{وَالْفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ}

منذ 2014-07-23

ويدور المحور الرئيسي لهذه السورة المباركة حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية‏،‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏،‏ وأشارت سورة الفجر كذلك إلى عدد من صور العقاب الذي نال أمما سابقة كانت قد كفرت بأنعم ربها فعاقبها الله تعالى جزاء كفرها‏،‏ كما ألمحت إلى بعض الأحداث المصاحبة ليوم القيامة‏،‏ وإلى ما سوف يتبعه من بعث‏،‏ وحشر‏،‏ وحساب‏،‏ وجزاء‏،‏ وخلود إما في الجنة أو في النار‏.

{وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ. وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر‏:1- 4].

هذه الآيات القرآنية الأربع جاءت في مطلع سورة الفجر‏،‏ وهي سورة مكية‏،‏ وآياتها ثلاثون‏ (30)‏ بعد البسملة‏،‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بالقسم بالفجر‏ (وقتا وصلاة‏).

ويدور المحور الرئيسي لهذه السورة المباركة حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية‏،‏ شأنها في ذلك شأن كل السور المكية‏،‏ وأشارت سورة الفجر كذلك إلى عدد من صور العقاب الذي نال أمما سابقة كانت قد كفرت بأنعم ربها فعاقبها الله تعالى جزاء كفرها‏،‏ كما ألمحت إلى بعض الأحداث المصاحبة ليوم القيامة‏،‏ وإلى ما سوف يتبعه من بعث‏،‏ وحشر‏،‏ وحساب‏،‏ وجزاء‏،‏ وخلود إما في الجنة أو في النار‏.

واستعرضت السورة عددًا من طبائع النفس الإنسانية في كل من حالات الرخاء والشدة‏،‏ واستنكرت عددًا من أمراض تلك النفوس التي قد تكون سببا في خسرانهم في الدنيا والآخرة‏،‏ وأوضحت أن من سنن الله تعالى في خلقه سنة الابتلاء بالخير والشر فتنة‏.‏

وتبدأ هذه السورة المباركة بقسم من الله تعالى بالفجر‏،‏ وهو زمانا يمثل الفترة التي يبزغ فيها أول خيط من الشفق الصباحي على جزء من سطح الأرض‏،‏ فيعمل ذلك على محو ظلمة الليل بالتدريج حتى شروق الشمس‏،‏ ويبدأ الفجر الصادق عندما يكون الجزء من سطح الأرض الذي يبدأ عنده هذا الوقت في وضع بالنسبة إلى الشمس تكون فيه وكأنها على بعد 18.5‏ درجة تحت الأفق‏،‏ وتظل الشمس ترتفع في حركتها الظاهرية حول الأرض ‏(والتي تتم بدوران الأرض حول محورها أمام الشمس‏)‏ إلى أن تظهر الحافة العليا للشمس عند الأفق فتشرق الشمس‏،‏ وأول ما يصل إلى الأرض من الجزء المرئي من ضوء الشمس هو الطيف الأحمر‏،‏ وتليه بقية ألوان الطيف المرئي بالتدريج حتى يُرى نور النهار ببياضه المعهود‏.‏

ووقت صلاة الصبح هو من طلوع الفجر الصادق من جهة الشرق‏،‏ وانتشاره بالتدريج حتى يعم الأفق‏.‏
وظاهرة الفجر تدور مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها أمام الشمس‏،‏ فتنتقل من منطقة إلى أخرى بانتظام حتى تمسح سطح الأرض كله بالتدريج‏.‏

ووقت الفجر يصاحب عادة بقدر من الصفاء والنقاء البيئي الذي قد لا يتوافر لأي وقت آخر من أوقات اليوم‏،‏ ولذلك فإنه يتميز بالنداوة‏،‏ والرقة‏،‏ والهدوء والسكينة‏،‏ وينعكس ذلك على الإنسان وعلى غيره من مختلف الخلائق‏،‏ ومن هنا كان القسم الإلهي بالفجر‏،‏ والله تعالى غني عن القسم لعباده‏.‏

ويلي القسم بالفجر قسم آخر يقول فيه ربنا تبارك وتعالي: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} وهي الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وفيها ليلة القدر التي أنزل الله تعالى القرآن الكريم فيها‏، ‏ولذلك يصفها بأنها ليلة مباركة: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان‏: 3] وبأنها خير من ألف شهر: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ‏[‏القدر‏:3]‏، ووصفها رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله الشريف‏:‏ «ليلة خير من ألف شهر‏،‏ من حُرِم خيرها فقد حُرِم‏» (صحيح الجامع: 55)،‏ وقوله‏:‏ «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه‏» (البخاري: 2014).‏

وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في سواها‏،‏ وسن لنا سنة الاعتكاف فيها‏،‏ فكان يعتكف فيها حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه وصحابته من بعده‏.‏

ويأتي في مقابلة الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة الذي وصفه الرسول صلي الله عليه وسلم بقوله‏:‏ «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة»‏ (السلسلة الضعيفة: 1193)،‏ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال في الأيام العشر الأولى من ذي الحجة ما نصه‏:‏ «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال صلي الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشئ من ذلك‏» (سنن أبي داوود:2438).

وعن أم المؤمنين السيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما أنها قالت‏:‏ أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ «صيام عاشوراء‏،‏ والعشر من ذي الحجة‏،‏ وثلاثة أيام من كل شهر‏،‏ والركعتين قبل الغداة» (ضعيف النسائي: 2415)‏.‏

من كل ما سبق يتضح لنا أن الله تعالى قد خص الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك بأن جعلها أشرف عشرة ليالي في السنة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق ليلة القدر‏،‏ كما جعل أشرف عشرة أيام ‏(بمعنى النهار‏)‏ هي الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق هو يوم عرفة‏،‏ ولما كان الوقوف بعرفات ينتهي مع غروب الشمس كان المقصود بالأيام العشرة الأولى من ذي الحجة هو نهار هذه الأيام‏،‏ والعبادة فيها مركزة بالنهار بدليل أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يصومها في غير أداء لفريضة الحج‏، ولذلك استحب أهل العلم صوم يوم عرفة إلا بعرفة ‏(أي لغير الحاج‏).‏

من هنا كان الاستنتاج الصحيح بأن المقصود بالقَسَم في سورة الفجر بالليالي العشر هي الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان المبارك‏،‏ وليست الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة أو من شهر المحرم كما رأى بعض المفسرين‏.‏

وجاء بعد ذلك قَسَمٌ ثالثٌ‏ (بالشفع والوتر‏)،‏ والشفع: هو الزوج‏،‏ والوتر: هو الفرد من كل شيء‏،‏ وقيل إن المقصود بذلك هو الصلاة‏،‏ ومنها الصلاة الثنائية والرباعية ‏(الشفع‏)،‏ ومنها صلاة المغرب وختام الصلاة في آخر الليل‏ (الوتر‏)،‏ وقد يكون المقصود بالقَسَم الإشارة إلى خلق كل شيء في زوجية كاملة ‏(من اللبنات الأولية للمادة إلى الإنسان‏)‏ وتفرد الله تعالى بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏.‏

ويأتي بعد ذلك القسم الرابع الذي يقول فيه ربنا تبارك وتعالي‏: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}، وأصل (السري‏)‏ هو السير بالليل‏،‏ وإسناد ذلك الفعل إلى الليل قد يكون من المجاز بمعنى (الليل الذي يسري فيه‏)،‏ وحذفت ياء الفعل (يسري‏)‏ من قبيل التخفيف وصلا ووقفًا‏.

وقد لا يكون ذلك مجازا حيث يشير القسم إلى حركة ظلام الليل على سطح الأرض مما يحقق تعاقب كل من الليل والنهار على سطح الكرة الأرضية بسبب كرويتها‏،‏ ودورانها حول محورها أمام الشمس‏،‏ ومن ثم تنتقل ظلمة ليل الأرض من جزء إلى جزء آخر من سطحها كان يعمه نور النهار‏،‏ وهذه هي حركة ظلام الليل في زمن الليل ‏(أو سري الليل‏)،‏ وتعاقب الليل والنهار على سطح الأرض هو من ضرورات جعلها صالحة للعمران‏،‏ ومن هنا كان القسم الإلهي بالليل إذا يسر‏.‏

وبعد القسم بهذه الآيات الأربع‏،‏ وبما لكل منها من قيمة كبرى في انتظام حركة الحياة على الأرض جاء السؤال التقريري‏: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ}‏ أي لذي لب وعقل وبصيرة‏،‏ والمشار إليه باسم الإشارة بهذا الاسم من أسماء الإشارة‏ (ذلك‏)‏ في الآية الكريمة هي الأمور الأربعة المقسم بها‏،‏ وجواب القسم محذوف‏،‏ وتقديره أن الله تعالى بالمرصاد لكل كافر ومشرك وظالم‏،‏ ولكل متجبر على الخلق ومفسد في الأرض‏،‏ وليعذبن كل واحد منهم بما يستحق‏،‏ ودلالة ذلك الاستنتاج هو المتابعة في الاستشهاد بمصارع كل من عاد وثمود وآل فرعون‏،‏ وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالي‏: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر‏: 6‏- ‏14].‏

ثم انتقلت الآيات في سورة الفجر إلى وصف شيء من طبائع النفس الإنسانية في حالات السعة والضيق في الرزق‏،‏ وما فيها من ابتلاء للعباد‏،‏ وتذكر أن العبد الصالح يشكر النعمة‏،‏ ويصبر على المحنة‏،‏ والطالح تبطره النعمة‏،‏ وتضجره المحنة لأنه يرى في الأولى تكريما لشخصه فيصيبه شيء من الغرور والكبر، ويرى في الثانية إهانة لكرامته فيصيبه الكثير من الهم والحزن‏،‏ وترد الآيات بأن العبد الذي لا يرضى بقضاء ربه هو مخلوق أناني‏،‏ لا يفكر إلا في ذاته‏،‏ فلا يكترث بإكرام اليتيم‏،‏ ولا بالتحاض على إطعام المسكين‏،‏ وجل همه النهم الشديد في اقتسام الميراث‏،‏ والحب الجم للمال أيا كان مصدره من حلال أو حرام‏.

وهنا تذكر الآيات بالقيامة وأهوالها‏،‏ ومنها دك الأرض دكًا شديدًا‏،‏ إشارة إلى تدمير الكون الحالي كله‏،‏ ثم إعادة خلق أرض غير أرضنا‏،‏ وسماوات غير السماوات المحيطة بنا‏،‏ ومن هذه الأرض الجديدة التي سوف تحتوي كل الأرض القديمة‏،‏ سيبعث الخلائق‏،‏ ويعرضون أمام ربهم لا تخفي منهم خافية، والملائكة مصفوفون بين يدي الله تعالي،‏ ثم يؤتى بجهنم في هذا الموقف العصيب‏،‏ موقف الحساب الذي يتقرر فيه مصير كل فرد من الخلق إما بالخلود في الجنة أبدا‏ ،‏ أو في النار أبدا وحينئذ يتذكر الانسان ما فرط فيه في حياته الدنيا ويتمنى لو أنه كان قد قدم شيئا ينفعه في هذا الموقف من حياته الآخرة‏،‏ وفي حياته الآخرة‏،‏ فيندم أشد الندم ساعة لا ينفع الندم‏،‏ ولا تجدي الحسرات‏! وفي ذلك تقول الآيات‏:‏ {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ . وَلاَ تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ المِسْكِينِ . وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّماً . وَتُحِبُّونَ المَالَ حُباًّ جَماًّ . كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكاًّ دَكاًّ . وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ . وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى . يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر‏:15‏- ‏24].

وبعد ذلك تصف الآيتان‏ (25، 26)‏ من سورة الفجر هول عذاب الله تعالى للكفار والمشركين‏،‏ وللطغاة المتجبرين على الخلق والمفسدين في الأرض فتقولان‏:‏ {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ . وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} ‏[الفجر‏: 25‏، ‏26].

والضمير في كل من الكلمتين‏: عذابه‏،‏ و‏‏وثاقه‏ إذا نسب إلى الله تعالى كان من معاني الآيتين الكريمتين أن أحدا لا يعذب كعذاب الله سبحانه وتعالى للكفار والمشركين‏،‏ ولا يوثق كوثاقه لهم‏،‏ وإذا نسب الضمير للمعذبين فهمت الآيتان على أن أحدا من الخلق لا يُعَذَب في الدنيا كعذاب الكافر والمشرك في الآخرة‏،‏ ولا يمكن أن يُشَد وثاقه في الدنيا كما سيشد في الآخرة‏،‏ تهويلا للأمر وتفزيعا للعصاة المتجبرين على الخلق‏.‏

وفي المقابل يسمع نداء الحق تبارك وتعالى على أصحاب النفوس الساكنة‏،‏ المطمئنة بالإيمان بربها‏،‏ وباليقين بما وعدها من نعيم الآخرة فتختم هذه السورة المباركة بقول الحق تبارك وتعالى‏:‏
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي} ‏[‏الفجر‏:27‏- ‏30].‏

من ركائز العقيدة في سورة الفجر‏:‏
‏1. الإيمان بالله تعالى ربا واحدا أحدا‏،‏ فردا صمدا‏،‏ بغير شريك ولا شبيه‏،‏ ولا منازع‏،‏ ولا صاحبة ولا ولد‏،‏ وتنزيهه سبحانه وتعالى عن جميع صفات خلقه‏،‏ وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏،‏ واليقين بأنه تعالى يحصي عمل كل إنسان إحصاءً دقيقًا‏،‏ ويجازيه عليه جزاءً عادلا‏.

‏2. التصديق بكل ما جاء بالقرآن الكريم‏،‏ ومن ضمن ذلك ما أخبر به من عقاب عدد من الأمم البائدة‏،‏ جزاء كفرها أو شركها‏،‏ أو مظالمها وتجبرها على الخلق‏،‏ وإفسادها في الأرض‏،‏ وكان من هذه الأمم أقوام كل من عاد وثمود وفرعون‏،‏ وجاء ذكرها للاعتبار بما حدث لها‏.

‏3. التسليم بقضاء الله وقدره تسليما كاملا‏،‏ والرضا به‏،‏ وذلك لأن النفوس غير المؤمنة بالله تعالى يركبها الغرور إذا ابتليت بشيء من السعة في الرزق‏،‏ وتسول لأصحابها أنهم قد أوتوا ذلك عن جدارة شخصية‏،‏ واستحقاق ذاتي‏،‏ وتنسيهم أن ذلك من أفضال الله تعالى عليهم التي تستوجب الشكر‏،‏ وإذا ابتليت بشيء من الضيق في الرزق سولت لأصحابها أن ذلك من قبيل الإهانة لها‏،‏ وليست ابتلاء واختبارا للصبر أو للجزع‏.‏

‏4. اليقين بحتمية القيامة وأهوالها وما فيها من تدمير كامل للكون‏،‏ وبحتمية كل من البعث بعد هذا التدمير‏،‏ والحشر‏،‏ والحساب‏،‏ والجزاء‏،‏ وبحقيقة الخلود في الجنة أو في النار‏.‏

‏5. التسليم بأن ما جاء في الآية الكريمة رقم‏ (23)‏ من هذه السورة المباركة هو من آيات الصفات الخاصة بجلالة الله تعالى والتي يجب الإيمان بها كما جاءت من غير تشبيه‏،‏ ولا تكييف ولا تمثيل‏،‏ ولا تأويل‏،‏ ولا تعطيل‏.

‏6. الإيمان بعالم الملائكة‏،‏ وأنهم خلق من نور‏،‏ مفطورون على طاعة الله تعالى وعبادته‏،‏ وتسبيحه‏،‏ وحمده‏،‏ وشكره بلا انقطاع‏.‏

‏7. التصديق بأن عذاب الله تعالى للكفار والمشركين‏،‏ وللعصاة الظالمين‏،‏ المفسدين في الأرض‏،‏ والمتجبرين على الخلق‏،‏ وشد وثاق كل منهم في الآخرة لا يدانيه عذاب آخر‏.

‏8. الإيمان بالمناداة على الصالحين من خلق الله تعالى في يوم القيامة للدخول في زمر عباد الله الصالحين إلى جنات النعيم‏.‏

من ركائز العبادة في سورة الفجر‏:‏
‏1‏. ضرورة المحافظة على الصلوات الخمس وعلى صلاة الفجر على وجه الخصوص‏ (الصلاة الوسطي‏).

‏2‏. الاجتهاد في العبادة خاصة في الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك ‏(وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‏).

‏3‏. الحرص على إكرام اليتيم‏،‏ والحض على طعام المسكين‏.
‏4. تحريم الظلم بصفة عامة‏،‏ والظلم في توزيع المواريث بصفة خاصة حيث قد يصاحب بحرمان أحد المستحقين من حقه‏،‏ أو بالجور على نصيبه‏،‏ والتحذير من أكل المال الحرام في جميع المعاملات المالية‏.‏

‏5. ضرورة الاجتهاد في الدنيا من أجل النجاة في الآخرة‏.‏
من الإشارات العلمية والتاريخية في سورة الفجر‏:‏
‏1. القسم بكل من الفجر‏ (وقتا وصلاة‏)‏ وبالليالي العشر الأواخر من رمضان‏،‏ وبالشفع والوتر أي الزوجية والإفراد في الصلاة وفي غيرها من العبادات أو على الإطلاق‏،‏ وبسير الليل أي بزحفه على سطح الأرض ليتحقق بذلك تبادل الليل والنهار وهو من ضرورات استقامة الحياة على الأرض‏.‏

‏2. التأكيد على احترام العقل الذي يضبط النفس ويحكم السلوك‏.
‏3. ذكر عدد من الأقوام البائدة ‏(من مثل أقوام كل من عاد وثمود وآل فرعون‏)‏ وذلك بشيء من دقائق أوصافهم‏،‏ وطرائق إبادتهم بظلمهم‏،‏ والكشوف الآثارية الحديثة تؤكد صدق ذلك كله‏.

‏4. التأكيد على أن للكون مرجعية في خارجه إشارة إلى الخالق‏ سبحانه وتعالي.‏
‏5. الإشارة إلى شيء من طبائع النفس الإنسانية‏.‏
‏6. الجزم بحتمية تدمير الكون‏.‏

وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلى معالجة خاصة بها‏،‏ ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم إن شاء الله تعالى على القسم بالأشياء الواردة في النقطة الأولى من القائمة السابقة فقط‏.‏

المصدر: جريدة الأهرام

زغلول النجار

أستاذ علم الجيولوجيا بالعديد من جامعات العالم

  • 37
  • 3
  • 982,650

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً