصة التضرع والدعاء والافتقار إلى الله تبارك وتعالى في الشدة والرخاء، قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، فالدعاء هو سلاح المؤمنين يدعون ربهم نداء المستغيثين ليزيل همَّ المهمومين وينفس الكرب عن المكروبين، ويقضي الدَّين عن المدينين وينصر المجاهدين ويُعين المعسرين، ويفك أسرى المأسورين، وهو مطلب العارفين ومطيَّة الصالحين لنيل السعادة في الدارين.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: "إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء"، وسُئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "كم بيننا وبين عرش الرحمن"، فقال: "دعوة صادقة"، وقال عبد الله الأنطاكي رحمه الله تعالى: "دواء القلب خمسة أشياء: مجالسة الصالحين وقراءة القرآن وإخلاء البطن من الحرام وقيام الليل والتضرع عند الصبح"، وقال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: "الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه وهو سلاح المؤمن".
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: "لا يمنعنَّ أحد الدعاء ما يعلم في نفسه من تقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36]"، وقال المناوي رحمه الله تعالى: "إذا تمنى أحدكم خيراً من خير الدارين فلْيكثر الأماني فإنما يسأل ربه الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه فليعظم الرغبة ويوَّسع المسألة؛ فينبغي للسائل الإكثار ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحَّاء الليل والنهار ولا يفنى عطاؤه عز وجل".
أيسرك يا عبد الله أن دعواتك تصعد إلى مولاك جل جلاله؟
إذا أردتَ ذلك فعليك بهذه الأسباب المعينة على إجابة الدعاء:
1- الثناء على الله سبحانه وتعالى قبل الدعاءِ ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فعن فضالة بن عبيد رضي الله تعالى عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا إذ دخل رجل، فصلى فقال: اللهم اغفر لي، وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « »" (رواه الترمذي في الترغيب و الترهيب رقم 2/395).
2- الدعاء لله عز وجل وحده لا شريك له فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: « » (رواه الألباني في تخريج كتاب السنة رقم 315).
3- الإقرار بالذنب والاعتراف بالخطيئة ولذلك فإن دعاء يونس عليه السلام من أعظم الأدعية لأنه ضمنه اعترافه بوحدانية الله عز وجل وإقراره بالذنب والخطيئة والظلم للنفس، كما قال تعالى عنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].
4- التضرع والخشوع، والرغبة والرهبة قال الله تعالى عن أنبيائه عليهم السلام {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90].
5- الجزم في الدعاء، والعزم في المسألة فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما).
6- الإلحاح بالدعاء الذي يدل على صدق الرغبة فيما عند الله عز وجل فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم :637).
7- الدعاء في الشدة والرخاء، وفي المنشط والمكره؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: « »(الالباني في صحيح الترمذي رقم 3382).
8- تجنب الدعاء على الأهل، والمال، والنفس فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »(صحيح مسلم رقم:3009).
9- الدعاء ثلاثًا وذلك كما جاء في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه وفيه(فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم ، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، ثم قال: « » (صحيح البخاري رقم:520).
10- استقبال القبلة فعن عبدالله بن زيد رضي الله تعالى عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا، واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه.
11- رفع اليدين في الدعاء فعن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (صححه الألباني في صحيح أبي داوود رقم:1488).
12- أن يقدم عند دعائه عملاً صالحًا كأن يتصدق، أو يحسن إلى مسكين، أو يصلي ركعتين، أو يصوم، أو غير ذلك ؛ ليكون هذا العمل وسيلة إلى الإجابة، ويدل على ذلك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عنهم أن كل واحد منهم توسل بأعظم أعماله التي عملها لله عز وجل فاستجاب الله دعاءهم، وارتفعت عنهم الصخرة.
13- الوضوء كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وفيه قوله : فدعا بماء، فتوضأ، ثم رفع يديه، فقال: « » (رواه البخاري و مسلم).
14- أن يتخير جوامع الدعاء ومحاسن الكلام بدلاً من التطويل، والحشو، والتفصيل الذي لا لزوم له؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك.
15- خفض الصوت، والإسرار بالدعاء فعن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري و مسلم).
16- إطابة المطعم والمشرب والملبس , فقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « » (الألباني السلسلة الضعيفة رقم:1812).
17- تجنب الاستعجال بإجابة الدعاء قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » ( رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما).
18- إحسان الظن بالله عز وجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » ( رواه الترمذي في سننه رقم:3479).
19- حضور القلب مُقبلاً غير مُدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... » ( رواه الترمذي في سننه رقم:3479).
20- يختم الدعاء بالتسبيح والتحميد والتمجيد والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فإذا كنت يا رعاك الله من الموفَّقين باغتنام فرص الدعاء فاعلم أن ذلك من سلامة قلبك وجودة رأيك، واعلم رحمك الله أنك لن تخسر شيئاً من دعائك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
واعلم رحمك الله أن هناك مواطن لإجابة الدعاء فاجتهد فيها، قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: "إذا جُمع مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة السِّتة، وهي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند صعود المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة وآخر ساعة من يوم الجمعة، وصادف ذلك خشوعاً وخضوعاً في القلب وانكساراً بين يديه بذل وانكسار ورقة، واستقبال للقبلة وكان على طهارة، ورفع يديه وبدأ بالحمد والثناء عليه ثم يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يُقدم حاجته بالتوبة والاستغفار، ثم يدخل على الله ويلح عليه بالمسألة ودعاه رغبةً ورهبةً وتوسل بأسمائه وصفاته وتوحيده ويُقدم بين يديه صدقة".
ما لنا ندعوا الله ولا يستجاب لنا؟!
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: "لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه، وعرفتم رسوله صلى الله عليه وسلم فلم تتبعوا سنته، وعرفتم القرآن فلم تعملوا به، وأكلتم نِعمَ الله فلم تؤدوا شكرها، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس".
ناصر بن سعيد السيف
- التصنيف:
- المصدر: