قاعدة ذهبية للدعاة والعلماء

منذ 2014-08-14

من القواعد المرعية النفيسة التي ينبغي للدعاة والعلماء الالتزام بها احترام خصوصيات البلد وما درج عليه الأسلاف ما لم يخالف أصلاً شرعياً مجمعاً عليه. ويدخل في هذا التزام المذهب الفقهي المعتمد في البلد، والرواية القرآئية وغير ذلك مما جرى عليه العمل ما لم يخالف الدليل.

من القواعد المرعية النفيسة التي ينبغي للدعاة والعلماء الالتزام بها احترام خصوصيات البلد وما درج عليه الأسلاف ما لم يخالف أصلاً شرعياً مجمعاً عليه. ويدخل في هذا التزام المذهب الفقهي المعتمد في البلد، والرواية القرآئية وغير ذلك مما جرى عليه العمل ما لم يخالف الدليل.

والحكمة من هذا جمع الناس على كلمة واحدة، وتحصين المجتمع من الفتن والنزاعات والاختلافات...
والأدلة على عناية السلف بهذا الأمر كثيرة لا يحاط بها منها:
أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة والقصة في (سنن الدارمي)، كتَب إلى الآفاق أو إلى الأمصار: "لِيَقْضِ كل قومٍ بما اجتمَع عليه فقهاؤُهم"، فكان رحمه الله حريصاً على ألاّ يغيرَ من واقع الأُمة شيئاً مألوفاً عندهم ما دام على وجهٍ شرعيٍّ.


ومثل ذلك ما قرره الإمام مالك حين أراد أبو جعفر المنصور أن يحمل الأمة كلها على الموطأ، فرفض رحمه الله مراعاة لأحوال كل بلاد وخصوصياتها وقال كما عند ابن أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل) [ص29]: "...فإن ذهبْتَ تحوِّلُهم مما يَعرفون إلى ما لا يَعرفون رأوا ذلك كُفراً، ولكنْ أَقِرَّ أهلَ كل بلدةٍ على ما فيها من العِلم" وفي روايةٍ: "دَعِ الناسَ وما هم عليه، وما اختار كلُّ أهلِ بلدٍ لأنفُسهم".


ويقرر ابنُ عبد البر رحمه الله نفس القاعدة فيقول كما في (التمهيد)[1/10]: "إنما اعتمدتُ على روايةِ يحيى بنِ يحيى -أي: في شرح الموطأ- خاصةً لموضعه عند أهل بلدنا من الثقة والدِين والفضل والعلمِ والفهمِ، ولِكثرةِ استعمالهم لروايته، وراثةً عن شيوخهم وعلمائهم، فكل قومٍ ينبغي لهم امتثالُ طريقِ سلفهم فيما سبق لهم من الخير، وسلوكُ منهاجهم فيما احتملوه عليه من البِرِّ، وإن كان غيرُه مباحاً مرغوباً فيه".


وقال أحمد بن عُمر وهو من شيوخ ابن عبد البر كما في (الاستذكار)[4/152]: "لا أُخالفُ روايةَ ابن القاسم؛ لأن الجماعةَ عندنا اليومَ عليها، ومخالفةُ الجماعةِ فيما قد أُبيحَ لنا ليس من شِيَم الأئمة".


ومن هنا يتبين أن فعل شيء مستحب أو مسنون لم يجر عليه عمل الناس، مجانب للصواب إن كان يثير فتنة ويتسبب في تنافر القلوب وكثرة الاختلاف، خصوصاً في الأمور التي يسع فيها الاختلاف.


قال الإمامُ ابنُ تيميةَ رحمه الله تعالى: "يُستحبُّ للرجُل أن يَقصدَ إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحَبات؛ لأن مصلحةَ التأليف في الدِين أعظمُ من مصلحة فعلِ هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغييرَ بناء البيت؛ لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أَنكَرَ ابنُ مسعودٍ على عثمانَ إتمامَ الصلاة في السفر، ثم صلى خلْفَه مُتِماًّ، وقال الخلافُ شرٌّ".
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.   

 

عبد السلام أيت باخة   

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك
  • 1
  • 0
  • 1,868

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً