المدرسة الابتدائية بين الثواب والعقاب

منذ 2014-09-16

إن الطفل يحب من يهتم به ويعطف عليه؛ لأنه يريد معرفة ردود الفعل على ما يقوم به من أعمال في عقله، لتصبح في المستقبل علامات لسلوكه وتصرفاته، وكثير ممن انحرفوا بسبب فقدان هذا الاهتمام والمحبة، وآخرون يعملون أعمالاً لينالوا رضا مربيهم، والمربي يلاحظ هذا وذاك ويوجه ويساعد على التوازن.

لا زال موضوع الثواب والعقاب يشغل بال كثير من المربين والآباء والباحثين، وإنهم وإن اتفقوا على الثواب وطرقه وفائدته، فقد كثر جدلهم حول العقاب وما يتركه من أثر، وخاصة أشد مراحله (العقاب الجسدي)، وانقسموا فيه بين مانع ومطلق ومقيد.

الثواب أثره وطرقه:
الثواب، الثناء، الشكر، المحبة، والعطف، الاهتمام، كلها ترفد مصباً واحداً، وقد فطرت النفوس على حب من أحسن إليها، فطبيعة النفس البشرية تحب الثناء والشكر محبة اعتدال، لأن زيادة الثناء والعمل من أجله قد يؤدي إلى الرياء، وجاءت كثير من النصوص تلبي هذه الحاجة الفطرية.

قال تعالى: {وأَمَّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى وسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} [الكهف:88]. {هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ} [الرحمن:60]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له» (رواه أبو داود والنسائي، وأحمد وصححه الشيخ شاكر، ورواه ابن حبان، و الحاكم وصححه، والبيهقي، وصححه الألباني).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» (رواه أحمد والترمذي وصححه، وصححه الألباني).

إن الطفل يحب من يهتم به، ويعطف عليه لأنه يريد معرفة ردود الفعل على ما يقوم به من أعمال في عقله، لتصبح في المستقبل علامات لسلوكه وتصرفاته، وكثير ممن انحرفوا بسبب فقدان هذا الاهتمام والمحبة، وآخرون يعملون أعمالاً لينالوا رضا مربيهم، والمربي يلاحظ هذا وذاك ويوجه ويساعد على التوازن.

ألا نلاحظ كيف يغار الإخوة من المولود الجديد، وما ذلك إلا لشعورهم بأنه استأثر أو سوف يستأثر بالأبوين على حسابهم، ولذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم العدل بين الأبناء. ابتسامة رضىً من مرب، أو مسحة رأس. أو كلمة طيبة: "جزاك الله خيراً"، أحسنت، كل ذلك وسائل تفعل فعلها والتوسط في توزيعها، وتجديد أساليبها وطرقها شيء مطلوب، ورتابتها والإكثار منها يفقدها قوتها، وإخطار أولياء الأمور بالثناء المكتوب له أثر طيب، وربما يكون حافزاً للمزيد من العطاء.

العقاب:
من الطبيعي أن يخطئ الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» (رواه الترمذي وابن ماجه، والحاكم وصححه، وصححه ابن حجر، وابن باز، وحسنه الألباني).

هذا الكبير، فكيف بالصغير، وقد رفع عنه القلم. لماذا؟ لأن نموه العقلي لم يكتمل بعد ولم يميز.
وفي بعض البلدان يسمون الأطفال "الجهال"، فهذا الجاهل الذي أعذره الله إذا وقع منه خطأ هل نتركه؟ طبعاً لا، لا بد من العلاج، وكلمة العلاج تسوقنا إلى مثال طبي. لو جرحت يد أحد من الناس يداويها بالدواء الابتدائي السهل فإن برأ فذاك، وإن زادت يرتقي بالدواء. وقد ذكر القرآن الكريم التدرج بالعقوبات في معالجته للخلافات الزوجية.

وقد اتفق المربون على الابتعاد عن الكلام الجارح، والتوبيخ الذي ينتقص من شخصية الطفل، أو يسبب له ردود أفعال سيئة، واتفقوا أيضاً على أن يكون كل ذلك بين المربي والتلميذ، وليس أمام أحد من الناس.

ولكن تبقى هناك مشكلة اختلف المربون وهي: هل يضرب الولد أم لا؟
وحتى تأخذ هذه المسألة أبعادها؟ لابد من معرفة متى يستحق التلميذ العقوبة؟
ونحن نعتقد أن هناك سببين لذلك:

1- ما يتعلق بالدرس والتحصيل.
2- ما يتعلق بالسلوك والتربية.

فالأول إما أن يكون سببه المدرس والمنهج، وهذا لا علاقة للتلميذ به، أو أن التلميذ مقصر في الاجتهاد والواجبات، فهنا لكل حادث حديث، عندها يبحث المربي عن الأسباب الحقيقية لهذا التقصير، ويتصل بالبيت ويتعاون مع الأهل، حتى يضعوا العلاج ولو أدى الأمر إلى صرف التلميذ إلى مجالات مهنية.

وأما السبب الثاني وهو الخطأ في السلوك والتربية، فالكذب، والحيل، والسرقة، والاعتداء، والغياب عن المدرسة. وهنا سأضرب مثالاً لحالة من الخطأ السلوكي (السرقة) وطرق علاجها:

1 - الطريقة الأولى: أخذ التلميذ وضربه ضرباً شديداً حتى لا يعود لمثلها، وربما كان ذلك أمام أقرانه، ثم إذا حدثت أي سرقات في المستقبل يشيرون إليه، ولو كان بريئاً وسمي من قبلهم سارقاً.

2 - الطريقة التربوية في العلاج: يؤخذ الطالب ويبحث معه ومع أهله (إذا لزم الأمر) عن الأسباب الدافعة للسرقة، بتكتم ورفق. وأسباب السرقات عند الأطفال معروفة، فهي إما عن حاجة أو عبث أو نكاية بزميله، أو غير ذلك، وإذا عرف السبب عولج الأمر من جذوره.

فالمربون المتخصصون يقولون: لكل حالة عندهم حل، يعتمد على التربية وعلم النفس والتجربة، وأن الضرب لا يحل المشكلة، بل عندهم هو المشكلة، إذ يكون مدخلاً لانعدام التوازن النفسي عند التلاميذ، مما يكون له عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع.

وأيدهم في هذا الرأي ممن استرشد بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قول السيدة عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً قط بيده ولا أمره، ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله» (رواه مسلم).

وعن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا" (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه» (رواه مسلم). وحين كان أبو بكر رضي الله عنه يضرب غلاماً: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى هذا المحرم ماذا يفعل؟» (رواه أبو داود وابن ماجه وحسنه الألباني). ومعلوم أن الضرب لا يفسد الإحرام.

كما أيد منع الضرب كثير من الدول التي تعطي الأولوية لبناء مجتمع سليم من أساسه يحترم فيه الفرد ليعود نفعه على المجتمع في المستقبل. ودول أخرى وإن لم يكن هذا همها، إنما أيدت المنع لما ترتب على الضرب من آثار جسدية سيئة على الأفراد، فإحصائيات وزارات التربية والداخلية مليئة بملفات قضايا ضرب الأولاد في المدارس وما ترتب عنه ابتداءً من الكدمات والجروح، مروراً بفقدان الحواس، مثل: السمع والبصر والأسنان، انتهاء بالوفاة، فأرادت أن تطوي صفحة من تلك الأمور ومنعت.

أما الذين سمحوا بالضرب فقد احتجوا ببعض الآثار: مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع» (رواه أبو داود والترمذي، حسنه النووي، وصححه ابن باز).

وقد رد المانعون على أن الحديث في الصلاة للأب فقط، وليس المربي مثل الأب وخاصة مع غياب المربي الناجح. وآية سورة النساء التي تبيح ضرب الزوجة من قبل زوجها فقط.

وهناك فريق ثالث قال: نحن مع المربين في ضرورة حل المشاكل بالطرق التربوية، والمحافظة على توازن التلميذ، ونحن لسنا مع المؤيدين للضرب لما يترتب على ذلك من آثار جسدية، ونفسية واجتماعية، ولكن ألا يوجد بعض الحالات الشاذة التي لا ينفع فيها نصح ولا موعظة ولا علم نفس: ماذا نفعل؟ نرى أنه لا مانع بعد استنفاذ كل الوسائل التربوية، وبشرط أن يكون الضرب غير مبرح، ويتجنب الوجه والأماكن الحساسة. واشترط بعضهم إذن الأهل المسبق، أو حصر ذلك بإدارة المدرسة، لئلا يتوسع بهذه الرخصة، أيد هذا الرأي بعض الدول، وكذلك بعض المهتمين بأمور التربية، وعلم النفس، وهذا ما تميل إليه النفس. والله أعلم.

عدنان محمد عبد الرزاق

المصدر: مجلة البيان، العدد 31، ص37.
  • 405
  • 21
  • 17,367

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً