غزة تحت النار - (29) حي الشجاعية اسمٌ باقي وسيبقى

منذ 2014-07-21

يأبى حي الشجاعية إلا أن يكون حاضرًا دومًا، يتصدَّر الأحداث أبدًا، ويتقدَّم الصفوف المقاومة، ويسبِق الجبهات المشتعلة، ويُقدِّم أروع الأمثلة في الصمود والتحدي، والمواجهة والقتال، فهو لا يغيب عن أي حدث، ولا يتأخر عند النفير، ولا يمتنع عن النصرة، ولا يتردَّد في النجدة، يهبُّ قبل الآخرين، ويتقدَّم سابقًا الجميع، ويُعطي أكثر من غيره، ويُضحِّي بفلذات أكباده، ولا يُبالي بحجم الدماء النازفة، وعُمق الجراح الغائرة، ولا يشكو من ضعف، ولا يئِن من وجع، ولا يتقهقر من وهن..

يأبى حي الشجاعية إلا أن يكون حاضرًا دومًا، يتصدَّر الأحداث أبدًا، ويتقدَّم الصفوف المقاومة، ويسبِق الجبهات المشتعلة، ويُقدِّم أروع الأمثلة في الصمود والتحدي، والمواجهة والقتال، فهو لا يغيب عن أي حدث، ولا يتأخر عند النفير، ولا يمتنع عن النصرة، ولا يتردَّد في النجدة، يهبُّ قبل الآخرين، ويتقدَّم سابقًا الجميع، ويُعطي أكثر من غيره، ويُضحِّي بفلذات أكباده، ولا يُبالي بحجم الدماء النازفة، وعُمق الجراح الغائرة، ولا يشكو من ضعف، ولا يئِن من وجع، ولا يتقهقر من وهن.

حي الشجاعية الرابض كأسدٍ مِقدامٍ على حدود قطاع غزة الشرقية، له في كل حربٍ مع العدو الصهيوني قصة وحكاية، ينسج خيوطها بالأرواح والدماء، ويرسم ملامحها تحت القصف وخلال الدمار، ويُحسِّن روايتها بقصص البطولة والانتصار، حيٌ لا يعميه الغبار، ولا يصدمه الركام، ولا تصمّ آذانه أصوات القذائف وأزيز الرصاص، يهابه العدو دومًا، ويخاف من التوغل فيه، ويتردَّد في الدخول إليه، ويحسب ألف حسابٍ لخطة الانسحاب وطريق العودة.

حي الشجاعية العربي الإسلامي الأيوبي القديم، بسكانه العرب أصولًا والأكراد والتركمان لاحقًا، كان له في مواجهة الصليبيين في فلسطين ألف حكايةٍ وحكاية، يحفظها التاريخ له، وتُسجِّلها وتُسطِرها الكتب عنه، إذ صد هجومهم، ورد كيدهم، وأوجعهم ببسالة رجاله، وشجاعة سكانه، ومنعهم من الدخول إلى غزة عبر بوابتها الشرقية، التي أبت إلا أن تصد هجومهم وتردّهم خائبين من حيث أتوا، فدفنت في ترابها قتلاهم، وشرَّدت من على أرضها أحياءهم، فكانت الشجاعية شجاعةً بحقٍ، إلى الشجاعة انتسبت، أم إلى شجاعٍ الكردي انتمت.

حي الشجاعية ما زال يحتضن بين جنباته تلة المنطار، الذي خبره الإسرائيليون، وعرف فيه اليهود المرارة، وذاقوا فيه الويل، فهابوا الاقتراب منه، وخشوا المُنازلة فيه، إذ خاض الشجاعيون من عليها أشد المعارك قديمًا وحديثًا، فكان صمودهم الأول إِبَّان في العام 1956م، وضرب أروع الأمثلة في المواجهة خلال حرب العام 1967م، إلا أن ملاحمه الكبرى تبدَّت بعد ذلك خلال كل الاعتداءات الإسرائيلية على غزة.

إنه قدر الشجاعية أن تكون على ثغرٍ من ثغور قطاع غزة، وأن تكون حارسةً لبواباته الشرقية، وأن يكون رباطها في الصفوف الأولى والجبهات المتقدِّمة، وهي التي تعلم عِظم الدور المنوط بها، وخطورة المهمة التي تقوم بها، ولكنها تريد أن تكون أمينةً على هذه الثغور، فلا يتسلَّل العدو من خلالها، ولا يدخل إلى غزة منها، مهما بلغت قوته، وأيًّا كانت استعداداتها لملاقاته.

ولهذا فهي يقظة دومًا، مستعدة ومتهيأة لمواجهته وصده، يدها على الزناد، ورجالها في الميدان، على الحدود وفي الأنفاق تحت الأرض، وسلاحها حاضرٌ، وقدراتها مُسخَّرة، وهي تدرك أن قدرها أن تتلقى القذيفة الإسرائيلية الأولى، بكل ما فيها من حقدٍ وكراهيةٍ، وخبثٍ ومكرٍ ولؤمٍ ودهاء، وأنها دائمًا بحكم القرب من الحدود أول من يواجه العدو الصهيوني عند محاولة دخوله إلى قطاع غزة، ولكنها ترفض أن يكون دخوله إليها سهلًا، وتأبى أن يكون مروره فيها نزهة، وتُصِرّ على أن تُعلِّمه أن المرور من أحيائها إلى غزةَ أمرٌ صعبٌ ومُكلِّف، وأنه يترتب عليه أن يدقع الثمن، وأن يؤدي الضريبة، وأن يتحمَّل عواقب فعله، ونتائج اعتدائه.

في الليلة الرابعة عشر للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كان حي الشجاعية على موعدٍ مع مجزرةٍ جديدة، ومذبحةٍ أخرى، قُتِلَ فيها بقذائف الدبابات الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين، بعد أن قامت قوات العدو بدك بيوتهم بقذائف المدفعية وسلاح الميدان، ما أدَّى إلى تدمير العشرات منها، ومقتل سكانها نتيجة القصف أو تحت الردم والركام، بينما يصمت العالم كله على فِعال الجيش الصهيوني "الأكثر أخلاقيةً في العالم"، ولا يُحرِّك ساكنًا لمنعه أو كبحه، كما لا يقوى على سؤاله أو محاسبته..!

أراد العدو الصهيوني من هذه المجزرة أن يُخلي الشجاعيون مساكنهم وبيوتهم، وأن يتعلَّم غيرهم منهم فلا يتشبثون ببيوتهم، ولا يبقون في أحيائهم، بل يتركونها ويفرُّون منها، ليخلوا بين العدو ورجال المقاومة، ظنًا منه أنه سيقوى عليهم، وسيُدمِّر أنفاقهم، وسيباغتهم في مواقعهم، ولكن فأل العدو دومًا يخيب، إذ يفشل في فض المواطنين عن مقاومتهم، التي هي رجالهم ومن صنعهم، في الوقت الذي يعجز فيه عن مواجهة المقاومة التي أوجعته في ذات الليلة، ونالت من جنوده قتلًا وإصابة.

لك الله يا حي الشجاعية، لكم الله أيها الشجاعيون والغزِّيِّون، أيها الرجال الأماجد، والأهل الكرام، والشعب الحُرُّ الأبي العظيم، لكم الله وأنتم تُواجهون العدو المدجَّج بسلاح بعض العرب، والمُصان برعاية أنظمتهم، والمبارك بقرارهم، والمحفوظ بموافقتهم، فما أصابكم الليلة فعلٌ صهيوني بغيض قد اعتدنا عليه، ولكنه جرمٌ بمباركةٍ عربية، وموافقةٍ رسمية، وبتآمرٍ مُعلَن، ونيةٍ مريضةٍ خبيثةٍ مكشوفة، نسأل الله العلي العظيم ردَّها على أهلها والعدو، وصدها عن الوطن الحبيب والشعب العزيز..

اللهم ليس لنا إلا أنت فكن معنا.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

  • 0
  • 0
  • 1,008
المقال السابق
(28) انتصار العين على المخرز
المقال التالي
(30) ضحايا الإسعاف والدفاع المدني

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً