حراسة الفضيلة - وجوب حفظ الأولاد عن البدايات المضلة

منذ 2014-08-31

الأوليات المضلة التي يواجهها الأطفال، الذين بلغوا مرحلة التمييز بين الأشياء بالتفريق بين النافع والضار، والتمييز يختلف باختلاف قدرات الأطفال، وهي تلك البدايات التي يتساهل فيها في تربية الذرية بدافع العاطفة والوجدان.

الأصل التاسع

وجوب حفظ الأولاد عن البدايات المضلة

من أعظم آثار الزواج: إنجاب الأولاد، وهم أمانة عند مَن ولّي أمرهم من الوالدين أو غيرهما، فواجب شرعًا أداء هذه الأمانة بتربية الأولاد على هدي الإسلام، وتعليمهم ما يلمهم في أمور دينهم ودنياهم، وأول واجب غرس عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعميق التوحيد الخالص في نفوسهم، حتى يخالط بشاشة قلوبهم، وإشاعة أركان الإسلام في نفوسهم، والوصية بالصلاة، وتعاهدهم بصقل مواهبهم، وتنمية غرائزهم بفضائل الأخلاق، ومحاسن الآداب، وحفظهم عن قرناء السوء وأخلاط الردى.

وهذه المعالم التربوية معلومة من الدين بالضرورة، ولأهميتها أفردها العلماء بالتصنيف، وتتابعوا على ذكر أحكام المواليد في مثاني التآليف الفقهية وغيرها. وهذه التربية من سُنن الأنبياء، وأخلاق الأصفياء.


وانظر إلى هذه الموعظة الجامعة، والوصية الموعبة النافعة، من لقمان لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِ‌كْ بِاللَّـهِ ۖ إِنَّ الشِّرْ‌كَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ‌ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ‌ . وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِ‌كَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُ‌وفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْ‌جِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْ‌دَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَ‌ةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْ‌ضِ يَأْتِ بِهَا اللَّـهُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ‌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ‌ بِالْمَعْرُ‌وفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ‌ وَاصْبِرْ‌ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ‌ . وَلَا تُصَعِّرْ‌ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْ‌ضِ مَرَ‌حًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ‌ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ‌ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ‌} [لقمان:13-19].

قد انتظمت هذه الموعظة من الوالد لولده أصول التربية، وتكوين الولد، وهي ظاهرة لمن تأملها.

وقال الله عز شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارً‌ا} [التحريم:6].
فالولد من أبيه، فيشمله لفظ: {أَنفُسَكُمْ}، والولد من الأهل فيشمله: {وَأَهْلِيكُمْ}، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تفسير هذه الآية، أنه قال: "علموهم وأدبوهم" (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال: [495/1]).

والذرية الصالحة من دعاء المؤمنين كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَ‌بَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّ‌يَّاتِنَا قُرَّ‌ةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "الرجل يرى زوجته وولده مطيعين لله عز وجل، وأي شيء أقر لعينه من أن يرى زوجته وولده يطيعون الله عز وجل ذكره" (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال: [617/2]).

وفي الحديث المتفق على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عنهم».

وجليٌّ من هذه النصوص، وجوب تربية الأولاد على الإسلام، وأنها أمانة في أعناق أوليائهم، وأنها من حق الأولاد على أوليائهم من الآباء والأوصياء وغيرهم، وأنها من صالح الأعمال التي يتقرب بها الوالدان إلى ربهم، ويستمر ثوابها كاستمرار الصدقة الجارية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية»، وأن المفرط في هذه الأمانة آثم عاصٍ لله تعالى، يحمل وزر معصيته أمام ربه، ثم أمام عباده.

عن حميد الضَّبعي قال: "كُنَّا نسمع أن أقوامًا سحبوهم عيالاتهم على المهالك" (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب العيال: [622/2]).

والله سبحانه يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُ‌وهُمْ} [التغابن:14].
ومن عدواتهم للوالدين: التفريط في تربيتهم، لما يؤول إليه من التأثيم.

قال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى، كان يقال: "إذا بلغ الغلام فلم يزوجه أبوه فأصاب فاحشة أثم الأب" (رواه ابن أبي الدنيا في [كتاب العيال: [1/172]).

وقال مقاتل بن محمد العتكي: حضرت مع أبي وأخي عند أبي إسحاق -إبراهيم الحربي- ، فقال إبراهيم الحربي لأبي: "هؤلاء أولادك؟" قال: "نعم"، قال: "احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم". (كما في صفة الصفوة لابن الجوزي).

وأن هذا التفريط يوجب عزل ولايته، أو ضم صالح إليه، إذ القاعدة أنه لا ولاية لكافر ولا لفاسق، لخطر تلك المحاضن على المواليد في إسلامهم وأخلاقهم.


والشأن هنا في تشخيص البدايات المضرة، والأوليات المضلة التي يواجهها الأطفال، الذين بلغوا مرحلة التمييز بين الأشياء بالتفريق بين النافع والضار، والتمييز يختلف باختلاف قدرات الأطفال، وهي تلك البدايات التي يتساهل فيها في تربية الذرية بدافع العاطفة والوجدان، حتى إذا بلغ المولود رشده كان قد استمرأ هذه الأذايا، وخالطت دمه وقلبه، وكسرت حاجز النفرة بينه وبين ما يضره أو يضله، فيبقى الوالدان والأولياء في اضطراب ونكد، ومكابدة في العودة بهم إلى طريق السلامة، فكأن لسان الحال يقول: {يَا حَسْرَ‌تَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّ‌طتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ} [الزمر:56].

فصار حقًا علينا بيان هذا الأصل، الذي يقوم على أسس الفطرة، والعقيدة الصحيحة، والعقل السليم، في دائرة الكتاب والسنة، ولفت نظر الأولياء إليه، ليكون وعاءً للتربية الأولية للمواليد، وحفظهم من البدايات المضرة بدينهم ودنياهم، فمن هذه البدايات المضرة بالفضائل، لا سيما الحجاب:

1-حضانة الفاسق: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه..» الحديث (رواه البخاري في صحيحه).
فهذا الحديث العظيم يبين مدى تأثير الوالدين على المولود، وتحويله في حال الانحراف عن مقتضى فطرته إلى الكفر أو الفسوق، وهذه بداية البدايات.

ومنه إذا كانت الأم غير محتجبة ولا محتشمة، وإذا كانت خرَّاجة ولاجة، وإذا كانت متبرجة سافرة أو حاسرة، وإذا كانت تغشى مجتمعات الرجال الأجانب عنها، وما إلى ذلك، فهي تربية فعلية للبنت على الانحراف، وصرف لها عن التربية الصالحة ومقتضياتها القويمة من التحجب والاحتشام والعفاف والحياء، وهذا ما يسمى: التعليم الفطري.
ومنه يُعلم ما للخادمة والمربية في البيت من أثر كبير على الأطفال سلبًا أو إيجابًا. ولهذا قرر العلماء أنه لا حضانة لكافر ولا لفاسق، لخطر تلك المحاضن على الأولاد في إسلامهم وأخلاقهم واستقامتهم.

2- الاختلاط في المضاجع: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» (رواه الإمام أحمد، وأبو داود).

فهذا الحديث نص في النهي عن بداية الاختلاط داخل البيوت، إذا بلغ الأولاد عشر سنين، فواجب على الأولياء التفريق بين أولادهم في مضاجعهم، وعدم اختلاطهم، لغرس العفة والاحتشام في نفوسهم، وخوفًا من غوائل الشهوة التي تؤدّي إليها هذه البداية في الاختلاط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

قال إبراهيم الحربي رحمه الله تعالى: "أول فساد الصبيان بعضهم من بعض" (كما في ذم الهوى لابن الجوزي).

3- الاختلاط في رياض الأطفال: هذه أولى بدايات الاختلاط خارج البيوت، وإذا كان الاختلاط في المضاجع بين الأولاد -وهم إخوة- داخل البيوت بإشراف آبائهم مما نهى عنه الشرع، فكيف به خارج البيوت مع غياب رقابة الوالدين؟!! فليتق الله الوالدان من الزجّ بأولادهم في هذه المحاضن المختلطة.

4- تقديم طاقات الزهور: هذه من بدايات السفور والتبرج والحسور، ومن بدايات نزع الحياء، وتمزيق الغيرة، وهي تغرس في نفس الطفلة هذه البدايات، وتسري في بنات جنسها كسريان النار في الهشيم، فاتقوا الله عباد الله في ذراريكم.
 

5- بداية التبرج في اللباس: إلباسُ الصبيَّة المميزة، الأزياءَ المحرمة على البالغة، كالألبسة الضيقة، أو الشفافة، أو التي لا تستر جميع بدنها، كالقصير منها، أو ما فيه تصاوير، أو صلبان، أو تشبه بلباس الرجال، أو الكافرات، إلى غير ذلك من ألبسة العُريّ والتَّهتُّك، التي ثبت بالاستقراء أنها من لدن البغايا، المتاجرات بأعراضهن، نسأل الله الستر وحسن العاقبة.

     

    بكر بن عبد الله أبو زيد

    عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية سابقاً ورئيس المجمع الفقهي الدولي ... رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه ولمشايخه ولتلامذته ولمحبيه.

    • 2
    • 0
    • 10,351
    المقال السابق
    الــزواج تــاج الـفــضــيـلة
    المقال التالي
    وجوب الغيرة على المحارم وعلى نساء المؤمنين

    هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

    نعم أقرر لاحقاً