أيها الشباب أوقاتكم، أعماركم
ولقد اهتم الإسلام بالوقت أيُّما اهتمام حيث أقسم الله به في آيات كثيرة في كتابه الكريم فأقسم بالفجر وبالضحى وبالعصر وبالليل.
الوقت هو الحياة، والأوقات إما عمار أو دمار، والعاقل هو من يتعامل مع وقت فراغه كما يتعامل مع عدو ألد يتربص به في كل حين.
قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115].
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « »[1]، وقال أيضاً: « » (البخاري).
فمن أخطر المشاكل التي تواجه الشباب مشكلة الفراغ قال الشاعر العربي:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء آي مفسـدة!
فكثير من الشباب لا يدرك قيمة الوقت ولا أهميته، ولا يعرف أن سوف يُحاسب يوم القيامة وسوف يُسأل عن كل دقيقة من عمره.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «
» (أخرجه الترمذي [2416]، والألباني:حسن، الصحيحة [946]).
قال الحسن البصري: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم!"
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأكره أن أرى الرجل فارغاً، لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة".
قال الشاعر:
خذ من شبابك قبل الموت والهرم *** وبادر التوب قبل الفوت والندم
واعـــلم بأنك مجــزئ ومــــرتهن *** وراقـــب الله واحـذر زلة القـدم
وقال أحد السلف: الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
نعم أيها الشاب وقتك هو عُمرك فلا تضيع عُمرك فيما لا يفيد والوقت لا يُقدّر بثمن .
قال أحد الحكماء: "من أمضى يوماً من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه، وظلم نفسه"!
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندمي على يومٍ غرُبت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يَزِد فيه عملي". {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:23-24].
وتأتي أهمية وقت الفراغ وأهمية استغلاله والاستفادة منه؛ من حيث إمكانية تحقيق العديد من الحاجيات الأساسية لفرد من خلال الأنشطة التي يمارسها في وقت الفراغ، إذ يتمكن الفرد من إشباع:
حاجاته الجسمية: بإزالة التوترات العضلية، وتنشيط الدورة الدموية .
وحاجاته الاجتماعية: وذلك بالعمل الجماعي، والعمل بروح الجماعة في العديد من الأنشطة التي تُمارس في وقت الفراغ مما يقضي على الانطواء في حياة الفرد.
وحاجاته العلمية والعقلية: يكسب المزيد من الخبرة، والمعرفة، والمهارة وتعلم معلومات جديدة.
وحاجاته الانفعالية: أو ما يُسمى بالدوافع اللاشعورية، أو الدوافع المكبوتة، التي قد تدفع الفرد إلى بعض السلوك المنحرف إذا كبتها ويستطيع الفرد أن يحقق إشباعه لتلك الحاجات عن طريق ممارسة أنشطة في وقت فراغه.
ولقد اهتم الإسلام بالوقت أيُّما اهتمام حيث أقسم الله به في آيات كثيرة في كتابه الكريم فأقسم بالفجر وبالضحى وبالعصر وبالليل.
ولقد حرص السلف الصالح رضوان الله عليهم على أوقاتهم حرصاً صار مضرب الأمثال وموضع الإعجاب.
يقول عبد الرحمن ابن الأمام أبي حاتم الرازي: "ربما كان يأكل وأقرأ عليه ويمشي وأقرأ عليه ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه".
فكانت ثمرة هذا المجهود وهذا الحرص على استغلال الوقت كتاب (الجرح والتعديل) في تسعة مجلدات، وكتاب (التفسير)، في مجلدات عدة، وكتاب (السند)، في ألف جزء.
ومما يٌروى في ذلك ما قاله القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي تلميذ أبى يوسف قال: "لقد أتيته أعوده فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم ما تقول في مسألة! قلت: في مثل هذه الحالة؟! قال: لا بأس بذلك ندرس لعلة ينحو به ناج! ثم قال: يا إبراهيم أيهما أفضل في رمي الجمار أي في مناسك الحج أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ قلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها يرضى الله عنك. قال: أما ما كان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راكباً، ثم قمت من عنده، فما بلغنا باب داره حتى سمعت الصراخ عليه، وإذ هو قد مات رحمة الله عليه".
وكان الفتح بن خاقان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه، فإذا قام من بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريده ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه أو خفه فقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده.
فأين ذلك من بعض الشباب الذين يضيعون أوقاتهم على المقاهي، وأمام شاشات التلفاز، وعلى شبكة النت؟ ويا ليتهم يستغلون ذلك فيما يعود عليهم بالنفع ويدركون أنهم لا يضيعون أوقاتهم بل يضيعون أعمارهم.
ولكي يستغل المرء وقته استغلالاً صحيحاً فإن عليه أولاً أن يستحضر مراقبة الله في كل لحظة وأن يدرك أنه سوف يحاسب عن كل لحظة من لحظات حياته .
كما أن عليه أن يشعر بالمسؤولية نحو الذات والمجتمع وأن هناك دوراً إيجابياً يطلب منه تجاه نفسه وتجاه مجتمعه.
وعليه كذلك النظر في سير الصالحين ومعرفة كيف كانوا يستغلون أوقاتهم استغلالاً سليماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أخرجه الحاكم ([4/341]، رقم [7846]، وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي في شعب الإيمان [7/263]، رقم [10248].
بدرعبد الحميد هميسه
- التصنيف: