شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (26) اسم الله الجبار

منذ 2014-06-22

يقول الإمام الطبري رحمه الله: "الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم"، وفيها معنى القهر فهو سبحانه وتعالى له الكبرياء وهو القاهر فوق عباده..

الجبار لغةً: هو العظيم، القوي، الطويل، ذي الطول سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} [المائدة:22]، أراد بذلك أنهم أصحاب قوة وعظمة وطول، ويستخدم لفظ الجبروت بمعنى الكبرياء ومنه قول الله تعالى: {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم:32]، أي: لم يجعلني متكبرًا على عبادة الله سبحانه وتعالى.

ورود الاسم في القرآن:
ورد هذا الاسم في القرآن مرة واحدة في قول الله تعالى في سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23]،

معناه في حق الله تعالى:
يقول الإمام الطبري رحمه الله: "الجبار يعني المصلح أمور خلقه، المُصَرِّفهم فيما فيه صلاحهم"، وفيها معنى القهر فهو سبحانه وتعالى له الكبرياء وهو القاهر فوق عباده، يقول الخطابي: "الجبار هو الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه، ويقال هو الذي جبر مفاقر الخلق، وكفاهم أسباب المعاش والرزق".

الوقوف على معاني اسم الله الجبار:
أولًا: الجبار بمعنى العالي على خلقه من قولهم تجبر النبات إذا علا.
ثانيًا: معناه المصلح للأمور، من جبر الكسر إذا أصلحه، وجبر الفقير إذا أغناه، لذا ففيه صفة جمال وصفة جلال إذ يجبر الكسر سبحانه، وفي نفس الوقت له الجبروت بمعنى العظمة والجلال والقوة.

يقول الخطابي: "الجبار هو القاهر خلقه على ما أراد"، والمقصود بالإرادة هنا الإرادة الكونية.
فلله إرادتان: (إرادة كونية، وإرادة دينية)، فالكونية هي سنن الله في الكون التي تنفذ فينا وليس لنا حيالها أي تصريف: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، أما الإرادة الدينية فهي التي تعبدنا الله بها وأمرنا أن نلجأ إليه وفقها وبمقتضاها.

قال ابن القيم في النونية:

وكذلك الجبار من أوصافه *** والجبر في أوصافه قسمانِ
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا *** ذا كسرة فالجبر منه داني
والثاني جبر القهر بالعز الذي *** لا ينبغي لسواه من إنسانِ
وله مسمًى ثالث وهو العلو *** فليس يدنو منه من إنسانِ
من قولهم جبارة للنخلة العليا *** التي فاتت لكل بنانِ


 

المراد وفق النونية أن اسم الله الجبار يحوي عدة معاني:
المعنى الأول: العلو، العالي على خلقه.
المعنى الثاني: جابر الكسر، فهو يجبر كسر كل ضعيف.
المعنى الثالث: القاهر فوق عباده.
وهذه المعاني لا شك سنعتمد عليها في معرفة حظ العبد من اسم الله الجبار.

أثر الإيمان بهذا الاسم:
الدرس الأول: أن تعلو همتك..
أن الله سبحانه وتعالى طالما هو الجبار الذي له العلو على خلقه، علو الذات وعلو القدر وعلو القهر والجبر فلا يدنو منه الخلق إلا بأمره، لذا فلكي تصل إليه عليك بالترقي عليك بعول الهمة.
وكلام أهل العلم في علو الهمة يقتصر على طالب الآخر لا طالب الدنيا، بمعنى أنك إذا وجدت إنسانًا حاصل على أعلى الشهادات في علم دنيوي بحت ليس فيه خدمة لدينه، وليس فيه أي نوع من القربة لله عز وجل، فلا يسمى هذا عالي الهمة، هذا نشيط أو مجتهد أو أي لفظ آخر، لكن لفظ علو الهمة لا يراد به إلا من علت نيته وتعلقت بالدار الآخرة.

فإذا ارتقت همتك وتعلقت بالله عز وجل وبالجنة، علوت وارتقيت وصارت الدنيا عندك سفاسف، فتعلو عنها وعن شهواتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "«إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها»" (حسنه السيوطي في الجامع الصغير، وصححه الألباني)، وأمسك يومًا بجدي أَسَكّ -يعني جيفة- أمام الصحابة وقال: «أيكم يأخذ هذه بدرهم؟ قالوا أهذه تساوي شيء؟ قال: للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» (صحيح مسلم)، انظر لهذا التمثيل، هكذا الدنيا خبيثة منتنة، لا تريد أن تنظر لها، حقيرة فلا ينبغي أن تنشغل بها إذا كنت عالي الهمة؟!

وهناك معنى آخر في العلو: هو علو القهر والجبر: أنه لا يدنو منه الخلق إلا بأمره، ولا يشفعون أو يتكلمون إلا من بعد إذنه، فلن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه، بمعنى لا تتصور أنك حين تطيع، أنه صار لك منزلة عنده سبحانه وتعالى، وسبق في اسم الله العزيز، أنه ليس أحد عزيز عند الله عز وجل، لا تحسب أنك عملت قليلًا، فالنبي في أول الخطاب الدعوي أمره ربه فقال: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6]، يعني حتى لو عملت وأديت لا تمنن ولا تستكثر هذا العمل، واعلم أن معاصيك هذه لا تضره شيئًا، وإنما تضرك أنت فقط.

الدرس الثاني:
أنه سبحانه وتعالى جبر خلقه على ما أراد أن يكونوا عليه من خلق.
فهو سبحانه لا يمتنع عليه شيء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]، وقلنا أن هذه هي الإرادة الكونية، والخطأ دائمًا يكون في الانشغال بهذه الإرادة عن الإرادة الدينية، كما حدث مع المتكلمة الذين شغلوا أنفسهم بذات الله وأفعاله وإرادته وقضاءه على عباده، وأوقعوه موقع النقد والتحليل وأدخلوا فيه العقول القاصرة فانشغلوا عما تعبدهم الله به.
والصحيح أن العبد المؤمن يتلقى أفعال الله وإرادته بالرضا والتسليم، يقول أيوب السختياني: "إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون"، بمعنى أنك متى ما أردت شيء مخالف لسنة الله الكونية فلترد إرادة الله وتثق به وتسلم لأمره..

وذلك لأن المؤمن دومًا يردد في نفسه أن كل شأنه يدور على (كن) فإذا مرض أو فقر أو ابتلي بأي بلاء كان فإن فرجه مع (كن)، فالأمر إليه سبحانه وتعالى ولا مرد لقضائه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:83]، ومن ها هنا كان السلف يقولون: "عرفت الله بنقض العزائم.."، فمهما أخذت بالأسباب في تحصيل مرادك فإنما وسيلتك إليه هي التوفيق، فالعبد لا يخلق إرادته وإنما خالقها الله وهو خالق أفعال العباد.

الدرس الثالث: التسليم لشرع الله سبحانه وتعالى:
الله سبحانه وتعالى، جبر خلقه على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى، أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، فلا بد أن يرتضي العبد ما ارتضاه الله سبحانه وتعالى من هذه الشرائع، فالله تعالى شرع لهم من الشرائع ما شاء، وأمرهم باتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع له الجنة ومن عصى فله النار، ولم يجبر أحدًا من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك ومنه قول الله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29].

وإن كان السياق على التهديد فبعض الناس يستخدمها استخدام في غير محلها، يقول: "هذا دليل على حرية الإلحاد، فالله قال من يريد أن يؤمن فليؤمن ومن يريد أن يكفر فليكفر!"، وفي ذلك خطأ عظيم ولا شك، إذ أن المعنى في الآية للتهديد إذ قال الله بعدها: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29]، فلا شك الآية على سياق التهديد، وهذا كلام أهل العلم في تفسير هذه الآية.

الدرس الرابع: إياك والجبروت:
الجبروت بمعنى: الكبرياء والعز والعلو، وهو صفة استأثر الله تعالى بها نفسه، فالله قاهر الجبابرة بجبروته سبحانه وتعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، أما الخلق، فموصوفون بصفات النقص، مقهورون مجبورون، تؤذيهم البقة وتأكلهم الدودة وتشوشهم الذبابة، العبد أسير جوعه وصريع شبعه، ومن تكون هذه صفته كيف يليق به التكبر والتجبر؟!

وقد أنكرت الرسل على أقوامها صفة التكبر والتجبر في الأرض، فهذا هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يقول لقومه: {وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِين.فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:130-131]، إلى أن قال لهم: {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:135].

فعاندوا واتبعوا أمر جبابرتهم فهلكوا أجمعين: {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [هود:59]، وقد كان هذا التكبر سببًا للطبع على قلوبهم، يقول الله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:35]، فالطبع على القلوب هذا وعيد الله سبحانه وتعالى لمن تجبر وطغى في الأرض، فلما تجد قلبك مقفل ولا تنفع فيه موعظة، ولا يحركه مؤثر فاعلم أن هذا هو الطبع.

وتوعد الله الجبارة كذلك سبحانه وتعالى بالعذاب والنكال في الأخرة، قال الله في سورة إبراهيم: {وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ . مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ . يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:15-17].

يشرب هذا الماء الذي هو المهل لكي يسد ظمأه فما يكون له إلا زيادة في وباله وعقابه وعذابه: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ}، ولا يستطيع أن يستسيغه يشربه هكذا حتى يروي هذا العطش فلا يكون من أمره إلا أن يزداد في العذاب: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}، كل المهلكات تجتمع عليه {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ}، يضرب حتى يكون من أمره الهلكة ولا يكون كذلك: {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}، لم كل ذلك؟ هذا لأنه نازع الله في صفة استأثر بها نفسه.

الأحاديث التي ورد فيها اسم الله الجبار:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلًا لأهل الجنة» (الصحيحين)، قالوا ومعنى يكفؤها الجبار بيده: "أي: يميلها من يد إلى يد حتى تجتمع وتستوي".

فلماذا استخدم اسم الله الجبار في هذا الحديث؟
لأنه لا شك فيه دلالة على قهره سبحانه وتعالى، فيوم القيامة يقول الله عزوجل: {لمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]، فيتناسب هذا مع هذا المقام أنه مقام عزة ومقام جبروت.

الدعاء باسم الله تعالى الجبار:
من دعاء الطلب والمسألة بهذا الاسم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي كان يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني» (الترمذي)، يقولها بين السجدتين، فالجبر هو جبر للكسر ونحو ذلك، من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب منه.

وعن عوف بن مالك أن النبي يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» (سنن أبي داود)، والمقام واضح لماذا يستخدم هذا في هذا المقام لا شك هذا مقام الذل والافتقار لله سبحانه وتعالى.

المصدر: موقع الكلم الطيب

هاني حلمي عبد الحميد

حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.

  • 23
  • 0
  • 56,266
المقال السابق
(25) اسم الله الخالق
المقال التالي
(27) اسم الله المتكبر الكبير

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً