المسلم في بلاد الغربة - (4) الهجرة بين طلب الإيمان والأمان

منذ 2014-08-16

الحمد لله العليم الحكيم، الغفور الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:

لكل انتقال من مكان لآخر، دافع ومبرر ومقتضى، والنية تلعب دورًا أساسيًا في ذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام:«الأعمال بالنية» (متفق عليه)، والقدرة والاستطاعة كذلك لها تأثير في ذلك، والهجرة المشروعة هي التي تكون في سبيل الله، وهي من الدين بل قرنها الله سبحانه وتعالى بالإيمان والجهاد.

قد يكون دافع السفر أو الرحيل والانتقال، تحسين الوضع المعاشي وطلب كسب الرزق، وقد يكون الوازع مجرد الحصول على الجنسية وزيادة الرفاهية بالعيش، وقد يكون السبب الدراسة والحصول على شهادة عليا، وقد يكون المبرر الفرار من الفتن وطلب الأمن والأمان، وقد يكون للحفاظ على الدين وإيجاد مجتمعات تسود فيها الأخلاق والآداب الإسلامية وبالتالي المحافظة على الذرية، وقد يكون هنالك دوافع وأشياء أخرى تختلف بحسب الأحوال والأزمان والأماكن والمقتضيات.

إن من أولى مقتضيات الهجرة والانتقال المشروع، هو طلب الأمن والأمان والإيمان، فهذا أصل عظيم ينبغي على كل مسلم استحضاره في كل حين، وما أحوجنا لهذا الأصل في أيامنا هذه، نتيجة اختلاط الأمور وكثرة الفتن، وقلة البدائل وضعف ترتيب الأولويات.

ومع كثرة المسلمين من حيث العدد والعدة والخيرات والموارد في هذا الزمان، إلا أن بُعدَهم عن تمسكهم الحقيقي بدينهم، وحب الدنيا والانغماس في الماديات وكراهية الموت، وانعدام المفهوم الحقيقي لمعنى الهجرة، جعلهم ضعفاء مشتتين متفرقين أذلاء، يقول عليه الصلاة والسلام: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟" قال: «بل أنتم يومئذ كثير، و لكنكم غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: "يا رسول الله وما الوهن؟" قال: «حب الدنيا و كراهية الموت» (السلسلة الصحيحة رقم [958]).

من أجلّ وأعظم حِكَم الهجرة في سبيل الله، وترك الأوطان والأموال والأحبة والأهل؛ إيجاد وتكوين مجتمع إسلامي متكامل قوي قادر على الدفاع عن مبادئه وقيمه، والحفاظ على تماسكه ووحدته من أي خطر خارجي وداخلي، ولا يتحقق ذلك إلا بفهم راسخ لمعنى الهجرة والانتقال، والعمل الحثيث من مجموع المسلمين لتطبيق هذه الحقيقة، والابتعاد عن حظوظ النفس، والشعور بالمسؤولية وتحملها، والتعاطي بإيجابية مع كل الأحداث.

قال الخطابي وغيره: "كانت الهجرة فرضًا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع، فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة، وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو" (تحفة الأحوذي [5/214-215]).

يمكن تقسيم الهجرة أو الانتقال، من مكان لآخر بحسب الضرورة والمقتضى وملابسات الحالة وحيثياتها، إلى هجرة مؤقتة وأخرى دائمية، أو إن شئت فقل هجرة أمن وأمان وأخرى هجرة دين وإيمان، والهجرة المؤقتة التي ينشد أصحابها الأمن والأمان، هي وسيلة وسبيل لتحقيق الهجرة، التي لا تنقطع إلى قيام الساعة، وتحقيق الشرع والإسلام.

الإيمان لا يتحقق إلا إذا توفر الأمن والأمان، وكلاهما مطلب أساسي للمسلم، والحفاظ على الدين من أولى الضروريات، ثم يتبعه المحافظة على النفس، وعليه قد يحتاج المسلم إلى الهجرة، للحفاظ على الدين والنفس والعرض والمال بوقت واحد، وهذا أقصى درجات الضرورة في الانتقال، وقد يحتاج المحافظة على النفس مؤقتا بهجرة ونقلة سريعة، لغاية أسمى ومطلب عظيم وهو المحافظة على الدين.

ولفهم هذه الحقيقة لابد من معرفة ملابسات وفوائد وحِكم، هجرتي الحبشة والهجرة إلى المدينة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، "فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما ضاقت مكة وأوذي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاد والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره ومما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بأرض الحبشة ملكًا، لا يُظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه». فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، قالت أم سلمة: فلما نزلنا أرض الحبشة نزلنا بخير دار، وجاورنا بها خير جار-النجاشي- أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى، ولا نسمع شيئًا نكرهه، ولم نخش فيها ظلمًا" (صحيح السيرة النبوية [2/ 141]، محمد طرهوني).

تلك هي أول هجرة في الإسلام، وكانت في السنة الخامسة من البعثة، بعد أن أوذي الصحابة من قبل كفار قريش، ولم يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم ودينهم من شدة الضعف، وفي تلك الأثناء لم يكن للإسلام دولة ولا غلبة أو منعة، فحثهم عليه الصلاة والسلام الذهاب إلى الحبشة، لماذا؟ لأن بها ملكًا لا يُظلم أحد عنده وهذا قيد مهم، في ظل عدم وجود أي قوة أو عمق إسلامي آنذاك.

وفي أعقاب الهجرة الأولى إلى الحبشة حدث أن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام، فقرأ سورة النجم فسجد في موضع السجود وسجد كل من كان حاضرًا إلا اثنين من المستكبرين، فشاع أن قريشًا قد أسلمت (السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري ص 171).

ثم بلغ المسلمين وهم بأرض الحبشة "أن أهل مكة أسلموا، فرجع ناس منهم عثمان بن مظعون إلى مكة فلم يجدوا ما أخبروا صحيحاً، فرجعوا وسار معهم جماعة إلى الحبشة، وهي الهجرة الثانية" (السيرة النبوية الصحيحة، أكرم ضياء العمري ص 171).

ومن قوله عليه الصلاة والسلام: «حتى يجعل الله لكم فرجًا ومخرجًا مما أنتم فيه»، وفعل الصحابة من خلال عودتهم السريعة الأولى إلى مكة بمجرد سماع شائعات تفيد بإسلام أهل مكة، هذا يدل على أن المسلم ينبغي أن لا يتأخر ولا يتوانى بالخلاص من الملاذ الآمن المؤقت، إذا وجد مكان آخر يقيم فيه دينه وعباداته ويظهر شرائعه ولا يخشى في الله لومة لائم، فإنه الأصلح والأنفع بل الأفرض عليه حينها، لانتفاء مقتضى استمرارية البقاء في المكان البديل فتأمل.

وعندما بلغ الخطر مبلغه وذروته، اضطر عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، الهجرة من أرض الكفر والشرك في مكة آنذاك، والانتقال إلى المدينة للحفاظ على دعوته وتكوين مجتمع إسلامي موحد، وكانت الهجرة في حينها فرض عين على كل مسلم لأن المدينة هي الدولة الإسلامية الوحيدة على وجه الأرض، وهذا ما يعرف بهجرة الإيمان.

وقد حث الله عز وجل في غير ما آية ونبيه عليه الصلاة والسلام بأحاديث عديدة، على ضرورة الهجرة والالتحاق بركب المسلمين، والمساهمة بتكوين لبناتها وتأسيس أول نواة للدولة الإسلامية، ولم يعذر الله عز وجل من تخلف عنها حيث قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء:97]

هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم: {فِيمَ كُنْتُمْ} أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير، والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم.

{قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْض} أي: ضعفاء مقهورين مظلومين، ليس لنا قدرة على الهجرة. وهم غير صادقين في ذلك لأن الله وبخهم [ص 196] وتوعدهم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، واستثنى المستضعفين حقيقة.

ولهذا قالت لهم الملائكة: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} وهذا استفهام تقرير، أي: قد تقرر عند كل أحد أن أرض الله واسعة، فحيثما كان العبد في محل لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض يتمكن فيها من عبادة الله، كما قال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم: {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} وهذا كما تقدم، فيه ذكر بيان السبب الموجِب، فقد يترتب عليه مقتضاه، مع اجتماع شروطه وانتفاء موانعه، وقد يمنع من ذلك مانع. وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من الكبائر (تفسير السعدي).

وفي الآية الكريمةِ إرشادٌ إلى وجوب المهاجرةِ من موضع لا يتمكن الرجلُ من إقامة أمورِ دينِه بأي سبب كان (تفسير أبي السعود)، وظاهر الآية أنّ الخروج إلى كلّ بلد غير بلد الفتنة يعدّ هجرة (تفسير ابن عاشور).

ثم استثنى الله عز وجل من لا يقدر على الهجرة، لاستضعافه وعدم تمكنه من المغادرة، أو انقطاع جميع السبل للوصول إلى بر الأمان، فقال سبحانه: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء:98]، وقيل: الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص، أي: لا يجدون حيلة، ولا طريقاً إلى ذلك، وقيل: السبيل: سبيل المدينة (فتح القدير).

وجملة : {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء من الآية:98] حال من المستضعفينَ موضّحة للاستضعاف ليظهر أنّه غير الاستضعاف الذي يقوله الذين ظلموا أنفسهم {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ}، أي لا يستطيعون حيلة في الخروج إمّا لمنع أهل مكة إيّاهم ، أو لفقرهم: {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} أي معرفة للطريق كالأعمى (تفسير ابن عاشور).

فقط استثنى الله سبحانه وتعالى من عدم الهجرة، وعذر المستضعفين الذين انقطعت بهم كل السبل المتاحة لمغادرة المكان، ولم يتسن لهم أي من الحيل والمناورة في المغادرة، لكن من تعرض للظلم والاضطهاد في دينه، ويخشى على نفسه من القتل والهلاك، على يد محتل أو حاكم ظالم أو أعوانه من المرتزقة، ووجد مأوى آخر وبديل أقل ضررًا، فيجب عليه الانتقال حتى لو سلك طرقًا ملتوية كأن يصدر جوازًا مزيفًا، أو أوراق ثبوتية أخرى، لحين الوصول إلى بر الأمان، وهذا يعد من الحيل الممكنة في حال انقطاع جميع السبل الاعتيادية.

ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فقد تعرض قرابة 25000 فلسطيني للاضطهاد في العراق بعد عام 2003، ووصل الحال بهم عدم التمكن من إظهار هويتهم الفلسطينية، خوفًا من الميليشيات الصفوية التي تقتل وتعذب وتختطف على الهوية، والأنكى من ذلك عدم تمكن أي من الفلسطينيين من مغادرة البلاد لعدم حصولهم على أي أوراق ثبوتية أو وثائق سفر أو جوازات تتيح لهم السفر، فأصبحوا بين القتل المحقق أو إيجاد حيلة وطريقة لمغادرة العراق أولاً، والنجاة من الظلم الذي تعرضوا له، وهذا ما حصل فعلاً للعديد منهم.

والأعجب من ذلك كله وقد تحار العقول ولا تصدقه، ولا تستوعب ما حصل بعد ذلك، من عدم استقبال أي من الدول العربية والإسلامية أي من أولئك المهجرين الفارين من أرض الفتن، ما اضطرهم للسفر والانتقال إلى بلاد الكفر التي فتحت لهم أبوابها واستقبلتهم واحتضنتهم، في الوقت الذي تخلى عنهم أبناء الدين والقومية، وقد يضطر العديد من المسلمين ترك بلدانهم واللجوء إلى دول ومجتمعات غير إسلامية لنفس الأسباب.

لكن لابد من التفريق بين هذا النوع من الهجرة للحفاظ على النفس أولاً وبشكل سريع وعاجل، حتى لو اضطر المسلم الالتجاء إلى دولة كافرة، كما حصل في هجرة الصحابة إلى الحبشة، لكن ما نود الإشارة إليه والتنبيه عليه، أن تلك الهجرة مؤقتة وليست دائمة كما يحلو للكثير، فمتى ما زالت الضرورة واستشعر المسلم بشيء من الأمن والأمان، وحرية التحرك والتنقل والفسحة في الخيارات، فيجب عليه حينها الانتقال لمكان آخر يحفظ فيه دينه وعقيدته وذريته، وتقديم ذلك كله على أي مقاييس مادية مع الصبر على شظف العيش وضيق الرزق لأن ضرورية الدين مقدمة على كل شيء فتأمل.

لذلك بعد هذا البيان، من العزيز الديان، حثنا الله عز وجل على تحقيق الهجرة المطلوبة، وصدق النية والإخلاص في ذلك، حيث قال سبحانه: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:97].

هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنه يجد مراغمًا في الأرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالح الدنيا.

وذلك أن كثيرًا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتًا بعد الألفة، وفقرًا بعد الغنى، وذلاً بعد العز، وشدة بعد الرخاء.
والأمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصاً إن كان مستضعفًا.

فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإن المراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل، وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.

واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به أغنى الناس، وهكذا كل من فعل فعلهم، حصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة (تفسير السعدي).

وحكم الهجرة باق إلى يوم القيامة إذا وجد معناها، وهو الفرار بالدين عند خوف الافتتان فيه، أو عند العجز عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو رد البدع المنكرة. أما عند خوف الافتتان فمن بقي في دار الحرب عاجزًا عن إظهار دين الإسلام عَصِيَ معصية عظيمة ...

وكذلك يَعصى من أقام ببلد البدع والمنكر الذي لا يقدر على تغييره فيها، أو بأرض غلب عليها الحرام، فإن طلب تغير الحال فرض على كل مسلم (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار عليه الصلاة والسلام وعلى آله المصطفين الأخيار [1/234]، لابن الديبع الشيباني).

وأخيرًا لابد التفريق بين هجرة مؤقتة، نحافظ فيها على أنفسنا من أي مخاطر محدقة، حتى لو اضطررنا الانتقال لبلاد الكفر، إذًا أغلقت الدول العربية والإسلامية أبوابها، لكن يجب أن لا نتخذ تلك الدولة الجديدة موطنًا أبديًا، لأن الغاية من الهجرة والانتقال والأصل فيها المحافظة على الدين، مع ما يحصل من ابتلاء واختبار في القضايا المعيشية والمادية، فلننتبه لهذا الفرق وفقنا الله وإياكم لكل خير.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 12
  • 1
  • 18,651
المقال السابق
(3) مفهوم وحقيقة الهجرة
المقال التالي
(5) الفرق بين الكفر والإسلام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً