الصبر
أجمع العلماء على أنه واجب وهو نصف الإيمان، فالإيمان نصفان: نصفه صبر، ونصفه شكر.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
من (منازل إياك نعبد وإياك نستعين - منزلة الصبر):
حيث أجمع العلماء على أنه واجب وهو نصف الإيمان، فالإيمان نصفان: نصفه صبر، ونصفه شكر.
فالصبر لغةً: الحبس.
وشرعًا: حبس النفس عن الجزع والتسخُّط وحبس اللسان عن التشكي وحبس الجوارح عن التشويش، أي الإتيان بأي عملٍ ينافي الصبر.
وقد ذُكِر الصبر في القرآن الكريم في تسعين موضعًا، وقد أمرنا الله بالصبر في قوله: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران من الآية:200]، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل من الآية:127].
وأيضًا أثنى سبحانه على أهل الصبر في محبته لهم: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران من الآية:146].
كما أنهم يدخلون الجنة بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10].
والبشرى لأهل الصبر بالمكانة العظيمة والثواب الكبير، وأن الملائكة تُسلِّم عليهم في الجنة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].
كما أخبر الله تعالى بأن أهل الصبر من أولي العزم: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43].
وقد نهى الله عن عدم الصبر في قوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف من الآية:35].
ولهذا كله كان الصبر بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كمَن لا جسد لمن لا رأس له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، وقال عليه الصلاة والسلام: « » (صحيح مسلم).
وإنما يكون الصبر عند الصدمة الأولى.
أنواع الصبر:
- الصبر على طاعة الله.
- الصبر عن معصية الله.
- الصبر على أقدار الله المؤلمة.
* وأكمل أنواعه وأصعبها: الصبر على طاعة الله؛ لأنه صبر اختيار، وصبرٌ مُحبّب إلى الله عز وجل، ولأن الطاعة تحتاج إلى المداومة عليها ولزومها والإخلاص فيها؛ مثل صبر نوح عليه السلام وصبر إبراهيم عليه السلام وصبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
* ثم يأتي بالمرتبة الثانية في الكمال: الصبر على معصية الله؛ وذلك لأنه صبر اختيار أيضًا ولكن المعصية غير محببة لله عز وجل بعكس الطاعة؛ مثل صبر يوسف عليه السلام في قصته مع امرأة العزيز.
* ثم يأتي بالمرتبة الثالثة في الكمال: الصبر على أقدار الله المؤلمة؛ لأنه صبر إجبار لا خيار للمرء فيه مثل صبر أيوب عليه السلام.
درجات الصبر:
1- الصبر مع الله -وهو أعظمها- لأنه جنَّد نفسه وِفقًا لأوامره ونواهيه بدون اعتراض أو تذمُّر، وهو صبر الصِّدِّيقين.
2- الصبر لله: مثل صبر إسماعيل الذبيح وإبراهيم عليهما السلام حيث تنفيذ الأوامر والصبر عليها لله.
3- الصبر بالله: وهو صبر الاستعانة بالله ورؤية أن الله هو المُصبِّر، وهو صبر عامة الناس {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
وهناك قاعدة: "أن أعظم الناس محبة لله أعظمهم صبرًا".
مراتب الصبر خمسة:
1- صابر.
2- مصطبِر (مكتسب الصبر).
3- مُتصبِّر (بالله).
4- صبور (عظيم الصبر أكثر من غيره).
5- صبَّار (كثير الصبر).
وقد قيل: "تجرَّع الصبر فإن قتلك قتلك شهيدًا، وإن أحياك أحياك عزيزًا".
وقد أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن:
* بالصبر الجميل: وهو الذي لا شكوى فيه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف من الآية:18].
* الصفح الجميل: وهو الذي لا عتاب معه {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر من الآية:85].
* الهجر الجميل: وهو الذي لا أذى معه {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المُزَّمِّل من الآية:10].
والشكوى تبقى لله عز وجل مع الصبر في كل الأحوال فالشكوى له سبحانه لا تنافي الصبر؛ حيث قال يعقوب عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف من الآية:85]، وقال أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء من الآية:83].
أما الذي ينافي الصبر فهو: شكوى الله للعباد لا الشكوى إلى الله.
وهنا قصة لأحد الصالحين حيث رأى رجلًا يشكو إلى آخر الفاقة والفقر فقال: "يا هذا أتشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟!" ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
فلنصبِر ولنحتسِب.. والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صفاء بنت محمد الخالدي
- درست على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ( من خلال الأشرطة والكتب ) - حصلت على خمس شهادات في العقيدة والفقه من معهد منارة العلوم الشرعية للدراسة عن بعد - تلقي العديد من المحاضرات والدورس الشرعية في المساجد والدور النسائية
- التصنيف: