أسرار المودة بين الزوجين
ما أسعد أصحاب القلوب الطاهرة القادرة على العفو والصفح، وما أسعد الزوجين عندما يحمل كل منهما قلبًا عفوًا غافرًا مثل ذلك القلب، إن أحداثًا كثيرة تحدث في مسيرة الحياة الزوجية، ولئن وقف الزوجان عند كل حادث وقام العتاب والغضب والحزن والألم مقام العفو والصفح والنسيان، فلن تستمر الحياة هانئة أبدًا، بل ستتعثر وربما تقف وتتعرض لفرقة وشقاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا أحب منها آخر».
يشكو كثير منا ذهاب المشاعر الإيجابية بينه وبين زوجته، وبأن الرتابة والنمطية سادت بينهما حتى إنهما صارا كموظفين في منزل واحد! وقد أكثر الكتاب والباحثون والحكماء في الكلام حول أسباب إقامة السعادة الزوجية وغالبها مناسب وصحيح، لكن قد يكون بعضها خياليًا وبعضها يصعب تطبيقه، وتلكم عشر وصفات سهلة مؤثرة لعودة الدفء والمودة بين الزوجين بعد انقطاعها.
أولاً: المشاركة في الأعمال.
هذه الأعمال التي أقصدها، هي اهتمامات يمكن أن يستجدها الزوجان أو أن يبثها بعضهما في بعض، ومن أهم تلك الأعمال المشاركة في العبادات، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطينا نموذجًا مختصرًا في حديثه في صحيح مسلم بقوله: «رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ أمرأته» [1]. ويمكن تطبيق ذلك في قراءة القرآن وصلاة الليل والصدقة وغيرها من الصالحات، كذلك يمكن المشاركة في أعمال أخرى كالاهتمام بالقراءة، أو المشاركة في بعض الأعمال المنزلية كإعداد الوجبات في بعض الأحيان وغيره.
ثانيًا: التعبير اللفظي عن المودة.
يمكن التعبير عن المودة باختيار الكلام الحسن منهما لبعض، والتعبير عن المحاسن، وشكر الأفعال، والابتسام في الوجه، والشكر في العمل الذي يؤديه الآخر، بل في التعبير المباشر عن المحبة والمودة بين الحين والآخر، ولئن جف التواصل بينهما يمكن الاستعاضة عن ذلك برسائل المودة.
ثالثًا: الإعلان عن الثقة.
فإشعار كل طرف الآخر بثقته فيه يديم المودة والمحبة، في حين أن دوام الشك وكثرة وضع القيود، وطول الغيرة بلا سبب واضح ولا داع ظاهر يصنع الكره ويؤدي للضغوط بلا مبرر، الزوجة تحتاج الإشعار بالثقة في خلقها وأمانتها التي كانت تستشعرها في بيت أبيها، والزوج يحتاج الإشعار بالثقة في دينه وأمانته.
رابعًا: تبادل الأحاديث.
إن مجرد تبادل الأحاديث اليومية بصورة منتظمة وبشكل هادئ، يحكي فيه الطرفان عما يريدانه وما يجول في خاطرهما ليعتبر خطوة قوية نحو بناء المودة، وقد جاء في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما يصلي العشاء ويدخل بيته يحادث أهله [2]، ولطالما نقلت عائشة رضي الله عنها أحاديث طويلة دارت بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم على ما كان فيه من الهموم والاهتمامات، إن الصمت بين الزوجين داء ينبغي علاجه، وإن المرأة لتحتاج أن تحكي والزوج يحتاج أن يسمع كثيرًا، لكن أيضا لا بد أن تستشعر المرأة أنها موضع ثقة زوجها بحديثه عن حاله وما مر به من شئون، فتشعر بمشاركته وتطمئن له ويهدأ بالها مهما بَعُدَ عنها أو طَال بُعده.
خامسًا: التقدير والاحترام.
كل واحد من الزوجين ينبغي عليه تقدير جهود الآخر، وبذله وعطاءه، وتقديم الشكر له على ذلك باللسان وبالعمل، والاحترام قيمة لو فُقِدَت بين الزوجين فقد هدم البيت، ومنبع الاحترام هو التقدير والعدل في النظرة للطرف الآخر والصدق مع النفس أثناء تقييمه والنظر لدوره في حياته وأثره في مسيرته، وهذا التقدير والاحترام يؤديان للمودة والعطف، وهذا يظهر في نظرة العين وقبضة اليد، والبسمة الحنون واللمسة الحانية والاعتراف الصادق بالقيمة في القلب والوجدان.
سادسًا: تقديم الواجب قبل السؤال عن الحق.
نعم لكل منهما حقوق، ولكن يجب أن يسأل كل واحد من الزوجين عن واجباته قبل أن يطلب حقوقه، فحقه مرتبط بأدائه لواجبه حق قيام، وتأدية الواجبات دافع أكيد لنيل الحقوق، والواجبات ليست عملا وجهدًا وسلوكًا وفقط، لكن الواجبات المعنوية والمشاعر الإنسانية واجب أيضًا على كل منهما، ومهما بلغ العمل المادي فلن يبلغ وحده القلب حتى يزينه صاحبه بمودة قلبية وتعاطف معنوي صادق.
سابعًا: الرضا والقناعة.
إن أسعد البيوت لبيت تملؤه القناعة، قناعة من كل طرف بزوجه، ورضاه به، ونظرة لمحاسنه، وغض طرفه عن مساوئه ونواقصه، وقناعة بسعة بيته مهما كان ضيقًا، وأثاثه مهما كان متواضعًا، وقناعة بمقدار المال المتيسر مهما كان قليلا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس» (مسلم: 1051). إن السبب الأول لفساد البيوت وفشل الزيجات هو عدم الرضا، وعدم القناعة، وبطر النعم، وكفران العشير.
ثامنًا: الإيمان هو الرابط.
إن الرابط الحقيقي الذي يجمع الزوجين المتحابين السعيدين هو الإيمان بالله والعيش في هذه الحياة لإرضاء الله سبحانه، يجمعهما كسب الحسنات، ويظللهما ذكر الله سبحانه والأعمال الصالحة، وينهي مشكلاتهما حكم الله في المواقف، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالزوجة الصالحة إعانة على شطر الدين، وهي خير متاع الدنيا، فهي غاضة للبصر، حافظة للعرض ساترة للعيب، معينة على الطاعة، والزوج الصالح حافظ للأمانة، مؤد للمسئولية مرب صالح، ومؤمن صادق وبيتهم مدرسة إيمانية للأبناء تملؤها البركة والنورانية.
تاسعًا: العفو والغفران
ما أسعد أصحاب القلوب الطاهرة القادرة على العفو والصفح، وما أسعد الزوجين عندما يحمل كل منهما قلبًا عفوًا غافرًا مثل ذلك القلب، إن أحداثًا كثيرة تحدث في مسيرة الحياة الزوجية، ولئن وقف الزوجان عند كل حادث وقام العتاب والغضب والحزن والألم مقام العفو والصفح والنسيان، فلن تستمر الحياة هانئة أبدًا، بل ستتعثر وربما تقف وتتعرض لفرقة وشقاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا أحب منها آخر» (مسلم: 1469)، ويفرك يعني: يفارق [3].
عاشرًا: العلاقة الخاصة.
تقوم العلاقة الخاصة بين الزوجين بدور إيجابي عندما يجمع الزوجين المودة والمحبة، ولا تؤدي تلك العلاقة دورها أبدًا في المودة إن كانت تؤدى أداءً وظيفيًا جافًا، فالزوجة تحتاج إلى إشعار بالرفق والرحمة والمحبة لذاتها لا لمجرد أداء وظيفة علاقية، وعارٌ على الأزواجِ الذين يحسنون من سلوكهم مؤقتًا حتى يحصلون مبتغاهم من زوجاتهم ثم يعودون لسوء السلوك، إن الله سبحانه وتعالى جعل تلك العلاقة منشئة للمحبة ومبدئة لها كما كل الخطوات السابقة، والطرف الذكي هو الذي ينتفع منها في إنشاء تلك الروح الخفيفة اللطيفة الشيقة في البيت، وإن مراعاة الحقوق في تلك العلاقة لازم آخر وانتظامها ولو تباعدت مهم من المهمات، وفي اختيار نوع العطر دروس يمكن أن يعلمها لنا الأزواج المحبون.
حفظ الله كل زوجين صالحين وجمع بينهما في خير
_________________________________________________
[1] لعل الحديث هو ذاك الذي رواه أبو داوود وصححه الألباني في صحيح أبي داوود برقم (1308)، وقال: حديث حسن صحيح، ونصه: «رحمَ اللَّهُ رجلاً قامَ منَ اللَّيلِ فصلَّى وأيقظَ امرأتَهُ فإن أبت نضحَ في وجْهِها الماءَ، رحمَ اللَّهُ امرأةً قامت منَ اللَّيلِ فصلَّت وأيقظت زوجَها فإن أبى نضحت في وجْهِهِ الماءَ».
[2] روى البخاري في صحيحه برقم (4569) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «بتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، ثم قام فتوضأ واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى الصبح».
[3] يَفْرَك يعني: يُبغض؛ قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر»، يَفْرَك بفتح الياء والراء وإسكان الفاء بينهما: قال أهل اللغة فَرِكه بكسر الراء يَفْرَكه بفتحها: إذا أبغضه، والفَرْك بفتح الفاء وإسكان الراء: البُغض، (اهـ).
خالد رُوشه
- التصنيف:
- المصدر: